SAT 19 - 10 - 2024
 
Date: Jun 3, 2011
Source: جريدة الراي الكويتية
العمليات السرية لاستقطاب «الفلول» في الانتخابات المصرية

| القاهرة - من عبدالله كمال |

 

بُعيد أيام، من الإعلان عن تأسيس حزب «المصريون الأحرار»، الذي اعتبره رجل الأعمال نجيب ساويرس «نواة» لتجمع مدني للقوى السياسية في مواجهة الصعود المتنامي للتيارات الدينية، عقد لقاء حاشد في سوهاج - المحافظة الصعيدية التي تبعد عن جنوب القاهرة نحو 500 كيلو متر، وجهت فيه الدعوة لرؤوس العائلات والقيادات المجتمعية: التي هي بطبيعتها كانت تنتمي للحزب الوطني الذي صدر حكم قضائي بحله من محكمة إدارية.
بين الحضور كان هناك عدد من الشباب المنتمي لجيل جديد دخل عالم السياسة مدفوعا بالزخم الذي أحدثه الفعل الثوري لمجريات 25 يناير، وكان أن وقف أحدهم هاتفا ضد الحزب الوطني الذي اتهمه بأنه أفسد الحياة السياسية خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وكان أن ردت منصة اللقاء على الهتاف بالتأييد والهجوم الإضافي على هذا الحزب ورجاله الذين وصفتهم بدورها بأنهم «خربوا الحياة السياسية»، فاعترض الحاضرون وخرج البعض من الاجتماع الجماهيري واكتفى آخرون بـ «الهمهمة».
«حل الحزب»، لم يعنِ أن قياداته وكوادره اختفت من الساحة السياسية، ويقدر مراقبون أن كثيرين منهم يكونون رقما في الانتخابات البرلمانية التالية، المقررة حتى الآن في سبتمبر المقبل. ويعود السبب إلى مكمن قوتها الذي كان هو في حد ذاته نقطة ضعفها الجوهرية.


الحزب الحاكم سابقا، المنحل قضائيا، لم يكن أيديولوجيا كما هو حال «البعث العراقي»، أو «الدستوري التونسي»، وهنا كان يكمن قصوره الأساسي، فالرابط الفكري كان أقرب إلى الانعدام على مستوى القيادات الوسيطة والقواعد العريضة، لكنه كان شبكة علاقات واسعة وتوازنات عائلية وقبلية واحتواء للقيادات المجتمعية التي تبادلت المصالح السياسية مع الحزب الذي كان، فكانت تستفيد منه على المستوى الخدمي المحقق لمصالحها على المستوى المحلي ويستفيد منها سياسيا على المستوى الوطني.


الأجيال الأقدم من هذه الكوادر تعود ممارستها السياسية إلى نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، التحقت إلى العمل العام عبر الانضمام إلى التنظيم السياسي الوحيد الذي كان موجودا وقتها «الاتحاد الاشتراكي»، ثم دفعتها مرونتها إلى الانضمام لتنظيمات التعدد السياسي فيما بعد إعلانه العام 1976 من خلال المنابر الثلاثة تحت مظلة الاتحاد الاشتراكي نفسه، ومن بعده إلى الأحزاب المعلنة في سياق التعددية الحزبية. وقد مالت في أغلبها أن تنضم إلى منبر «الوسط»، فحزب مصر، ثم الحزب الوطني، باعتبارها الكيانات الوسطية، والملتصقة بالسلطة تأكيدا لجوهرية المعادلة السياسية التقليدية في ارتباط هذه القوى بالتنظيم السياسي الذي تعضده الحكومة.


الفرز السياسي التالي لمجريات 25 يناير الماضي لم يتح بالطبع تحولات مثيلة لما جرى في نهاية السبعينات لهذه القوى لأكثر من سبب، أولا لأنها لا تعرف ماهو التنظيم الذي ستعضده السلطة، وثانيا لأن خصمها الأساسي الذي أطاح مصالحها هو جماعة الإخوان التي كانت خصومتها هي الجامع الأيديولوجي الوحيد لتلك القوى، وثالثا لأنها تواجه علنا حمله تشويه سياسي واسعة النطاق باعتبارها حسب الوصف الأشهر «فلول» و«بقايا» النظام السابق، أو كما يقال عنها إعلاميا من «قوى الثورة المضادة».


وبغض النظر، عن أنه كان هناك تضارب في الأرقام التي تشير إلى حجم عضوية الحزب الوطني قبل حله - وما إذا كان 3 ملايين، وهو رقم مبالغ فيه كان غالبا ما يردده الأمين العام المسجون حاليا على ذمة قضيتين صفوت الشريف، أو أنه نحو مليون و700 ألف عضو - حسب توثيقات الحزب نفسه في العام 2009، فإنه خلف وراءه هيكليا الشخوص المنضوين لقرابة 6700 وحدة حزبية، في جميع أرجاء مصر، وهيئة برلمانية سابقة تضم ما لا يقل عن 600 سياسي كانوا أعضاء في مجلسي الشعب والشورى، وما لا يقل عن 10 آلاف كادر انضموا في عضوية المجالس المحلية.
وتكمن القوة السياسية لهذه الكوادر الملاحقة إعلاميا في أنها ذات انتماءات عائلية وقبلية واجتماعية، خصوصا في الصعيد والوجه البحري، وفي أن أغلبها يحتفظ بعدد مهول من بطاقات التصويت الخاصة للمؤيدين المرتبطين، وفي أنهم ذوو خبرة انتخابية متراكمة، ويدركون ما هي السبل المختلفة لأسرار العملية الانتخابية التي لا تقوم غالبا على البرامج الواضحة وفقا لمقومات البيئة المصرية، وتستند عمليا إلى العلاقات الشخصية وطبيعة الخدمات التي يقدمها النائب لناخبيه في القرية أو مركز المحافظة.


