Date: Jun 1, 2011
Source: جريدة الراي الكويتية
مؤتمر «انطاليا» للمعارضة السورية... إطلالة على التغيير وتحدياته
ياسين الحاج صالح: «شعرتُ بالغضب والإهانة من كلام نصر الله»

| بيروت - من ريتا فرج |

 

سورية في عين العاصفة، تحت المجهر وعلى كل شفة ولسان. فبعد نحو شهرين ونصف شهر على «الشرارة الاولى» تتدحرج «الكرة اللاهبة» من مدينة الى اخرى وسط تعاظم الاحتجاجات الشعبية من جهة وتعاظم القبضة الامنية في مواجهتها من جهة اخرى.
وغداة العقوبات الاميركية ضد النظام و«رأسه»، والعقوبات الاوروبية المماثلة، يخطو «الملف السوري» نحو مجلس الامن وإن على نحو «متعرج»، في ظل حراك سياسي لمعارضي الداخل والخارج على حد سواء.
ولم يكن «البلاغ رقم واحد» الذي صدر عن «المؤتمر السوري للتغيير» سوى «اول الغيث» في هذا الحراك المرشح للإتساع، لاسيما مع بدء اعمال هذا المؤتمر، مساء امس في مدينة انطاليا التركية بمشاركة معارضين سوريين من أطياف ومشارب مختلفة وتحت عنوان «أيها السوريون في الوطن والمغتربات» ما يجعله قيد المتابعة.


هذا المؤتمر الذي تداعت اليه أحزاب في المعارضة السورية ووجوه ثقافية وممثلين عن العشائر وناشطين مستقلين وبعض الأحزاب الكردية بينها حزب «آزادي»، وأبدى بعض المعارضين في الداخل السوري تحفظاً عنه وفي مقدمهم «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي»، الذي قال في البيان الصادر عنه يوم الاحد: «إن قيادة الإعلان في الداخل قررت المشاركة في هذا المؤتمر بصفة مراقب، وكلف السيدين أنس العبدة وكاميران حاجو بتمثيل أمانتي الداخل والخارج بهذه الصفة من التمثيل. إن للإعلان تحفظات حول التسرع في عقد هذا المؤتمر دون أية استشارات مع الداخل بشكل مسبق. وهو يتحفظ على نقطتين رئيسيتين في جدول أعمال المؤتمر، أولهما: البحث في تشكيل مجلس وطني انتقالي. ذلك أن الوضع في سوريا يختلف عنه في ليبيا، والقياس هنا غير مفيد. وثانيهما: البحث في وضع مسودة دستور جديد لسوريا المستقبلية، وهذه النقطة تحديداً، نرى أنها من حق الشعب السوري عندما تجتمع تمثيلاته المختلفة في الداخل والخارج في مؤتمر عام للحوار الوطني، يعقد داخل سورية».


وعشية إنعقاد المؤتمر تواصلت «الراي» مع عدد من المعارضين في الداخل السوري وفي أنطاليا، وأجرت حواراً مع كل من رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الانسان في سورية المشارك في المؤتمر السوري للتغيير في تركيا عمار القربي، والمعارض ياسين الحاج صالح، والمحامي والناشط في مجال حقوق الانسان هيثم المالح.


«سياسة أنقرة تجاهه بدأت تتغير والمؤتمر في تركيا لدعم الداخل»

المالح لـ «الراي»: ما قدّمه النظام لا يعدو كونه تجميلاً لصورته ... والانتفاضة مستمرة حتى سقوطه

 

رأى المحامي والناشط في مجال حقوق الانسان هيثم المالح أن سياسة أنقرة تجاه النظام في سورية بدأت تتغير، مشيراً الى أن المؤتمر الذي تعقده مجموعة من المعارضين السوريين في تركيا «يصب في خانة دعم الانتفاضة الداخلية».
وأكد في حديث الى «الراي» على «التواصل والحوار الدائم بين المعارضين في الداخل، لافتاً الى «أن اثارة الفزاعة السلفية غايتها إخافة الاقليات الدينية كي لا تنضمّ الى الانتفاضة»، ومشيراً الى «ان ما قدّمه النظام السوري حتى الآن لا يعدو كونه تجميلاً لصورته وكسباً للوقت وبالتالي ستستمر الانتفاضة حتى سقوط النظام».
وفي ما يأتي وقائع الحوار:

