Date: Sep 2, 2013
Source: جريدة الحياة
البعد السوري يضيف زخماً إلى ليالي الحظر وأمسيات الحشد
القاهرة - أمينة خيري
في نحو السابعة إلا الربع من مساء أول من أمس، أعلنت الإذاعة الداخلية للنادي الاجتماعي الشهير أنه تقرر ترحيل موعد بدء حظر التجوال من التاسعة إلى الـ11 مساءً، ومن ثم فقد تقرر إغلاق أبواب النادي في التاسعة والنصف بدل السابعة والنصف.
 
ودون ترتيب مسبق، أو تنظيم محبك، أو اتفاق مبرم، دوّى النادي بتصفيق الأعضاء هاتفين «الجيش والشعب إيد واحدة». وحين لفت أحدهم الانتباه إلى الضلع المنضم حديثاً إلى المنظومة ألا وهو الشرطة استطرد بقية الأعضاء مبتسمين وهاتفين بحماسة لم تفتر «الجيش والشعب والشرطة إيد واحدة».
 
وعلى رغم القرار المحمود، إلا إنه في تمام السابعة والنصف كانت الغالبية العظمى من الأعضاء قد غادرت المكان استعداداً لبدء أنشطة الحظر المعتادة.
 
لم يكن ما جرى في النادي الشهير استثناء، بل كان القاعدة في تلك الليلة. فمع دقات الساعة التاسعة من مساء الليلة نفسها، وعلى رغم آلات التنبيه وصافرات التشجيع وتهليلات التأييد التي انطلقت وقت الإعلان عن تأخير بدء الحظر، وعلى رغم الساعتين الإضافيتين، إلا أن شوارع وسط القاهرة خلت من المارة والسيارات إلا في ما ندر. وكان السؤال الذي دار في خلد كثيرين هو هل أحب المصريون الحظر؟
 
سؤال ساخر! والغالبية تعرف أنها لا تحب الحظر بقدر ما تحب من يقف وراء قرار الحظر، وهو ما لا تفهمه أو ترفض أن تفهمه أو تفهمه لكن تنكره قوى سياسية ودينية داخلية وأخرى خارجية.
 
وبينما أحدهم - من محبي الحظر - يقول لصديقه «حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنى لك الغلط»، في إشارة إلى قدرة بل ورغبة قطاع عريض من المصريين على بلع زلط السيسي (وزير الدفاع)، وحجارة منصور (الرئيس الموقت)، وجمرات الببلاوي (رئيس الوزراء)، كان يعلم أن هناك من يستغل الدقائق الأخيرة قبل انطلاق حظر التجوال في كتابات جدارية يخطها خلسة لتخوين السيسي والإساءة إلى منصور والتشكيك في الببلاوي.
 
وبين بالعي «الزلط» ومتمني الغلط، تمر الأيام على مصر بطيئة ثقيلة ملبدة بجهود إرهابية انتقامية من قوات الجيش وعناصر الشرطة وأفراد الشعب ومثقلة بأنشطة الحظر وفعالياته التي تحولت بقدرة قادر إلى مصدر للسعادة وسبب للغبطة. فالحشو الفضائي الهائل لأمسيات الحظر ولياليه تتخم الشعب وتلكمه بوثائق سرية ومستندات إخوانية وأدلة أمنية تبرهن بالحجة الموقوتة والبرهان الدامغ على أن مصر تم إنقاذها من «النفق الإخواني المظلم» و «المخطط الأميركي المذهل» في اللحظة الحاسمة.
 
ومع دخول سورية وضربتها العسكرية المرتقبة على خط أنشطة الحظر الليلية وفعاليات المحظورين المسائية، تحوّل المصريون من مجرد خبراء سياسة داخلية ومحللي شبكات مصالح محلية إلى ساسة إقليميين محنكين ومؤرخين دوليين مخضرمين! ومنذ خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما على العالم ببنات أفكاره الهادفة إلى توجيه ضربة عسكرية إلى سورية حماية للأمن القومي الأميركي، وليالي الحظر المصرية تزخر بالمزيد من الفعاليات الحماسية. فعلى مدى اليومين الماضيين، تلوّنت ليالي الحظر الصيفية بحضور مكثف للزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي يطرح نفسه ويطرحه آخرون بقوة في هذه الظروف المصرية والعربية والدولية الحالكة.
 
فمن شاشة فضائية تعيد وتزيد في مقطع من خطبة ناصر الشهيرة وهو يقف مستهيناً بالمعونة الأميركية ومشداً من أزر المصريين القادرين على ترشيد أكلهم وتقليل شربهم وتقليص مواد بنائهم في سبيل الكرامة ودرءاً للمهانة، إلى شاشة كمبيوتر مستحضرة صورة الزعيم يوم إعلان أسس الوحدة بين مصر وسورية متمثلة في «الجمهورية العربية المتحدة» وجلجلت كلماته الواخزة للمشاعر الموخوزة أصلاً «هذا هو ما حدث - أيها المواطنون أعضاء مجلس الأمة - حين حصلت سورية على استقلالها الكامل تطلعت إلى مصر، وحين حصلت مصر على استقلالها الكامل تطلعت إلى سورية».
 
ويمضي ناصر عبر شاشات يوتيوب العنكبوتية معلناً «لقد كان في سورية رد فعل لكل حركة في مصر، كما كانت أصداء الذي يحدث في دمشق تتجاوب في القاهرة؛ في مصر وسورية ذلك الفوران الذي أعقب الحرب العالمية الثانية وبدأت على أثره حركات التحرر الهائلة في أفريقيا وآسيا.. في سورية ومصر هذه الهزات العنيفة وراءها كلها محاولات تغيير الأوضاع تطلعاً إلى الأفضل والأحسن».
 
ومن شاشة الكمبيوتر إلى الهواتف المحمولة حيث يتداول المحظور تجوالهم أقوال ناصر المأثورة المتطرقة إلى مفاهيم عامة حيناً - مثل «الجماهير التي هي القوة الحقيقية والسلطة بغير جماهير هي مجرد تسلط معاد لجوهر الحقيقة» - أو المتطرقة إلى مفاهيم خاصة حيناً - مثل أن أنصار جماعة الإخوان المسلمين يعتقدون أنهم أسياد وبقية المواطنين عبيد.
 
ومثلما هناك من الشاشات ما تتأجج ليلاً بأن تجتر قومية ناصر وتهفو إلى كرامة المصري وتتوق إلى زوال «غمّة الشرعية» و «تجارة الشريعة» و «نجاة سورية من الهجمة الغربية على الأمة العربية والإسلامية»، فإن هناك أيضاً من الشاشات ما يجتر إخوانية «الأهل والعشيرة» ويتوق إلى «كرامة الإخواني المتميزة» ويهفو إلى «زوال غمّة الانقلاب والانقلابيين» ويشتاق إلى تعجل الضربة الغربية لسورية!
 
ويستمر الحظر بعد تخفيفه وتتوالى أمسياته بعد حشوها بـ «التوك شو» والتحليلات والتنظيرات والوثائق السرية وتمضي لياليه المنقسمة كغيرها، فما زال هناك قطاع يتوق لبلع «زلط» القيادة العسكرية ومضغ أحجار الرئيس الموقت وهضم جمرات رئيس الوزراء، حتى بات انقطاع التيار الكهربائي (الذي فجّر الغضب الشعبي ضد الدكتور محمد مرسي) رب صدفة لإراحة الثلاجة والغسالة، والشلل المروري (الذي أجج النقمة الشعبية على حكومة الدكتور هشام قنديل) فرصة للراحة ومجالاً للاستجمام، وبات التزام البيوت بفعل الحظر سبباً لإحياء العلاقات الاجتماعية وفرصة لترتيب الأوقات.
 
وفي المقابل، ما زال القطاع المضاد بشاشاته سواء كانت فضائية حيث «ميدان سفنكس الآن» يعج بملايين المتظاهرين على رغم أنه فعلياً خال من المارة، أو شاشات عنكبوتية حيث التدوينات المبقية على حماسة «الربعاوية»، فالأخوة في الداخل يستبشرون نصراً قريباً والحلفاء في الخارج «يدعموننا في غايتنا السامية». أما على شاشات الهواتف المحمولة فهناك حملات التنسيق لجمعة مقبلة قد تكون جمعة «حسم» ثانية أو «جمعة طوفان» أو «جمعة غليان»، لكنها بكل تأكيد لن تكون «جمعة الشكر» المدعو إليها فضائياً لتوجيه الشكر إلى الجيش والشرطة اللذين هما يد واحدة مع الشعب (وفي قول إخواني «يد وسخة» مع الشعب)، ولن تكون كذلك «جمعة الشغل» التي يحلم بها بقايا العقلاء وأواخر المنقرضين منذ ما يزيد على عامين ونصف العام!