الأثنين ١٦ - ٩ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ١٩, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
 
الـبـحـرين: وجه آخر للنزاع بين حكم الأقلية السنّية والغالبيّة الشيعية - رنده حيدر

رغم التشابه الظاهري الكبير ما بين الحركة الاحتجاجية التي يشهدها البحرين، وبين الثورة المصرية، سواء من حيث الشكل، فالاعتصام في "دوار اللؤلؤة" هو صورة عن الاعتصامات التي شهدها "ميدان التحرير" في القاهرة، أو من حيث الشعارات السياسية "الشعب يريد إسقاط النظام"، أو من حيث المواجهات العنيفة بين المحتجين وقوات الأمن والجيش وسقوط قتلى وجرحى، أو استخدام وسائل الاتصال الاجتماعية من اجل تحريك الجماهير وحضها على النزول الى الشارع؛ على الرغم من كل أوجه التشابه فثمة فوارق جوهرية ما بين الثورة المصرية وثورة البحرين، وهي لا تعود إلى صعوبة المقارنة بين مصر الهائلة الاتساع وذات الثلاثة والثمانين مليوناً بمملكة البحرين الصغيرة جداً (لا تتجاوز مساحتها الـ750 كيلومتراً مربعاً) والتي لا يفوق عدد سكانها المليون نسمة إلا بقليل؛ وإنما لأن حركة الاحتجاج البحرينية أكثر تعقيداً وتركيباً ومكونات من الانتفاضة الشعبية في مصر.


إذا كانت الانتفاضة المصرية انتفاضة شعبية شبابية شملت كل أطياف المجتمع المصري الذي انتفض على الفساد السياسي، وقمع الحريات، وعلى الأزمة المعيشية الحادة، والبطالة... فإن الحركة الاحتجاجية في البحرين هي مزيج من احتجاج مطلبي معيشي ممزوج بصراع مذهبي وأهلي داخلي، وآخر إقليمي على النفوذ ما بين إيران ودول الخليج في المنطقة.


والحق، إن الحركة الاحتجاجية التي يشهدها البحرين حالياً هي استمرار لنزاع تاريخي ما بين العائلة المالكة والأقلية السنية التي تحكم هذا البلد منذ الاعلان عن استقلال البحرين في السبعينات، وبين الأكثرية السكانية من الشيعة التي تمثل نحو 70 في المئة من السكان، والتي تعتبر نفسها مهمشة ومضطهدة من جانب السنة الذين يتحكمون بكل مقدرات السلطة، ولا يفسحون في المجال أمام الشيعة لتولي المناصب السياسية، أو الوصول الى وظائف الدولة التي تبقى حكراً على المواطنين السنة أو على المجنّسين من السنة من مواطني دول أخرى والذين تمنحهم السطات البحرينية الجنسية بسرعة قياسية من أجل تغيير الميزان الديموغرافي في البلد لصالحهم.

واقع الشيعة في البحرين


يشكل الشيعة الغالبية السكانية في البحرين، ويبلغ تعدادهم نحو 725 ألف نسمة. وهم، مثل إخوانهم الشيعة في المنطقة الشرقية في السعودية، ينتمون الى الأصول عينها، ويتشاركون التاريخ عينه ويتبعون مذهب الإمامية.
ويشكل الشيعة من أصول عربية الجزء الأكبر من المجتمع الشيعي هناك، ولكن هناك أيضاً شيعة من أصول فارسية يقدر عددهم بنحو 25 الى 30 في المئة من إجمالي السكان، ويقطن معظم هؤلاء في المناطق الريفية وفي القرى.


وليس لشيعة البحرين مرجعية دينية مقيمة في بلدهم، وهم يتبعون مرجعيات في الخارج أبرزها: خامنئي في إيران، السيستاني في العراق، محمد تقي الدين المدرسي في كربلاء، الشيرازي في قم، ومحمد حسين فضل الله في لبنان. ويقيم الشيعة احتفالاتهم الدينية، وتعتبر ذكرى عاشوراء يوم عطلة وطنية في البلاد، ولهم محاكمهم الجعفرية، ولديهم وزارة أوقاف خاصة بهم. كما لا تفرض الدولة قيوداً على الحجاج الشيعة الذين يرغبون في زيارة الأماكن المقدسة في العراق أو سوريا أو إيران، ولئن كانت السلطات الرسمية تقوم بمراقبة من يتابعون تحصيلهم الديني عن كثب.