 

• في ظل احتضان تركيا المعارضة السورية في ضوء اجتماعها على اراضيها، ما قراءتك لموقف انقرة من الملف السوري؟
يبدو أن سياسة تركيا تجاه النظام السوري بدأت تتغير منذ تصاعُد أعمال القتل التي مارسها النظام بحق الشعب الأعزل. وقد صرح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مراراً بأن تركيا لا تستطيع السكوت عن أعمال القمع التي تمارَس ضد الشعب السوري، واعتبرها تؤثر في الوضع الداخلي في تركيا. ومن هنا استضافت تركيا مؤتمراً للمنظمات غير الحكومية الداعمة لانتفاضة الشعب السوري، وهي تستضيف الآن مجموعة من المعارضين السوريين، وليس المعارضة، ذلك أن المعارضة السورية موجودة في الداخل السوري، وهؤلاء الأخوة السوريون الذين تنادوا لعقد مؤتمر في تركيا فإنما بهدف دعم الانتفاضة في الداخل.


• هل ثمة قنوات تواصل دائمة بين المعارضين السوريين؟
حتى الآن يجري في الداخل السوري تواصل وحوار دائم بين مجموعة «إعلان دمشق» للتغيير الديمقراطي، وبين أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي وشخصيات سورية معروفة بغية التوصل إلى خطوط عريضة من أجل دعم انتفاضة الشعب وإدارة الحراك الموجود على الشارع، ونأمل في أن تنتهي هذه الحوارات في القريب العاجل.


• الخطاب السوري الرسمي يحيل الحركة الاحتجاجية في سورية الى عاملين اثنين، فهو من جهة يؤكد وجود مؤامرة تحاك ضد سورية، ومن جهة ثانية يضع التيار السلفي في واجهة الأحداث. ما تفسيركم لذلك؟
ما يطرحه النظام لجهة ما يسميه التدخل الخارجي أو السلفية، إنما يندرج تحت مسمى «الأسطوانة المشروخة» التي نسمعها منذ أمد بعيد، والحقيقة فقد أغنانا جورج بوش ولد أبيه في أواخر ولايته حين قال «لقد دعمنا الانظمة الاستبدادية لستين عاماً». وحتى بدء الانتفاضة لم يكن أحد يفكر في أن الغرب يسعى لتغيير النظام (السوري) لانه في رأي هذا الغرب أكثر ضمانة مما سيأتي. أما مزاعم السلفية وسواها فهي عبارة عن رسالة يوجهها النظام للداخل من أجل إخافة الأقليات الدينية حتى لا تنضمّ إلى الحراك المُطالب بالحرية والديموقراطية، وكذلك للخارج من أجل أن يقول له إذا تخليتَ عنا فستواجه نظاماً إسلامياً رجعياً.


• هل هناك تيار في المعارضة السورية يتبني التدخل العسكري الخارجي لحسم حال المد والجزر بين الحركة الاحتجاجية والنظام؟
لا يوجد في سورية بين مَن يعمل في الحقل السياسي أحزاباً أو شخصيات مَن يتبنى التدخل العسكري الخارجي.


• ما هي الخيارات السياسية التي يمكن للمعارضة اللجوء اليها في ظل حال المراوحة وتحديداً ما يتعلق بوعود الاصلاح التي وعد بها النظام؟
ليس لدى النظام أي رؤية للإصلاح وبالتالي ليست لديه الإرادة، وهذا ما أثبته طوال احد عشر عاماً من مطالبة الشعب عبر أحزابه وتنظيماته المدنية وشخصياته المعروفة بالاصلاح. النظام لا يستمع الى مطالب الشعب السوري، وقد مرّ الآن أكثر من شهرين على الانتفاضة ولم يقدّم هذا النظام أي خطوة في سبيل الإصلاح، وما قدّمه حتى الآن لا يعدو كونه تجميلاً لصورته وكسباً للوقت وبالتالي ستستمر الانتفاضة حتى سقوط النظام.


