الجميع يتحدث عن حرب أهلية وشيكة في سورية، والكل يسعى إلى تفادي حدوثها في شكل يتناسب مع موقفه وإحداثيات موقعه على أرض الأزمة. الأطراف المؤيدة للحكومة للسورية تحذر من تصاعد العمليات العسكرية لأعداء النظام في الداخل، والأطراف الخارجية المساندة للثورة الشعبية ترى أن تصاعد عمليات الجيش السوري ضد المواطنين العزل في الشارع كماً وكيفاً سيؤدي حتماً إلى خلق رد فعل شعبي مسلح يقود البلاد إلى منزلقات لا تحمد عقباها. وحدها الحكومة السورية تغرد خارج السرب وترى أن الأزمة دخلت بداية النهاية كما صرح وزير خارجيتها وليد المعلم الأسبوع الماضي في مؤتمر صحافي عقده بمناسبة صدور القرار العربي المهين المشين (بحسب وصفه) والقاضي بتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية.
روسيا، أقرب الحلفاء للحكومة السورية، قالت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف إن المعارضة السورية تجر البلاد إلى حرب أهلية، محذراً من أن تزايد العمليات العسكرية التي تقوم بها قوى المعارضة سيؤثر في السلم الأهلي ويعرض وحدة البلاد للخطر.
وتركيا، أقرب الحلفاء للمعارضة السورية بشقيها المدني والعسكري، قالت على لسان وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو إن تحركات المنشقين عن الجيش السوري في الفترة الأخيرة تنذر بوجود مخاطر بالانزلاق إلى حرب أهلية. والحكومة السورية، أقرب الأنظمة وأبعدها في الوقت نفسه عن الشعب السوري، ترى أن البلاد لن تصيبها الأنفلونزا بسبب رفع الغطاء العربي عنها، بحسب تصريحات وليد المعلم الأخيرة!
روسيا تريد أن تحشد التأييد الدولي لنظام بشار الأسد من خلال الحديث عن حرب أهلية وشيكة قد تشعل المنطقة بأسرها تساهم في صنعها أطراف خارجة على القانون، وبالتالي تعمل من خلال «حملة التخويف» هذه على حماية النظام الذي سيكون قادراً، في حال حظي بدعم المجتمع الدولي، على مواجهة هذه الحرب، وتخليص منطقة الشرق الأوسط من مستقبل أسود مجهول.
تركيا والسائرون في ركبها في الجهة المقابلة يعملون على محاصرة نظام بشار والضغط عليه ديبلوماسياً بالحديث عن الحرب الأهلية الوشيكة الوقوع، وبالتالي يحصلون منه على المزيد من التنازلات حتى الوصول إلى التنازل الأخير والمتمثل في ترك السلطة لحكومة انتقالية تأخذ البلاد من يدها وتعبر بها من ضفة النهر الديكتاتورية إلى الضفة الأخرى المقابلة والتي يوجد فيها: ١- حزب «العدالة والتنمية السوري» كما تتمنى تركيا أو ٢- الخلاص من العلاقة الإيرانية السورية «الحزبلاهية» كما تريد دول الاعتدال في الشرق الأوسط أو ٣- الديموقراطية الناقصة الأهلية المطلوب منها دائماً الارتباط «الاستخباراتي» والثقافي بالغرب، كما تسعى الدول «الصقرية» في حلف الناتو. والنظام البعثي السوري يخفف من سوداوية المستقبل، ويرفض التخلي عن السلطة وهو المحاصر بضغوط ملايين السوريين في الداخل بحسب اعتراف المعلم في ذات المؤتمر الصحافي والذي قال فيه: «وافقنا على موضوع الحوار الوطني وكنا نصر على أن يجري الحوار في دمشق وأسبابنا واضحة، ذلك أن الحوار ليس فقط بين السلطة والمعارضة. هناك ملايين من السوريين لديهم مطالب، هم ليسوا من السلطة ولا المعارضة ولذا لا بد من تمثيلهم في الحوار الوطني، وما نفكر به هو توسيع مؤتمر الحوار الوطني ليكون الحوار شاملاً يضمن الوصول والشراكة إلى سورية المستقبل».
المعلم يريد التحاور مع الملايين الذين «لديهم مطالب»، ويصر على أن يكون الحوار في دمشق، وهو على استعداد لفعل ذلك حتى لو اضطر إلى الجلوس مع هذه الملايين فرداً فرداً. المهم ألا يتحدث أحد عن حرب أهلية، فكل ما هنالك: ملايين «لديها مطالب»! وجماعات إرهابية سلفية مسلحة تقتل «الملايين التي لديها مطالب» ولا تتعرض أبداً لعشرات الآلاف من المدفوعين للشارع قسراً لتمجيد القائد الضرورة والتغني بممانعته وصموده وكبرياء حزبه!
لعبة «الحرب الأهلية الوشيكة الوقوع» لم تكن لتنطلي على أحد.
الروس غير قادرين على تمريرها على المجتمع الدولي لأن الطرف محل الاتهام (المعارضة) غير قادر على الوصول للثائر البسيط في الشارع، هذا أولاً أما ثانياً فلأن الحديث عن حرب أهلية في هذا الوقت وقبل سقوط النظام هو من قبيل العبث الكلامي، فهدف الملايين واحد وغايتهم محددة وشديدة الوضوح وبالتالي فهم سائرون في طريق واحد حتى سقوط النظام. قد تأتي الحرب الأهلية بعد جلوس الثوار على مقاعد السلطة أما قبل ذلك فمستبعد جداً.
والأتراك يعرفون أنهم غير قادرين على إقناع النظام السوري بخطر الحرب الأهلية، وبالتالي الحصول منه على تنازلات تالية، لأن النظام البعثي ومنذ ٤٠ عاماً يضع المنتمين لحزبه في كفة وبقية الشعب السوري في كفة! وهو على استعداد لدخول حرب طويلة الأمد من أجل الاحتفاظ بمكاسبه الانقلابية التي حققها بقوة السلاح وليس بصناديق الاقتراع.
ما هو التحرك المقبل إذاً؟! وحدهم سوريو الداخل يملكون الإجابة! وربما أيضاً موظفو الأمم المتحدة ولكن بتفاصيل غير واضحة! * كاتب وصحافي سعودي
|