MON 20 - 1 - 2025
 
Date: May 29, 2011
Source: جريدة الراي الكويتية
«جمعة الغضب» المصرية ... صراع وجود بين القوتين الثانية والأولى... والثالثة تنتظر

| القاهرة - من عبدالله كمال |

بغض النظر عن ان ارتفاع درجة الحرارة، والمخاوف التي استشعرها المصريون من عدم تواجد القوات المسلحة في أماكن التظاهرات، أديا إلى انخفاض الأعداد التي احتشدت في ما عُرف باسم «جمعة الغضب الثانية»، أو ما سمي في صياغات أخرى بـ «الثورة الثانية»، فإن ما شهدته مصر خلال ذلك الحدث كان في تحليله، «محاولة لتجسيد القوة الثانية في الساحة السياسية الجديدة بعد 11 فبراير الماضي وترك الرئيس مبارك لسلطاته».
الشعارات التي رفعت الجمعة، أو في التحضير للتظاهرات، وإعلان استشعار الخطر على «الثورة» والمناداة بتسريع المحاكمات التي تلاحق إدارة الرئيس السابق حسني مبارك ورجال عصره، وتوجيه بعض الانتقادات للقوات المسلحة، ولوم وسائل الإعلام الداعية إلى الهدوء والاستقرار، والاعتراض على التحذير من سوء أوضاع الاقتصاد واعتبار الحديث في هذا ترويع للشعب من «الثورة»، كل هذا قد لا يكون له علاقة حقيقية بالمضمون الأبعد لتظاهرة الجمعة التي رغبت في إعلان «القوة الثانية» عن وجودها وقدرتها، وأنها ملموسة ولا بد من الاستماع إلى رؤيتها. فهم ما جرى في «جمعة الغضب الثانية»، لا بد أن يعود إلى نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية يوم 19 مارس الماضي، حين أيد هذه التعديلات نحو 14 مليون نسمة ورفضها 4 ملايين شخص، ذلك أن الحشد في اتجاه تأييد التعديلات اعتلته إعلاميا جماعة «الإخوان المسلمين»، بينما ساند الرفض «اليساريون ومؤيدو الجمعية الوطنية للتغيير وجماعات الاحتجاج السياسي»، وعلى رأسها حركة «كفاية» وحركة «6» أبريل»، والشباب الذي كان متصدرا تفاعلات مجريات 25 يناير ومن بعده 28 يناير.
عمليا، لم يكن التصويت المؤيد للتعديلات كله نابعا من «الإخوان»، وقد كان القوام الأساسي لـ 14 مليون صوت مع التعديلات نابعا من الغالبية الصامتة الراغبة في العودة للاستقرار، والقوى التقليدية في ربوع الريف المصري، بخلاف الميل الواضح لتأييد شرعية وجود المجلس الأعلى للقوات المسلحة في صدارة الحكم.
في المقابل، فإن القوى الرافضة للتعديلات مثلت الجيل الجديد من أصحاب الفعل الثوري واليساريين ونشطاء حقوق الإنسان والجماعات الناصرية وقوى الليبرالية الجديدة وأتباع الدكتور محمد البرادعي والاحتجاجيين.


في الأسابيع الماضية، حاولت جماعة «الإخوان» أن تؤكد أنها القوة السياسية المهيمنة، وأنها بصدد أن تكون الغالبية المقبلة برلمانيا، مع التأكيد على أنه «لا جدال في ذلك، وأنه أصبح حقيقة لا مفر منها»، وبدأ «الإخوان»، سواء عبروا عن أنفسهم حزبا أو جماعة، في التعامل بقدر من الاغترار مع هذه المتغيرات، ما سبب نوعا من الاستفزاز السياسي لمن قالوا إن الثورة تنتسب إليهم، خصوصا بعد أن وضع الإخوان بينهم وبين الجمعية الوطنية للتغيير والبرادعي خطًا فاصلا أنهى ضمنيا التحالف العلني الذي كان موجها لإدارة مبارك.
حتى لو كان الاحتشاد الإعلامي من أجل تظاهرة الجمعة، شخص المجلس العسكري خصما في المرحله الأولى، ثم ابتلع ذلك، حتى لو كان التجهيز للتظاهرة وجه لوما للحكومة المؤيدة ثوريا، ثم ابتلع ذلك، فإن الرسالة التي تلقاها منظمو التظاهرة ظهيرة الخميس من المجلس العسكري، والمتمثلة في بيانه القائل أنه لن تتواجد أي قوة عسكرية في أماكن التظاهرات، عبرت عن فهم دقيق لمضمون رسالة الجمعة، وهو أنها اختبار قوة بين الإخوان والقوة الثانية على الساحة السياسية.


المعادلة كانت واضحة جدا، فإما أن الإخوان سيشاركون في المظاهرة التي دعي إليها، ما يعني أنهم سيمضون إلى مسافة أبعد مع القوة الثانية، وأن تحالف 28 يناير لا يزال قائما، أو أنهم سوف يتركون تلك القوة وحدها ويجرى الفرز، كاشفا عن وجود ملموس لكل من القوة التي حضرت وقررت اختبار نفسها وقدرتها على حشد الجمهور، وعن حجم تأثير القوة الأولى التي قررت ألا تحضر، وهي هنا جماعة الإخوان.
كانت الرسالة موجهة في اتجاهين من هذه القوة الثانية، أولا في اتجاه المجلس العسكري، بحيث يبعث إليه هذا الفريق، بمعنى أنه موجود وينبغي الإنصات إليه، وعدم تجاهله، بينما المعادلات تبنى مع قوى أخرى، وثانيا في اتجاه الولايات المتحدة والعالم الغربي الذي كان قد بدأ في بناء معادلاته على أساس أنه لا منازع للإخوان.


حصل الاستقطاب، حتى لو كانت القوة الثانية لم تتمكن من حشد مئة ألف متظاهر، بينما هي تتكلم عن حضور نصف هذا العدد تقريبا، بل هروبها من سؤال الحشد باللجوء إلى عبارة «التحرير بمن حضر»، وأصبح هناك تناقض سياسي صريح بين القوة الأولى والقوة الثانية، حتى إن البرامج التليفزيونية تضع ممثلي الاتجاهين في مواجهة بعضهما بعضا الآن ومنذ مساء الأربعاء. وسيفرض هذا على الإخوان اختيارا من اثنين:
الأول: البحث عن وسائل لرأب الصدع، منعا للمضي قدما في خطاب الانتقاد الإعلامي واسع النطاق من قبل القوى اليسارية للإخوان.
الثاني: المضي قدما في اتجاه الفصل بين الإخوان وهذه القوة الثانية التي تقول إن لها نصيبا ودورا مهمًّا في قيام الفعل الثوري الذي تبلور يوم 28 يناير وأسفر عن نتيجة 11 فبراير الماضي.
لكل اختيار أعباؤه، خصوصا إذا قرأ المجلس العسكري مضمون ما جرى الجمعة على أنه لم يكن موجها له بالتحديد، حتى لو تم استخدام عنوانه في الترويج للمظاهرة، ومن ثم فإن الإخوان لابد أن يسعوا إلى تقليل الخسائر وهم يحاولون إقناع الأطراف المتابعة في الداخل والخارج بأنهم هم القوة الأكبر والأكثر تأثيرا.
لم تزل الساحة المصرية قيد التشكل، وحجم الطاقة المهولة التي تم تفجيرها بسبب الفعل الثوري في يناير وفبراير الماضيين، يشير إلى أن بطن السياسة في مصر لم يزل في تفاعلاتها الكثير جدا على مستويات مختلفة، وبالتناظر ما بين العوامل الداخلية والخارجية. وفي هذا السياق نلحظ ما يلي:


أولا: إن القوة الثالثة لم تعبر عن نفسها بعد. ويعني بها تلك القوى التقليدية الموجودة في ريف مصر وبعض المدن وتعبر عن الطبقة المتوسطة الحقيقة وعن الرأسمالية الصغيرة وعن قيادات المجتمع التقليدية. وهذه لن تلجأ إلى أساليب من نفس النوع للتعبير عن نفسها، ولكنها تكشف عن ذاتها غالبا أمام الصندوق وفي اتجاهات الرأي العام، وهذه هي القوام الأساسي لتصويت الـ 14 مليونا المؤيد للتعديلات الدستورية.


ثانيا: إن الرأسمالية المصرية لم تزل في حالة متابعة من بعيد، تخشى على مصالحها، لكنها في لحظة قريبة ستعلن عن توجهاتها، وستعلن كلمة ما.


ثالثا: إن الأحزاب التقليدية، خصوصا «الوفد»، لم تزل حائرة، تضع قدما هنا وتضع قدما هناك، بين مختلف القوى، وهي ستواجه اختبارات صريحة لطالما فرت منها تحدد مستقبلها، فإما تكون مؤثرة في المعادلات وطرفا جوهريا فيها، وإما ستظل على الهامش لحقبة من الزمن.


رابعا: إن الأقباط الذين يتزايد وجودهم الكثيف على الساحة، إعلاميا وسياسيا وتظاهرا واحتجاجا، هم بطبيعتهم موزعون ما بين القوتين الثالثة والثانية، وهم يمثلون ما لا يمكن اعتباره عامل ترجيح، ولكنه عامل تأثير جوهري سيكون له فعله في الانتخابات المقبلة.


خامسا: يمثل الإعلام، بكل منابره تقريبا، عامل تأثير جوهريا في اتجاه القوة الثانية، ليس لأنه أميل إلى اليسار، قناعة، لكن لأن هذا يحقق له أهدافا كثيرة، منها التعبير الضمني عن مصالح الرأسمالية التي تلتزم الصمت الظاهر، فضلا عن الروح الستينية المؤثرة حتى الآن في منابره، وميله إلى مواجهة الإخوان فكريا، والمبادئ الليبرالية القشرية التي ينحاز إليها بطبيعته أيا ما كان ميله، فضلا عن أنه لا يوجد تأثير واضح للإخوان في منابر الإعلام.


سادسا: إن النخبة المثقفة، خصوصا التي حظيت بزخم كبير بعد 28 فبراير، في جوهرها تصب في اتجاه القوة الثانية، وهي تخشى على مستقبلها من تطبيق الأفكار الإخوانية المناقضة لحرية الفكر والإبداع.


سابعا: إن الاتجاهات الغربية التي تميل إلى عدم التعامل مع جماعة الإخوان وترى أنه لا يمكن تعديل توجهاتها ستجد في ما جرى الجمعة مبررا إضافيا لكي تواصل دعم وتعضيد ما تعتقد أنهم ممثلو القوى المدنية.



 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Egyptian celeb faces backlash over photo with Israeli singer
Three Egyptian policemen, four militants killed in prison break attempt
Acting leader of Egypt's Muslim Brotherhood arrested in Cairo
Egypt mulls law to protect women's identities as MeToo movement escalates
Egypt homeless, street children hit hard by pandemic scourge
Related Articles
Private-equity fund sparks entrepreneurial energy in Egypt
Young Egypt journalists know perils of seeking truth
What Sisi wants from Sudan: Behind his support for Bashir
Egypt’s lost academic freedom and research
Flour and metro tickets: Sisi’s futile solution to Egypt’s debt crisis
Copyright 2025 . All rights reserved