مع ان ذروة المفارقات التي تواكب التأزّم السياسي تتمثل في إجماع الرؤساء والزعامات على عدم التشكيك في اجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد في 6 أيار المقبل، بدا في الايام الاخيرة ان وتيرة التشكيك قد زادت ولم تتراجع بفعل "الشبهة" التي بات يثيرها استفحال الأزمة السياسية القائمة منذ توقيع مرسوم أقدمية ضباط دورة 1994 الذي تسبب بأزمة بين الرئاستين الاولى والثانية. وتبعاً لذلك لم يفاجأ معظم المعنيين والقوى السياسية أمس باشتعال موجة جديدة حادة من السجالات بين فريقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري تسبب بها صدور رأي هيئة التشريع والاستشارات الذي نشرته "النهار" أمس في مسألة توقيع وزير المال المرسوم والذي جاء لمصلحة موقف رئيس الجمهورية. لكن ردود فعل الرئيس بري وفريقه أثبتت مرة أخرى ان عمق الأزمة تجاوز البعد القانوني والقضائي بدليل التشكيك في الجهة التي أصدرت الرأي واعتبارها محسوبة على وزارة العدل وفريق رئيس الجمهورية، وهو موقف كان بري عبر عنه أساساً منذ بدء الازمة تلميحاً وتصريحاً باعتباره وزارة العدل وزارة لفريق، ورد عليه "التيار الوطني الحر" غامزاً من قناة سياسات وزارة المال أيضاً.
وقبل الغوص في تفاصيل الموجة الحادة الجديدة تقتضي الاشارة الى ان الصورة تظهر ضبابية على مستوى الانتخابات، وتبدو الصعوبات واضحة في ظل المخاوف من محطات سياسية ساخنة تؤثر في إجرائها، وخصوصاً في ما يتعلق باتجاهاتها النهائية، ليس فقط في الترشيحات والتحالفات، إنما في عدم توافر توافق سياسي بين قوى أساسية بما فيها تلك المشاركة في الحكومة، حيث يبحث الجميع في المعادلات الجديدة ويقرأون في الحسابات والجدوى، وحتى في إمكان إجرائها، على رغم أن الرئيس عون أكد لدى استقباله أعضاء السلك الديبلوماسي في بعبدا أمس "ان الانتخابات النيابية ستحصل في موعدها، وأن إنجاز قانون انتخابات، وبعد جهود مضنية، يقوم على النسبية للمرة الأولى في تاريخ لبنان، سيؤمن مزيداً من الاستقرار السياسي، لأنه سيسمح بعدالة أكثر في التمثيل".
وفي رأي مصادر سياسية متابعة، أن أخطاراً تحدق بالعملية الانتخابية، وإن كان الجميع يتحضرون لخوضها بلوائح وتحالفات قد تظهر فيها مفاجآت صادمة، لكن الأخطار المحتملة قبل نحو ثلاثة أشهر ونصف شهر من فتح الصناديق، تتصل بالداخل والخارج. ففي الداخل قطار العمل الحكومي لا يسير كما ينبغي، وهو شبه معطل إلّا في الملفات الأساسية، وكأن الحكومة لا تستطيع اتخاذ قرارات كبيرة على رغم وجود استحقاقات لبنانية سياسية ومالية واقتصادية، فيما لا يقوم مجلس النواب بدوره التشريعي بسبب الأزمة الطارئة بين الرئاستين الأولى والثانية. كما لا تقلل المصادر شأن الضغوط الخارجية المستجدة على "حزب الله"، إذ برز تشدد متجدد من السعودية حيال الحزب، من خلال ترحيب مجلس الوزراء السعودي أمس بالتحقيقات الأميركية في تمويل "حزب الله" عبر المخدرات، والذي ثمّن "إعلان القضاء الأميركي إنشاء وحدة خاصة للتحقيق في شأن حصول ميليشيا حزب الله الإرهابية على تمويل عبر الاتجار بالمخدرات لغايات الإرهاب، وتكليفها التحقيق بشأن الأفراد والشبكات التي تقدم دعماً لهذا الحزب وملاحقتهم". وترى المصادر أن هذا الموقف قد يجر الى مواقف أخرى من مجلس التعاون الخليجي.
أضف أن ثمة تطوراً لا يخلو من خطورة برز مع اثارة موضوع اقامة اسرائيل جداراً ضمن الحدود اللبنانية الذي أثاره أمس الرئيس بري في كلمته في طهران. وأكد قائد الجيش العماد جوزف عون ان الجيش "ماض في مسيرة الدفاع عن لبنان والحفاظ على أمنه واستقراره مهما كلفه ذلك من أثمان وتضحيات، فنحن ملتزمون الحفاظ على استقرار الحدود الجنوبية بالتعاون مع القوة الدولية في إطار القرار 1701، وفي الوقت عينه، نحن مستعدون لمواجهة أي عدوان إسرائيلي ضد لبنان".
اشتعال جديد
اذاً اشتعلت موجة جديدة من السجالات الحادة أمس على خلفية رأي هيئة الاستشارات والتشريع الذي قال عنه الرئيس بري من طهران "هي استشارة بناء على الطلب مع الاسف". وعلق وزير المال علي حسن خليل عبر حسابه على "تويتر"، على رأي الهيئة قائلاً: "البحث عن حجج لتغطية تجاوز الدستور لا ينفع ويزيد ارباك اصحابها ويخلق اشكالات جديدة". وأضاف: "لسنا في حاجة الى رأي "غب الطلب" ويتعلق بموضوع غير مطروح أصلاً. وتوضيحاً لما نشر في فتوى بناء للطلب، فإن مجلس القضايا في مجلس الشورى أصدر في تاريخ 19/11/1992 قراراً حمل الرقم 4/92-93 وقال حرفياً: "ان وزير المال يجب أن يوقع على كل المراسيم التي تترتب عليها بصورة مباشرة، وحتى بصورة غير مباشرة، نتائج مالية أو اعباء على الخزينة". ولنعد الى المرجع المستشار يوم قال: "إن المرسوم لا تترتب عليه اعباء مباشرة بل غير مباشرة، وبالتالي ليس في حاجة الى توقيع وزير المال. فليقرأ معاليه القرار حتى لا يكرر الخطأ بالخطأ".
وفي المقابل، صرح وزير العدل سليم جريصاتي أن هيئة التشريع والاستشارات في الوزارة "أعطت رأياً في شأن مرسوم الأقدمية، وعلى الجميع الامتثال"، متسائلاً: "هل نحن من اعتبرنا عام 1990 أن وزير المال ليس قيّما على سائر الوزارات؟"، مشيراً الى "أننا لجأنا الى القضاء الذي هو الملاذ، ولا يحق لأحد التطاول عليه، وهيئة الاستشارات في وزارة العدل أعطت رأيها".
ورد علي وزير المال: "آخر الابداعات أن اسمع من وزير معني أن من استشارها هي أعلى سلطة قضائية، ونتحدث بالقانون. لا أحد فوق الدستور، ونحن نتحمّل مسؤولية كل كلمة نقولها ونعرف معناها جيداً، ولا يهول أحد علينا. الأفضل لمعاليه أن يقول إنه لم يعد يريد الحديث بالدستور، ولا يعتقد أن بإمكانه منع الآراء المخالفة لفتاويه".
|