ترك الحزب الوطني، المنحل، خلفه، اضافة إلى الأعضاء السابقين في مجلسي الشعب والشورى المنحلين بدورهما، بضعة آلاف من الكوادر السياسية ذات الإمكانات والقدرة المحلية، التي كانت تتنافس في ما بينها على نيل فرصة الترشح على قوائمه، ما كان يمثل له معضلة معقدة في إحداث التوازنات والاختيار من بينها، الأمر الذي دفعه في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة إلى أن يلجأ لأسلوب الترشح متعدد الأسماء في الدائرة الواحد.


من اللافت في الأسابيع الأخيرة، وعلى النقيض من الحملة الإعلامية العنيفة التي تتعرض لها تلك الكوادر تحت بند «الفلول»، أن هناك عمليات استقطاب واسعة من قبل مختلف الأحزاب التقليدية والمستحدثة في الساحة السياسية المصرية، إذ وجدت فيها قيادات تلك الأحزاب ما يمكن أن يعوض نقصان كوادرها في أغلب الأحيان أو انعدامه في بعضها، وقد قال لي أكثر من نائب سابق من محافظات مختلفة أنه تلقى عروضا من أحزاب الوفد والجبهة الديموقراطية والغد والمصريون الأحرار والوسط وغيرها، تدعوه إلى أن يترشح على قوائمها في الانتخابات المقبلة.
ويتوزع هؤلاء بين 4 خيارات، أولها، الإحباط وعدم الترشح في الانتخابات، والثاني، اللجوء إلى اختيار الترشح المستقل، والثالث، انتظار ظهور أحزاب تقودها قيادات سابقة في الحزب الوطني الذي كان، والرابع، الترشح على أي من قوائم الحزب القديمة أو المستجدة، وفقا للإغراءات السياسية، لكن المؤكد أن هذه الكوادر لن تقبل عروضا إخوانية شبه نادرة يتلقاها بعضهم في عدد من المحافظات ووجهت إلى أسماء لاتتمتع بالشهرة المحلية، وإن كانت لديها قدرة انتخابية.


وإذا كانت الكوادر «الفلول» تميل في معظم الأحوال إلى الخيارين الثاني والثالث، فإن عددا من قيادات الأحزاب الجديدة يعتقد أن تلك القوى التي اعتركت الحياة السياسية ستفقد بعضا كبيرا من تأثيرها اعتمادا على أن عملية التسجيل في جداول التصويت، التي كان أقرتها غالبية الحزب الوطني السابقة، أتاحت لأجيال جديدة ولدت منذ نهاية الثمانينات أن تنضم إلى قوائم الناخبين تلقائيا ومن دون تسجيل، ومن دون الاحتياج إلى حمل البطاقة الانتخابية، ما يجعل عدد المصوتين حاليا نحو خمسين مليون فرد.


إلا أن ذلك احتمال يقوم في الأساس على التأكد من جاذبية العملية الانتخابية المقبلة ودفعها أصحاب الأصوات، لأن يشاركوا على نطاق واسع مايحدث تنافسا نوعيا آخر بين من يمكن وصفهم بـ «المقترعين المحترفين معتادي التصويت» والأجيال الجديدة من أصحاب الأصوات.
وفقًا للملامح الحالية والمعطيات الآنية، ومن دون إغفال أن الساحة المصرية تعتريها الآن متغيرات شبه يومية، ومع التسليم بأن أوراقا عديدة لم تزل مختفية ولم تعلن عن نفسها بعد، فإنه يمكن القول إن تشكيلة مجلس الشعب المقبل ستضم بما لايقل عن خمسين في المئة من الوجوه السياسية التي احترفت العمل السياسي على الأقل منذ منتصف الثمانينات.
بحسبة شبه موقتة، يعني ذلك، أن القوى التقليدية، وهي بطبيعتها غير مؤيدة للاتجاهات الدينية، مع القوى والكوادر الجديدة التي أفرزتها مجريات 25 يناير، والمرشحون الأقباط المحتملون، سيكون لهم ما يفوق 60 في المئة من المجلس المقبل، لكن توزيع تلك المقاعد سياسيا لا يبشر بقوام متماسك لهذا العدد، ما يجعل هناك تأثيرا ملموسا لاحتمالات أن تحصل الاتجاهات الدينية على مابين 30 في المئة 40 في المئة من مقاعد البرلمان، ما يجعلها تتحكم في ما يعرف باسم «الثلث المعطل»، لبنانيًّا.



 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Egyptian celeb faces backlash over photo with Israeli singer
Three Egyptian policemen, four militants killed in prison break attempt
Acting leader of Egypt's Muslim Brotherhood arrested in Cairo
Egypt mulls law to protect women's identities as MeToo movement escalates
Egypt homeless, street children hit hard by pandemic scourge
Related Articles
Private-equity fund sparks entrepreneurial energy in Egypt
Young Egypt journalists know perils of seeking truth
What Sisi wants from Sudan: Behind his support for Bashir
Egypt’s lost academic freedom and research
Flour and metro tickets: Sisi’s futile solution to Egypt’s debt crisis
Copyright 2024 . All rights reserved