• العقوبات الدولية ضد النظام تتصاعد. ما تفسيرك لاثارة موضوع الضربة الاسرائيلية لدير الزور بدعوى بناء سورية لمشروع نووي في الوقت الراهن؟ وهل يمكن أن يُستعمل هذا الملف لايصال الملف السوري الى مجلس الأمن؟
جميع العقوبات التي فُرضت حتى الآن تمسّ أشخاصاً في السلطة وليست موجهة ضد سورية كدولة، كما انها تشكل من ناحية أخرى ضغطاً سياسياً يصب في خانة دعم الانتفاضة. أما مسألة المفاعل النووي فهي قد تؤثر على سورية دولة وشعباً.


• هل الاصلاح يناسب بنية النظام السوري أم العكس؟ ولماذا يتخوف النظام من أي خطوة جذرية نحو الاصلاح؟
الإصلاح الذي يطالب به الشعب ينتهي ببناء دولة ديموقراطية تحفظ كرامة الشعب وحريته وتحقق مبدأ فصل السلطات والمساواة أمام القانون مما يعني زوال النظام الذي يعتمد الاستبداد والقمع كأسلوب رئيسي لاستمرار وجوده في السلطة.


«مؤتمر التغيير سيبحث في آليات دعم الانتفاضة في الداخل»

عمار القربي: غير مطروح تشكيل مجلس وطني انتقالي
 
أكد رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الانسان في سورية المشارك في المؤتمر السوري للتغيير في تركيا عمار القربي أن البند الوحيد الذي ستتم مناقشته في أنطاليا هو «دعم الثورة في سورية»، مشيراً الى أن المؤتمر المؤتمر «لا يدّعي بأنه يعكس التمثيل السياسي السوري بكافة أطيافه، بل يسعى الى تمثيل كافة المشارب في الداخل والخارج»، ونافياً اي اتجاه لتشكيل مجلس وطني انتقالي «فهذا الأمر غير مطروح ولم يناقَش في الأساس» ومشدداً على «ان ما نقوم به عبارة عن خطوة توفيقية وليس انتقالية».
ولفت القربي في حديث الى «الراي» الى ان اختيار انطاليا كمركز لعقد المؤتمر يعود الى عاملين أساسيين: «أهمية تركيا كدولة ديموقراطية، وتأثر الأتراك بأي تداعيات سورية محتملة».
وفي ما يأتي نص الحديث:

 

• هل من جدول أعمال محدد للمؤتمر وهل سيخرج بتوصيات يمكن اعتبارها بمثابة خريطة طريق المعارضة السورية في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد؟
هذا المؤتمر لا يخص المعارضة السورية فقط فهو يضم شخصيات سورية مستقلة وأدباء ومفكرين وممثلين للعشائر. في جدول أعمال المؤتمر السوري للتغيير بند واحد يتمثل بدعم الثورة في سورية وحركة احتجاج الشعب السوري، ولا يمكن اعتباره بمثابة خريطة الطريق للمعارضة. أما في ما يتعلق بآليات الدعم، فهذا ما سيبحثه المؤتمرون في اجتماعاتهم التي تُعقد الاربعاء (اليوم) والخميس (غداً)، مع العلم أن المؤتمر سيفتتح أعماله مساء الثلاثاء (امس).


• هل تعتقد أن هذا المؤتمر يعكس في طابعه التمثيلي كافة أطياف الشارع السياسي السوري؟
المؤتمر لا يدّعي بأنه يعكس التمثيل السياسي السوري بكافة أطيافه، بل يسعى الى تمثيل كافة المشارب في الداخل والخارج، وستكون هناك لجنة تضمّ كل القوى السياسية التي شاركت في المؤتمر.

