SAT 16 - 8 - 2025
 
Date: Jan 13, 2011
 
تونس ما بعد سيدي بوزيد: بداية مرحلة جديدة

الخميس, 13 يناير 2011
العربي صديقي *


هل هي أشباح ضحايا انتفاضة الخبز عام 1984 ما زالت تلاحق النظام التونسي؟
لقد كانت تلك الدماء بداية النهاية للرئيس بورقيبة، وقد تكون انتفاضة سيدي بوزيد بداية النهاية لنظام الرئيس زين العابدين بن علي. يبدو أن ثمة تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء وأنّ تونس ما بعد سيدي بوزيد لن تكون كتونس قبل سيدي بوزيد.


إن صعوبة حل المشكلة اليوم نتيجة مشكلتين، أولاهما أن النظام لم يُتح فرصة لبناء المجتمع المدني كي يكون قادراًَ على تفريغ المشكلات، والتفاوض بصورة جماعية في أوقات الأزمات. لذلك رأينا غياباً تاماً لآليات التفاوض، فضلاً عن افتقاد القنوات اللازمة للتحاور.


ثانيتهما تقييد مفهوم المجتمع المدني بحيث بات عاجزاً عن تجديد الوسائل لاكتشاف المزيد من الموارد الحيوية، وهي الشروط التي تجعله قادراً. وحالة العجز هذه تطاول القوى الإسلامية والعلمانية والليبرالية حيث الانشقاق والتصادم. لقد فشلت ترجمة احتجاجات الخبز وقضايا العدالة الاجتماعية وفشل تحويلها إلى برنامج سياسي يضيف زخماً للمجتمع المدني، ويكون نقطة التقاء مشتركة للحوار مع الحكومة.
ولنا أن نأخذ تونس في خمسة مشاهد:


الأول، المحرومون فجروا انتفاضة سيدي بوزيد:


مشهد تراكمي يلحق بمشاهد أخرى، وبخاصة مناطق ثروات الفوسفات، وقد سبق أن شهدت تونس انتفاضات مماثلة كأحداث بن قردان، وقفصه وغيرها، وهي مؤشرات حمراء لطاقة استيعاب الشعب للتوزيع غير العادل للثروة. ويمكن تأطير هذا المشهد بالقول إن عقد الاقتصاد الأخلاقي (Moral Economy)، وهو عقد يقبل الشعب بموجبه استبدال المشاركة السياسية بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، جرى تحطيمه عبر ما يعتبره كثيرون اعتداء على ثروات البلاد لحساب مجموعة صغيرة مقربة من النظام. وتساهم في ذلك، سياسات العولمة الاقتصادية بأدواتها.


الثاني، القمع: فقد استخدم النظام خلال انتفاضة الخبز عام 1984 كل المحرمات القمعية، وتسلم الرئيس بن علي الحكم على أثر هذه الاستباحة. وخلال 24 عاماً (1987-2011)، لم يعمل على تحقيق القليل من العدالة، بل سار على نهج سلفه بورقيبة. وتغاضى شعب تونس آنذاك عن كل ذلك، ولم يكن الأمر ضعفاً بقدر ما كان حكمة تهدف لفتح صفحة جديدة.


ويؤطَّر المشهد قانونياً. فما قام به النظام خلال النصف الثاني من القرن العشرين، لا يمكن القبول به قانونياً على المستوى المحلي والدولي اليوم، ومحامو تونس من أوائل من هب للرفض، لأن البلد ليس واحدة من جمهوريات الموز.


الثالث، أباطرة الثروة: فتونس تعيش اليوم على وقع قصص أولئك الأباطرة الذين استطاعوا تكوين إمبراطوريات مالية وإعلامية في فترات قياسية، مستفيدين من علاقاتهم بالرئيس بن علي. فمنظمة الشفافية العالمية المعنية بمحاربة الفساد صنفت تونس في المرتبة الـ65 ضمن ترتيب شمل 180 دولة. والفساد مستشر في كل مكان في تونس وهذا ما كشفته وثائق ويكيليكس أيضاً وأصبح من الصعب على التونسيين التغاضي عن الفساد المستشري في رأس هرم السلطة السياسية. ويؤطَّر ذلك بأن الحكم الجيد والشفافية جزء لا يتجزأ من ظاهرة العولمة وسيادة القانون.