وعلى الرغم من مظاهر هذا التسامح الظاهري مع الطائفة الشيعية، فلقد عرف البلد حراكاً ناشطاً للمعارضة الشيعية، التي دخلت في صراع على السلطة مع النظام الملكي السني. ومن بين اهم حركات الاحتجاج التي شهدها هذا البلد، الثورة التي اندلعت السنة 1979 بين شيعة البحرين في إثر انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وبروز تيار ثوري ممثلاً "بالجبهة الإسلامية لتحرير البحرين" الذي نادى بالاطاحة بالنظام السني واستبداله بجمهورية إسلامية، على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية.


وبلغ التوتر ذروته بين قوى المعارضة الشيعية في البحرين والنظام الحاكم السنة 1994، بعد بروز حركات احتجاجية شعبية شيعية طالبت بالاصلاح والمساواة في الحقوق والعودة الى دستور السنة 1973. يومذاك نشبت مواجهات مع الحكومة التي استخدمت القوة والبطش في قمع حركة المحتجين، وأقدمت على احتجاز آلاف المتظاهرين والتنكيل بهم، واعتقلت عدداً من قياداتهم الشيعية.
وشهدت العلاقة بين الشيعة والسلطة في البحرين شيئاً من الهدوء مع تولي الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الحكم السنة 1999، واطلاق مشروعه الاصلاحي، وافراجه عن كل الموقوفين، والسماح للمعارضين السياسيين بالعودة الى البحرين، كما منح حرية التعبير عن الرأي والنشاط السياسي.


ولكن التوتر ما لبث ان عاد من جديد في السنة 2002، بسبب رفض المعارضة الشيعية التعديلات التي أدخلت على الدستور، والتي اعتبرتها المعارضة مجحفة في حق الطائفة الشيعة، التي بدأت تدرك أكثر فأكثر صعوبة التعايش مع نظام حكم الأقلية السنية، بالاضافة الى حاجتها الى توسيع نطاق مشاركتها في الحياة السياسية.


وشهد شهر تشرين الأول الماضي في البحرين انتخابات نيابية وبلدية هي الثالثة من نوعها التي تجري في البلاد لانتخاب برلمان بحريني جديد. واستطاعت جمعية الوفاق الاسلامي الشيعية المعارضة الحصول على المقاعد الـ18 كلها التي تنافست عليها، والتي يحق لها بها من أصل 40 مقعداً. مما يعكس عدم التوازن في التمثيل الشعبي للشيعة في البرلمان البحريني. ناهيك أن صلاحيات هذا البرلمان محدودة للغاية. فثمة مجلس شورى أعلى منه يتولى الصلاحيات التشريعية الحقيقية ويتم تعيين أعضائه من جانب الملك مباشرة، كما أن الحكومة البحرينية التي تشكلت بعد الانتخابات الأخيرة والتي ضمت 21 وزيراً، هناك 12 وزيراً من عائلة آل خليفة المالكة.


 وكانت السلطات البحرينية اعتقلت في 13/9/2010 23 بحرينياً شيعة متهمين بالتآمر لإسقاط الملكية السنية، الأمر الذي خلّف المزيد من الاستياء في أوساط الشيعة في البحرين. وأتى الحدث المصري ليفجر شرارة الحركة الاحتجاجية الأخيرة في البلاد والتي كان واضحاً منذ البداية، على الرغم من شعاراتها المطلبية، أنها تعبر عن شكل من أشكال احتجاج الغالبية الشيعية في البحرين على الأقلية السنية الحاكمة.

ما هي مطالب الشيعة في البحرين؟
يشدد زعيم المعارضة الشيعية في البحرين الشيخ علي سلمان على عدم سعي المعارضة الى اسقاط الحكم الملكي، وإنما ما تطالب به هو "ملكية دستورية"، تستمد سلطاتها من الشعب، وان تكون الحكومة منتخبة من الشعب الذي يحق له محاسبتها. وما لم يقله بوضوح الشيخ سلمان تسمعه من غير محتج في البحرين، مثل أستاذ اللغة الانكليزية في المنامة عدنان علوي، أي مطالبة المعارضة الشيعية بأن تكون رئاسة الحكومة للشيعة في البلد، لكي تكون هناك عدالة أو توازن في التمثيل الشعبي لأهل البحرين. من هنا ان أهم مطلب للمعارضة الشيعية هو اجراء تعديلات دستورية تقيم توازناً حقيقياً في التمثيل الشيعي في مؤسسات الحكم.


