في مكان لا تعرف إن كان تحت الأرض أو فوقها، ورشة بناء غير مكتمل أو بقايا مصنع سوفياتي في فيلم "العدو على الأبواب"، ربحت مجموعة شُجاعة من الشابات والشبان في "لقاء التضامن مع الشعب السوري" تحديات فرضتها على نفسها والآخرين، أهمها أن بيروت هي عاصمة حريات، وتظلّ رغم كل شيء. في الموعد الثاني، بعد الأول المستحيل بفعل حملة تخويف في فندق "البريستول"، انعقد اللقاء الرابعة بعد ظهر أمس، تحت شعار "مع حرية الشعب السوري وكرامته" في المقر السابق لجمعية "arcenciel" وسط المعامل عند جسر الواطي - سن الفيل. كان عدد الجنود ورجال الأمن أمام المكان وعلى الطرق والمفترقات المؤدية إليه من كل صوب كبيراً يناهز الـ 250، جيش و"فهود" و"مكافحة شغب". وحضر عدد مماثل تقريباً للمشاركة، معظمه من صحافيين وكتاب أصحاب رأي بارزين وأساتذة جامعيين وآخرين من مهن وانتماءات متنوعة، ناشطين في المجتمع المدني لم يلتقوا مرة سابقاً كما قال أحد المنظمين، وجمعهم الموقف من آلام الناس في الدولة المجاورة يرونها على الشاشات، عن موقع "يوتيوب".
جميعهم يدورون في فلك "ثورة الأرز" لكن بعضهم يتحدث بشيء من مرارة وشيء من تفهم في الوقت نفسه عن عدم تبني 14 آذار لتحركهم، بل عن "برودة" هذه القوى في التعبير عن موقف رغم حضور أربعة نواب من كتلة "المستقبل"، هم السادة: نهاد المشنوق، خالد ضاهر، محمد كبارة ومعين المرعبي. أما منسق الأمانة العامة لـ 14 آذار النائب السابق فارس سعيد فحضر وغادر قبيل انعقاد اللقاء. وحرص على غرار النواب على التوضيح للإعلاميين أنه أتى بصفته الشخصية.
خلال ربع ساعة فقط قبل الموعد وُزعت الطاولات والكراسي وعليها الأغطية، وقُطِع المكان الواسع المفتوح بستائر سوداء ورُكزت الشعارات على الجدران الإفتراضية. ومن لحظة الوقوف للنشيد الوطني بدا التنظيم كاملاً وعلى أيدي محترفين. جلس المشاركون وسط حر شديد طاولات موزعة بطريقة تذكّر بالبريستول. وتلا الإعلامي رياض طوق مسودة البيان للمناقشة وسط تغطية إعلامية وصحافية واسعة. ثم انعقد اجتماع مناقشة بعيداً عن الإعلام استمر نحو نصف ساعة تخللته تعليقات أبرزها لحازم صاغية ومي شدياق، إلى اقتراحات تعديل للبيان أخذ ببعضها، أهمها يتعلق بعدم الربط بين سوريا ولبنان أمنياً وأوضاعاً.
وتلا الكاتب الزميل يوسف بزي رسالة مؤثرة من الناشطة السورية رزان زيتونة بعنوان "إلى أصدقاء الحرية في لبنان الجميل"، جاء في مقدمتها: "ليت للكلمات التي أكتب شفاه، إذاً لرأيتم ابتسامتها. كل ما هو سوري يبتسم اليوم. الوجوه الحبيبة لأكثر من ألف شهيد في ألف غيمة أمطرت في بلادي حياة بعد طول موت. آثار السياط ولسعات الكهرباء على أجساد أكثر من عشرة آلاف معتقل ومعتقلة، تبتسم، وتأوهاتهم في أقبية الظلام والكراهية، تبتسم. أبواب البيوت التي اقتحمت وأسرّة الأطفال الذين روّعوا في أحلامهم، مونة المكدوس والزيتون والسمن البلدي التي أهرقت بأعقاب البنادق، أيضا تبتسم (...) عنفوان الشباب الذين بطحوا أرضا ودعست الأحذية العسكرية على رؤوسهم في ساحات المدن، يبتسم (...). من دمشق إلى بيروت، لكم جميعا سلة ياسمين ومحبة إلى أن نلتقي على حرية".
وتلا السيد صالح المشنوق البيان الختامي للقاء: "لأننا أبناء ربيع بيروت، مقدّمة ربيع العرب، ولأننا لا نخاف الترهيب، ولن نخضَع لهُ، وانطلاقاً من التزامِنا المبدئي الدِّفاع عن حقِّ الانسان العربي بالحرّيةِ و العدالةِ والكرامة، واقتناعاً بمسؤولياتنا إلانسانية والأخلاقية والسياسية كلبنانيين، تجاهِ شعبٍ حرّ، يتعرض لأبشع انتهاكات حقوق الإنسان، من قتلٍ و اعتقالٍ و تعذيبٍ و قبورٍ جمَاعية، وايماناً منِّا بالربيعِ العربي، حلمُ شعوبِ هذه المنطقة و قدَرِها الذي يتجسّد اليوم في انتفاضةِ الشعبِ السوري من أجلِ حرّيتهِ و كرامتهِ التقينا اليوم نحن اللبنانيين المؤمنين بأنّ الحرية ضرورة لبنانية كما هي ضرورة سورية، وأن الديموقراطية في سوريا مصلحة وضرورة لبنانية، لنعلنَ تضامننا مع ما يريدُه الشعب السوري لنفسِه، من حريّةٍ وعدالةٍ وكرامة، والذي يؤسِّسُ حتماً لمستقبلٍ لبناني- سوري أفضل، ينهضُ على قيمٍ و مصالحَ مشتركة في احترِام السيادةِ الوطنيةِ والإيمان بالحريّةِ والديموقراطية و حقوق إلانسان. الديموقراطية في سوريا هي مصلحة وضرورة لبنانية. و لنطالبَ السلطات السورية بوقفٍ فوري للمجازِر ضد شعبها، كما نطالبها بوقفِ محاولاتها المتكررة لتصدير ازمتها الى لبنان و الخارج، عبَر دعايةٍ مفبركةٍ تحَتقر العقل، وتبرهنُ أن النظام السوري لم يتعلم شيئا من الأنظمة التي سبَقته الى التهاوي. نلح على جامعة الدول العربية والأمم المتحدة تحمل مسؤولياتهما كافة تجاه سوريا وشعبها، وتفعيل كل آلياتها بما يضمن حماية فورية للمدنيين السوريين العزّل ووقف المجازر في حقّهم. كما نرفض رفضاً قاطعاً مشاركة لبنان، رغم إرادة شعبه في جرائم ضد الانسانية، عبر اعتقال، جنود ومدنيين سوريين كانوا قد فروا الى لبنان رفضا للمجازر، وذلك خلافا لشرعة حقوق الانسان و معاهدة منع التعذيب التي التزمها لبنان (...). رسالتنا اليوم من أحرار لبنان الى أحرارِ سوريا: لستم وحدكم في هذا العالم. نحن الى جانبِكم ، نعرِف وجَعَكُم، ندعمُ قضيتكم، ونؤمنُ كما تؤمنون بأنّ موعِدكم مع الحرية باتَ قريبا".
نص رسالة المعارضة رزان زيتونة الى المشاركين في اللقاء
إلى أصدقاء الحرية في لبنان الجميل
ليت للكلمات التي أكتب شفاه، إذا لرأيتم ابتسامتها. كل ما هو سوري يبتسم اليوم. الوجوه الحبيبة لأكثر من ألف شهيد في ألف غيمة أمطرت في بلادي حياة بعد طول موت. آثار السياط ولسعات الكهرباء على أجساد أكثر من عشرة آلاف معتقل ومعتقلة، تبتسم، وتأوهاتهم في أقبية الظلام والكراهية، تبتسم.
أبواب البيوت التي اقتحمت وأسرة الأطفال الذين روعوا في أحلامهم، مونة المكدوس والزيتون والسمن البلدي التي أهرقت بأعقاب البنادق، أيضا تبتسم. وغطاء رأس الجدة التي قتلت في المرقب يبتسم، وكذلك دموع الطفل أبا زيد الذي أفاق على جده وأعمامه في مقبرة جماعية، ووجهه الصغير الباكي يختصر أوجاعنا على مدى أجيال. عنفوان الشباب الذين بطحوا أرضا ودعست الأحذية العسكرية على رؤوسهم في ساحات المدن، يبتسم، وكذلك لوعتنا وقلقنا على أحبتنا الذين فقدنا أخبارهم وراء أسوار أجهزة الأمن.
كل الألم السوري يبتسم اليوم، ليس لأننا شعب يهوى المعاناة، بل لأننا كنا على هذا الألم منذ الأزل، فرادى وحيدين وعاجزين عن مقاومته. ألم يتعرض للإنكار من القريب والغريب على حد سواء، إنكار بدعوى الخوف أو التملق أو النفاق أو المصالح أو الشعارات الرنانة. واليوم هذا الألم يعلن عن نفسه ويفرض نفسه على العالم أجمع، بالصوت والصورة والنبض وهتاف الحرية والسلمية، بجثامين الأطفال ولوعة الأمهات وشجاعة الشبان والشابات. يعلن عن نفسه منتفضا ضد نفسه، ضد الإذلال ودعاوى الذل التي ألصقت بأصحابه، ومن أجل ما يستحقون من كرامة ومن حرية. والألم السوري يبتسم اليوم، لأن الأحرار في غير مكان من العالم، مسدوه بكلمة أو موقف أو اعتصام أو إشعال شمعة. ولأن بيروت الحبيبة، وعبر لقائكم هذا، تستحضر اليوم ابتسامة سمير قصير التي تظلل حكاية الانتفاضة السورية المستمرة من أجل الحرية.
ولأنه أخيرا، يرى في الآتي، بلادي وهي جميلة أبية ومنيعة ضد الاستبداد والمستبدين. من دمشق إلى بيروت، لكم جميعا سلة ياسمين ومحبة إلى أن نلتقى على حرية الرحمة لشهدائنا الأبرار، والحرية لمعتقلي الانتفاضة السورية ومعتقلي الرأي في كل مكان
رزان زيتونة دمشق 23 أيار 2011
البيان الختامي لـ"اللقاء التضامني مع حرية و كرامة الشعب السوري"
لأننا أبناء ربيعُ بيروت، مقدّمة ربيع العرب و لأننا لا نخاف الترهيب, و لن نخضَع لهُ وانطلاقاً من التزامِنا المبدئي الدِّفاع عن حقِّ الانسان العربي بالحرّيةِ و العدالةِ و الكرامة ْ واقتناعاً بمسؤولياتنا إلانسانية و الأخلاقية و السياسية كلبنانيين، تجاهِ شعبٍ حرّ, يتعرض لأبشع انتهاكات حقوق الإنسان، من قتلٍ و اعتقالٍ و تعذيبٍ و قبورٍ جمَاعيةً وايماناً منِّا بالربيعِ العربي, حلمُ شعوبِ هذه المنطقة و قدَرِها الذي يتجسّد اليوم في انتفاضةِ الشعبِ السوري من أجلِ حرّيتهِ و كرامتهِ
التقينا اليوم كلبنانيين، مؤمنين بأنّ الحرية ضرورة لبنانية كما هي ضرورة سورية، وأن الديموقراطية في سوريا هي مصلحة وضرورة لبنانية، لنعلنَ تضامننا مع ما يريدُه الشعب السوري لنفسِه, من حريّةٍ و عدالةٍ و كرامة, والذي يؤسِّسُ حتماً لمستقبلٍ لبناني- سوري أفضلْ, ينهضُ على قيمٍ و مصالحَ مشتركة في احترِام السيادةِ الوطنيةِ و الايمان بالحريّةِ و الديمقراطية و حقوق إلانسان. ديموقراطية في سوريا هي مصلحة وضرورة لبنانية.
و لنطالبَ السلطات السورية بوقفٍ فوري للمجازِر ضد شعبها, كما نطالبها بوقفِ محاولاتها المتكررة لتصدير ازمتها الى لبنان و الخارج, عبَر دعايةٍ مفبركةٍ تحَتقرْ العقل, و تبرهنُ أن النظام السوري لم يتعلم شيئا من الأنظمة التي سبَقتُهْ الى التهاوي. نلح على جامعة الدول العربية و الأمم المتحدة تحمل كافة مسؤولياتها تجاه سوريا و شعبها, و تفعيلْ كاملِ آلياتها بما يضمن حمايةٍ فوريةٍ للمدنيين السوريين العزّل ووقف المجازر بحقّهم.
كما نرفض رفضاً قاطعاً مشاركةِ لبنان, رغما عن إرادة شعبه, في جرائم ضد الانسانية, عبر اعتقال وتسليم جنود و مدنيين سوريين كانوا قد فروا الى لبنان رفضا للمجازر، وذالك خلافا لشرعة حقوق الانسان و معاهدة منع التعذيب التي التزم بها لبنان. لذا نطالب الدولة اللبنانيّة باحتضانِ و حماية جميع النازحين من سوريا بشكل يتوافقُ مع التزاماتِنا و ثقافتِنا و قِيمِنا. رسالتنا اليوم من أحرار لبنان الى أحرارِ سوريا:
لست وحدكم في هذا العالم. نحن الى جانبِكم ,نعرِف وجَعَكُم، ندعمُ قضَيتِّكم, و نؤمنُ كما تؤمنونْ بأنّ موعِدكم مع الحرية باتَ قريبا.ً
|