الرابع، بداية النهاية، حيث تبدأ التناقضات بالظهور: العصبية الحادة، التخبط في القرارات، الاستخدام التعسفي للقوة العسكرية، فقدان البوصلة الأخلاقية. وقد بدأت ملامح غطرسة القوة بالظهور في خطاب لبن علي وتصريحات عصبية لأعضاء حكومته. لقد اعتقد سوهارتو وماركوس وتشاوشيسكو جميعهم أن في وسعهم الخلود في السلطة، بالركون إلى البطش. ولكنهم أطيحوا. أما اطار هذا المشهد فهو ان العالم الحر اليوم لن يستطيع أن يصم أذنيه عما يحصل في تونس. وقريباً سيتخلى الاتحاد الأوروبي عن النظام التونسي، ولن يستطيع ساركوزي، وإن أراد، أن يبقي النظام الحالي. كذلك وبّخته واشنطن.


الأخير، إسدال الستار والمغادرة: فالنظام يقتل التونسيين بالفقر والجوع والظلم الاجتماعي والاقتصادي، أو من خلال قواته البوليسية. لقد حان الوقت لفتح ملفات ويكيليكس. فالجمهورية الثانية فقدت قدماً وتعرج على الأخرى. ومحامو وقضاة تونس ومن خلفهم شبابها يستطيعون أن يطلقوا انتفاضة مدنية تكون جسر الانتقال إلى ما بعد النظام. في إطار هذا المشهد، سيسدل الستار النهائي على القصة، حيث تُجمع الحقائب للمغادرة.


إن من الواضح ان الميثاق الوطني لعام 1989 لم يعد مناسباً لواقع تونس. فهو لم يحقق الأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المرجوة، ولذا لا بد من إعادة كتابته ليشتمل على العهود التالية:
العدالة الاجتماعية الشاملة: ترتكز على الإنصاف والمساواة وحق الضمان الاجتماعي والحق في العمل وإشراك القوى الفاعلة في عملية التنمية.
المشاركة السياسية الشاملة: وتبنى على التعددية السياسية، والمنافسة الحرة والشريفة، وتغيـير السلطة، فيما تُـحدد فترة انتقالية ما بين 2011 و2014 مثلاً لتمكين مؤسسات المجتمع التونسي من إعادة بناء نفسها وتعميق وتوسيع المشاركة لكافة مكونات المجتمع وعدم تهميش أية فئة.


المصالحة السياسية: تبنى على عملية قانونية للحكم الرشيد وإعادة ممتلكات الدولة الى الدولة، مع فتح باب العفو أو العقاب للمتصرفين بثروات الشعب والتحقيق في حالات القتل على خلفية انتفاضة الخبز، والتمهيد للمصالحة بين الحزب الحاكم وكافة القوى السياسية.


عدم الانتـقام: عملية قانـونية توقع عليها كافـة الأطـراف تضمن عدم الانتقام من أى شخص وتحفظ حق الجميع في محاكمة عادلة. ومن الممكن منح عفو عام للنخبة الحاكمة التي عملت ضد الشعب، وهذا من أجل تجنيب تونس المزيد من سفك الدماء وتوفير بداية مضيئة للجمهورية الثالثة.


أما إذا وصلت الرسالة، فقد يتغير المشهد الأخير وذلك بأن تفتح الحكومة حواراً شاملاً مع كافة القوى المدنية والسياسية والاجتماعية والحقوقية، فيطلَق سراح كافة المعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة، ويعتذر النظام للشعب التونسي ولعائلات القتلى والجرحى. يرافق ذلك إلغاء كافة القرارات التعسفية بحق المعارضين والمنفيين السياسيين وإطلاق سراح سجناء الرأي وإزالة كافة القيود المفروضة على حرية العبادة والرأي. يتمثل إطار هذا المشهد في القواسم المشتركة بين الشعب والحكومة، كون الحكومة من الشعب ولخدمته.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة إكستر البريطانية

 


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Copyright 2025 . All rights reserved