 
• هل تطمحون الى تشكيل مجلس وطني انتقالي على غرار المعارضة الليبية؟
إن هذا الأمر غير مطروح ولم يناقَش في الأساس.


• لكن ما هو تفسيركم للحديث الذي يتداوله البعض حول إمكان تشكيل مجلس وطني انتقالي؟
الحديث المتداول عبارة عن تسريبات سياسية من النظام من أجل تشويه صورة المؤتمر السوري للتغيير وتخويف الناس من المؤتمر. وأكرّر ان الكلام على تأسيس مجلس وطني انتقالي عار عن الصحة.

 
• لماذا اخترتم تركيا. وهل حاولتم عقد المؤتمر في دول عربية؟ وهل استضافتكم في أنقرة يعني أنكم تحظون بتغطية تركية؟
في الأساس كان هناك توجّه لعقد المؤتمر في مصر، ولكن الظروف المصرية بعد الثورة حتمت علينا عقده في تركيا. اختيارنا تركيا يأتي لأن الأخيرة دولة مهمة وديموقراطية ولها موقف من الأحداث السورية باعتبار أن تداعيات ما يمكن أن يحدث في سورية ستنعكس بالضرورة عليها. وما دام المؤتمر يحترم القوانين التركية، لم تجد القيادة التركية اي مانع من عقده في أراضيها. أما في ما يتعلق بالتغطية التركية للمؤتمر فأنا سأقدّم رأيي الشخصي وليس رأي المؤتمر، وأقول ان موقف تركيا في العموم تجاه الاحداث السورية لم يكن كافياً، والشعب السوري يريد أن تولي تركيا اهتماماً اكبر بثورته، ونأمل في أن تتجه أنقرة نحو خطوات أكثر فعالية.


• لماذا أبدى بعض المعارضين في الداخل تحفظهم عن المؤتمر؟
ليست لدي أي معلومات عن تحفظ بعض المعارضين على المؤتمر. وما نقوم به عبارة عن خطوة توفيقية وليس انتقالية. والمؤتمرون سيناقشون البنود التي ذكرتها. المؤتمر مجرد مكان للالتقاء ولا ينطلق من أسس سياسية أو مذهبية، ونحن نحترم آراء كل الناس.


• ما تفسيركم لعدم مشاركة الاحزاب الكردية في المؤتمر؟
الأحزاب الكردية موجودة ومن بينها حزب آزادي، وهناك ممثلون مستقلون، وأعتقد أن مستوى التمثيل الكردي في المؤتمر لا بأس به.


• كيف تقاربون الموقف العربي مما يجري في سورية؟ وهل تجرون اتصالات لحشد تأييد للحركة الاحتجاجية؟
الموقف العربي سيء جداً وهو ممثل بجامعة الدول العربية. الدول العربية لا تتخذ أي موقف أو ردة فعل تجاه الأحداث في سورية ولا تدين حتى المجازر المرتكبة ضد الشعب السوري. الدول العربية منقسمة الى اتجاهين: قسم خرج من الثورة وينشغل بأوضاعه الداخلية، وقسم يخاف إدانة ما يجري في سورية ولا يدعم الحركة الاحتجاجية خوفاً من اندلاع الثورة عنده، وبالتالي فإن دعم الاستبداد في سورية هو دعم للاستبداد في هذه الأنظمة.


«شعرتُ بالغضب والإهانة من كلام نصر الله»

الحاج صالح لـ «الراي»: خطوة ارتجالية مؤتمر المعارضين والنظام يعتمد التخويف للسيطرة بإرجاعه الانتفاضة إلى سلفية مختلَقة
 
اكد المعارض السوري ياسين الحاج صالح ان مؤتمر المعارضة في انطاليا والرامي على ما يبدو «الى توفير إطار سياسي داعم للانتفاضة في الداخل» هو مسعى محمود من حيث المبدأ «لكنه يعاني ثغراً خطيرة تقلل من أثره المحتمل، أهمها أن أياً من الداعين للمؤتمر والمشاركين فيه لا يحظى بقدر كافٍ من الاعتراف به والإجماع حوله، حتى ان بعضهم إشكاليون جداً، وكانت مساهمتهم في إثارة الشقاقات داخل الطيف المعارض التقليدي أكبر من دورهم في الحدّ منها»، معلناً «في تقديري أن الخطوة ككل مرتجلة ومن المحتمل أن تكون مناسبة لمزيد من الشقاق والتمزق».
واذ شدد صالح في حديث الى «الراي» على ان اثارة النظام السوري للهاجس السلفي، عبارة عن «اختلاق محض»، اعلن انه شعر «بالغضب والإهانة» جراء موقف الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله من الاحداث في سورية، معتبراً «ان ما لا يُغتفر أن يقف نصر الله إلى جانب النظام ويدعو السوريين إلى الحفاظ عليه بعد تعامل وحشي معهم وسقوط 1100 شهيد»، ولافتاً الى «ان دعوة نصر الله المقتولين إلى الحفاظ على النظام الذي يقتلهم أمر يدعو إلى الاحتقار».

 

• عشية اجتماع المعارضة السورية في تركيا ما قراءتك لهذه الخطوة؟ وهل لديكم معلومات عن جدول أعمال المؤتمر؟ والى أي حد يدعم بنية المعارضة على مستوى الاطار الجامع؟
- معارضون سوريون، وليس المعارضة السورية، هم مَن يعتزمون عقد المؤتمر المشار إليه في السؤال، والغرض فيما يظهر هو توفير إطار سياسي داعم للانتفاضة في الداخل. وهذا مسعى محمود من حيث المبدأ، لكنه يعاني من ثغر خطيرة تقلل من أثره المحتمل. أهمها أن أياً من الداعين للمؤتمر والمشاركين فيه لا يحظى بقدر كافٍ من الاعتراف به والإجماع حوله. والواقع أن بعضهم إشكاليون جداً، كأشخاص وكدور وكخطاب. وكانت مساهمتهم في إثارة الشقاقات داخل الطيف المعارض التقليدي أكبر من دورهم في الحدّ منها. ومَن ليسوا إشكاليين بينهم لا يتمتعون برصيد سياسي وأدبي مهمّ في الداخل. وتقديري أن الخطوة ككل مرتجلة وغير مدروسة، وأن من المحتمل للمؤتمر الذي لا علم لي بجدول أعماله أن يكون مناسبة لمزيد من الشقاق والتمزق. ومن المستبعد، تالياً، أن يسجل إضافة إلى فاعلية المعارضة.
لكن هذا لا يعني أنه سيكون سلبي الأثر بالضرورة على الانتفاضة. فللانتفاضة دينامية اجتماعية وسياسية وأخلاقية مختلفة، مستقلة عن منازعات وانقسامات المعارضة التقليدية، وتأثير هذه الإيجابي أو السلبي عليه محدود.


• ماذا عن السياق التنظيمي للمعارضة؟ وهل هناك توّجه لتأسيس مجلس انتقالي يسد أي فراغ سياسي محتمل؟
- ليس هناك متن جاذب للمعارضة السورية في الأعوام الأخيرة. كان ائتلاف «إعلان دمشق» الذي تَشكل في خريف 2005 أقرب شيء إلى هذا المتن، وقد ضم يساريين وليبراليين من المعارضة الداخلية، وعدداً من التنظيمات الكردية، وانضمّ إليه حينها الإخوان المسلمون أيضاً، وشخصيات مستقلة معروفة. لكن تطورات متنوعة أضعفته، وأفقدته دوره كمتن جامع. هذا أدى إلى تفلُّت أو تخلخل الطيف المعارض، وظهور أفراد غير مجرّبين وغير موثوقين أحياناً، بعضهم «زعران»، وكذلك مجموعات لا تقاليد لها، ولا تنضبط بمبادئ فكرية وسياسية واضحة.
في التداول كلام غامض عن مجلس انتقالي، لكن لا شيء ملموس بحدود ما أعرف، وربما لا يملك أحد من الشرعية ما يكفي للإقدام على خطوة كهذه. وهي ليست ضرورية أو لازمة الآن على كل حال. الأولوية للانتفاضة واستمرارها واتساع نطاقها، ثم لتوفير إطار سياسي داعم لها في الداخل. وهذا ما يستحق أن تُبذل الجهود من أجله في رأيي.