اما المطلب الثاني المهم للمعارضة الشيعية فهو وقف عملية التجنيس الجارية في البلاد، والتي تهدف الى تغيير التوازن الديموغرافي للسكان. فبالاستناد الى مصادر في المعارضة البحرينية، توزِّع السلطات الرسمية الجوازات على السوريين والأردنيين من البدو والعشائر، وعلى اليمنيين والباكستانيين، ما أدى الى زيادة عدد سكان البحرين في السنوات الأخيرة بنسبة 20 في المئة. وتقوم السلطات البحرينية بتوظيف هؤلاء المجنسين الجدد في الجيش وقوى الأمن ووزارة الدفاع، في خطوة تعكس بصورة واضحة عدم ثقة النظام في مواطنية الشيعة الذين يستبعدون عن هذه المراكز. ومن بين الامتيازات التي يحصل عليها المجنسون الجدد اعطاؤهم منازل جديدة خلال أسابيع، في حين يضطر المواطن البحريني العادي الى الانتظار سنوات عدة للحصول على منزل.


بالطبع هناك المطالب المعيشية الأخرى، مثل زيادة الأجور وتوفير فرض العمل، لا سيما أن معدل البطالة بين الشيعة الذين يمثلون الطبقة الاجتماعية الأكثر فقراً يفوق بكثير من 15 في المئة، وهي أعلى بكثير في أوساط الشباب الشيعة، وذلك وفق التقارير الدولية. من هنا استقبلت المعارضة خطوة الحكومة توزيع مبلغ 1000 دينار (2000 أورو) على كل عائلة في المملكة بالغضب، واعتبرتها خطوة جاءت متأخرة لا تهدف الى تخفيف الضائقة الاقتصادية التي يعانيها فقراء البحرين بقدر ما جاءت للالتفاف على تحرك المعارضة واجهاضه.

النفوذ الإيراني
ترفض المعارضة البحرينية ان تكون تابعة لأحد، او أن تكون تنفذ أوامر خارجية، ولكن من الصعب جداً أن تقنع السلطات الرسمية بذلك، لا سيما في ظل التنامي المتزايد للحراك الشيعي في منطقة الخليج، والمخاوف الكبيرة من امتداد "الانتفاضة الشيعية" البحرينية الى دول مجاورة مثل السعودية، حيث تدل الأرقام الصادرة عن دراسة أعدتها المجموعة الدولية لإدارة الأزمات في بروكسل السنة 2004 إلى  وجود نحو مليوني نسمة من الشيعة في المنطقة الشرقية يمثلون نحو 10 الى 15 في المئة من المجموع الاجمالي للسكان في السعودية، ويقطن هؤلاء في المنطقة الشرقية للمملكة الغنية جداً بالنفط، بالاضافة الى وجود أقليات شيعية في مناطق مثل المدينة المنورة ونجران. تضاف الى ذلك أقلية شيعية في الكويت وفي قطر وغيرهما، ولقد شهدت هذه  الأقليات حراكاً واضحاً في الأعوام الأخيرة، لا سيما بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، وصعود الغالبية الشيعية الى الحكم هناك، والتنامي المضطرد في النفوذ الإيراني في المنطقة، لا سيما في ظل الانسحاب الأميركي الوشيك من العراق.


إن الخطوات الحاسمة التي قامت بها السلطات البحرينية لقمع اعتصام المحتجين في دوار اللؤلؤة، وتذرّعها بالدفاع عن السلم الأهلي، ومحاربة دخول البحرين في الصراع الطائفي، ووقوف دول مجلس التعاون الخليجي بقوة الى جانبها، والاعتراض الضعيف على أعمال القمع من جانب الولايات المتحدة التي تملك قواعد بحرية لأسطولها هناك، ومن جانب الغرب الذي له مصالح أساسية في البحرين إذ يملك الفرنسيون أهم محطة للتنصت... كل ذلك يدل بوضوح الى مدى دقة التعاطي مع الانتفاضة في البحرين، واختلافها عن التحركات الشعبية التي تجري في الوقت عينه في ليبيا أو في اليمن. فأي تغيير في التركيبة السياسية لمملكة البحرين من شأنه أن تكون له انعكاساته العميقة على الأقليات الشيعية المنتشرة في كل دول الخليج، الأمر الذي سيهدد الأنظمة الخليجية الغنية بالنفط والموالية للغرب، والذي يشكل الاستقرار السياسي فيها في الوقت الحالي عنصراً أساسياً في المحافظة على المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية العظمى، في منطقة تشهد تحولات تاريخية من شأنها تغيير وجه الشرق الأوسط القديم.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة