Date: Jun 7, 2011
Source: جريدة الحياة
سوريا: استمرار العنف يقوِّض مبادرات الإصلاح والمعارضة لم تحقق مكاسب على الأرض

بيروت، لندن - «الحياة»، رويترز - تسود حالة من الشك في قدرة المعارضة السورية على بناء مصداقية لها في الشارع السوري المتأجج بالتظاهرات، فعلى الرغم من ان النظام ربما بدأ يفقد تأييد الأغلبية الصامتة، إلا ان المعارضة «لم تحقق اي مكاسب حقيقية على الارض». وانتقدت منظمات سورية ومعارضون سوريون في الداخل، اجتماعاتٍ للمعارضة السورية في أنطاليا التركية والعاصمة البلجيكية بروكسيل، مشيرين بشكل خاص الى ان المعارضة اعتمدت جدول اعمال يركز على الخارج لا على الداخل، ولم تجب على أيٍّ من الاسئلة الرئيسية التي يطرحها الشارع، ففيما انشغل مؤتمرا انطاليا وبروكسيل بنقاشات وخلافات حول «نوع الدولة الجديدة»، ومبدأ العلمانية وفصل الدين عن الدولة، لم يظهر ان لدى المشاركين افكاراً محددة حول كيفية معالجة الوضع الراهن، ولا كيف يمكن تحقيق إصلاحات ديموقراطية حقيقية بدون ان تتعرض البلاد لحالة من الاستقطاب الطائفي او الحرب الداخلية. وفي نأي بنفسها عن تشكيل المعارضة في مؤتمر انطاليا، قالت «الشبكة السورية لحقوق الانسان»، إن اطياف المعارضة هناك لا يمثلون الشعب السوري ولا يعبرون عنه. وفيما تعيش المعارضة «مرحلة ضبابية»، لجأ النظام السوري لوقف الاحتجاجات الشعبية، إلى استخدام القوة والتنازلات السياسية في آن واحد في اغلب الاحيان، ولكن لم ينجح الأسلوبان في إنهاء الانتفاضة، وقد يؤدي تعامله المزدوج «لانفضاض قاعدة مهمة من مؤيديه من حوله».


ومنذ اندلاع الانتفاضة قبل 11 اسبوعاً، جمع النظام السوري بين القمع ومساعي استمالة المتظاهرين، وتكرر الشيء نفسه الاسبوع الماضي، ففي اليوم الذي أَعلن فيه العفو عن سجناء سياسيين نفسه، قتلت قوات الامن عشرات من المدنيين في بلدة الرستن بوسط البلاد.
وأعقب قرار العفو الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي خطوات نحو «حوار وطني» لبحث شكاوى شعبية، بينما قتل عشرات آخرون في هجوم للجيش على البلدة.
وسواء كانت الرسائل المتضاربة «إستراتيجية متعمَّدة» او «ردَّ فعل متسرعاً» للاضطرابات في سورية، يقول محللون إنها «تهدد بتقويض حجة أنصار الأسد، الذين يقولون ان البديل الوحيد لحكمه هو نشوب حرب أهلية».


وقال محلل في دمشق: «الاقليات السورية والطبقة الوسطى وقطاع الاعمال... يخشى الثلاثة بصفة اساسية بديل الأسد، وقبلوا مبدئياً رسالة النظام، ومفادها «نحن او الفوضى». ولكن النظام لم يكن متسقاً الى حد كبير على جميع الجبهات، القمع والاصلاح ومعالجة الآثار الاقتصادية، فضلاً عن شروط الحوار. يعتقل اشخاصاً في اللحظة نفسها التي يحتاج فيها لوجود شركاء حوار على الارض».
وتابع المحلل: «لذا، فإن معادلة «نحن أو الفوضى» تنقلب ضده (النظام) شيئاً فشيئاً».


وتقول جماعات حقوقية ان 1100 قتيل على الاقل سقطوا في الاضطرابات، مع امتداد الاحتجاجات من مدينة درعا الجنوبية الى ساحل البحر المتوسط والمناطق الكردية في الشرق.
ورغم إدانة واشنطن للعنف، تبدو الولايات المتحدة مترددة في توجيه دعوة صريحة برحيل الاسد.
ويرجع التردد لأسباب، منها الشكوك بشأن من سيتولى إدارة البلاد التي تحكمها اسرة الاسد منذ 41 عاماً. وفي ظل حكم الأسد الأب والابن، تحالفت سورية مع ايران وساندت حزب الله وحركة المقاومة الاسلامية حماس، كما أجرت محادثات سلام مع اسرائيل. ومع ان سياسات دمشق كانت سبباً في نظر الكثيرين في الدول الغربية في اثارة عدم الاستقرار، إلا ان النظام السوري في المقابل لم يتورط في اي مغامرات سياسية غير محسوبة، وظلت جبهته مع إسرائيل مستقرة أكثر من اى جبهة اخرى، بالرغم من استمرار احتلال الجولان السوري.


ودعا اجتماع شخصيات سورية معارضة في تركيا يوم الخميس الماضي الاسد للاستقالة، لتمهيد الطريق لحكم ديموقراطي، ولكن لم تعط اي مؤشر يذكر لكيفية أخذ مكانه.
وقال المحلل في دمشق: «رغم ان النظام ربما يفقد تأييد الأغلبية الصامتة، فإن المعارضة لم تحقق اي مكاسب، لأنها لا تجيب على أي من الاسئلة الرئيسية التي تطرحها الازمة... في دولة بهذا الضعف كيف تضمن انتقالاً ناجحاً للسلطة... ما هو جدول اعمال هؤلاء الاشخاص... يركزون على قضية إسقاط النظام ويغيبون كلياً عن القضايا الرئيسية التي يريد الشعب الحصول على إجابات بشأنها».
وقالت ريم علاف من معهد «تشاتام هاوس» للدراسات في لندن: «لأول مرة تقع اشتباكات حقيقية والمواطنون يقاومون. لم يحدث على نطاق واسع بعد».


وقال دبلوماسي غربي رفيع المستوى في بيروت، إن الساسة اللبنانيين، سواء من حلفاء سورية او خصومها، يعتقدون «ان الوضع في سورية لا يمكن ان يرجع للوراء. لم يحدث مثل هذا الامر في تاريخ سورية الحديث. النظام مهدد بشكل يفوق العادة».
وحتى الآن تعوق مقاومة روسيا والصين مساعي اميركية وأوروبية لاستصدار قرار من الأمم المتحدة يدين القمع في سورية. وسبق ان تخطى الاسد فترة من العزلة فرضها الغرب حوله.
ولكن الاسد شهد انفضاض حليفين هامين له في المنطقة، وهما تركيا وقطر، في الاسابيع الاخيرة، فيما عانى الاقتصاد السوري نتيجة فقْد عائدات السياحة، وتوقُّف الاستثمارات، والعقوبات ضد كبار المسؤولين السوريين، ما منع شركات عالمية من التعامل مع سورية.
وتقول علاف: «لا يشهد حكم الاسد تفككاً، ولكن الاعتقاد بأنه يمكن تقديم القليل مما يسمى بالإصلاحات وتعود كل الامور لطبيعتها.. هذا لن يحدث».