• الحركة الاحتجاجية في سورية تبدو الى حد ما عفوية. هل هناك دور للمعارضة في تنظيم حراك الشارع؟
- ليست عفوية. لها تنظيم ذاتي أنتجته هي تدريجاً، يتمثل في «لجان التنسيق المحلية»، لكنها دون إطار سياسي جامع، ودون وحدة إيديولوجية. هذه سمة الثورات العربية عموماً. المعارضة الداخلية، «إعلان دمشق» بخاصة، مساند للانتفاضة، التي لم يعترض عليها أي تنظيم معارض. وناشطو الإعلان داعمون لها بصيغ متنوعة، أو مشاركون فيها. لكن ليس هناك تيار سياسي محدد يقود الانتفاضة. وهذا، بالمناسبة، يمنحها انتشاراً أفقياً أوسع، ويحدّ من تأثير نقاط ضعف المعارضة التقليدية عليها.


• ما هو تفسيرك لتأكيد الرئيس بشار الأسد على تظهير الحركة الاحتجاجية على أنها ذات خلفية سلفية؟
- يجب أن أقول بداية ان إرجاع الانتفاضة السورية إلى السلفية أو الأصولية اختلاق محض، لا أساس له. فمَن هم هؤلاء السلفيون الذين لا يُصدرون بياناً يقولون فيه ماذا يريدون، أو يطلقون تصريحاً يعبّر عنهم، أو ينشئون موقع إنترنت يُعرِّف بهم؟ كان تنظيم «القاعدة» ناشطاً في مجال الإعلام بقدرٍ لا يقلّ عن نشاطه «الجهادي». وكان للإخوان المسلمين السوريين مجلة أيام مواجهتهم للنظام بين أواخر سبعينات القرن العشرين ومطلع ثمانيناته، حين كانت مسائل الإعلام والاتصال أشد صعوبة بكثير مما هي اليوم. وكانوا لا يكفون عن إصدار البيانات المعبّرة عن مواقفهم والمعلنة عن أنشطتهم العسكرية والسياسية. اليوم لدينا تيار سلفي مزعوم، يقيم إمارات سلفية متعدّدة في درعا وحمص وبانياس، لكنه لا يُصدر تصريحاً واحداً، ولا يقول ماذا يريد! لماذا هو أبكم إلى هذا الحد؟ لأنه، بكل بساطة، غير موجود!


فلماذا، إذن، يصر النظام على اختلاقه؟ لثلاثة أسباب. أولاً لتسويغ سحق الانتفاضة بالقوة، الأمر الذي لا يمكن تبريره طبعاً لو أقر النظام بأنه يواجه احتجاجات شعبية سلمية. ثانياً لبيع القمع المنفلت في البلاد للأميركيين بوصفه مواجهة لإرهاب إسلامي، ومحاولة صنع وحدة حال مع الغرب. ثالثاً لإثارة التوترات والمخاوف الطائفية بهدف تصليب القاعدة الاجتماعية للنظام في مواجهة الوحش السلفي الذي «سيذبحكم» إذا خرجنا «نحن» من السلطة. إنها سياسة التخويف والتفريق من أجل السيطرة.


• كيف قاربتم العقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي على الرئيس الأسد وقيادات النظام؟ وهل تتوقعون انتقال الملف السوري الى مجلس الأمن؟
- أقدّر أنها مزدوجة الأهمية. من جهة، تقيّد حرية الحركة الاقتصادية والسياسية والشخصية للنظام ورجاله في أوروبا، علماً أن فؤادهم هناك، وليس في طهران أو في الضاحية الجنوبية أو غزة، أو في أي مكان آخر. لكن الأهم أنها تعزل النظام عن «الخارج»، الذي يفضل (النظام) أن يلفت انتباهه وينال اعترافه، ويقيس قيمته ووزنه بكثافة اتصالاته معه. النظام السوري مثال لـ»الدولة الخارجية» التي يُثير تدهور علاقاتها مع الخارج اكتئاباً عميقاً فيها. وخصوصاً حين يتعلق الأمر بالمركز الغربي، ومركز المركز الأميركي. لذلك، بلى، العقوبات مؤثرة، ومن شأن استمرارها أن يدفع النظام فعلاً إلى تغيير سلوكه، وهو ما تطلبه القوى الغربية حتى الآن.
وحتى الآن يبدو أن الموقف الروسي هو ما يحول دون تحويل الملف السوري إلى مجلس الأمن، رغم إعلان الأوروبيين عزمهم القيام بذلك. اما هل سيغير الروس موقفهم على نحو ما فعلوا بخصوص ليبيا؟ فهذا ليس ظاهراً بعد، لكنه لن يكون مفاجئاً.


• برز أنموذجان في تعاطي المجتمع الدولي مع الحركات الاحتجاجية في العالم العربي، واحد يُقوم على الضغوط من بُعد وآخر عبر التدخل العسكري. في أي اتجاه يسير الوضع السوري؟
- لا أظنه يسير باتجاه التدخل العسكري حتى لو دان مجلس الأمن النظام السوري. فلا أحد في سورية أو في العالم العربي يرغب في تدخل عسكري، ولا دافع لدى القوى الكبرى لفعل ذلك. ومن شأن احتمال كهذا أن يكون نكسة لتطلع الانتفاضة السورية الكبرى إلى سورية جديدة قائمة على الحرية والاستقلال، لا مكسباً لها. الضغوط السياسية والديبلوماسية والاقتصادية على رجال النظام مفيدة، وأقدّر أنها يمكن أن تكون مثمرة في الحالة السورية أكثر مما في حالة العراق أيام صدام وفي حالة ليبيا القذافية.


• ما مقاربتك لموقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من الأحداث في سورية الذي أدلى به في خطابه الأخير؟
- شخصياً، شعرت بالغضب والإهانة. أستطيع أن أفهم ألا يؤيد «حزب الله» الانتفاضة السورية، ولا أنتظر منه أن يقف إلى جانبها، لكن ما لا يُغتفر في نظري أن يقف نصر الله إلى جانب النظام وأن يدعو السوريين إلى الحفاظ عليه، بعد شهرين ونصف من الانتفاضة، وبعد سقوط 1100 شهيد، وبعد تعامل وحشي مع السوريين لا يعقل ألا يكون نصر الله رأى أمثلة وفيرة عليه. أن يدعو «السيد» المقتولين إلى الحفاظ على النظام الذي يقتلهم أمر يدعو إلى الاحتقار. وقد جاء الرد سريعاً، اذ بعد يومين أحرق متظاهرون سوريون في البوكمال صور نصر الله، وامتلأت صفحات الفايسبوك بتعليقات مزدرية له ولحزبه، من أناس كانوا أقرب إلى تأييد الرجل وتفهم مواقف الحزب من قبل.


• صحيفة «الوطن» السورية أشارت الى تقاطع العقوبات على سورية مع اجراءات اخرى يمكن ان تصدر عن هيئات دولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمحكمة الخاصة بلبنان. ما هو تفسيركم لذلك؟ وهل يمكن أن تتجه سورية باتجاه كوريا الشمالية كما أشارت الصحيفة ايضاً؟
- نعم، هناك إشارات على احتمال ضغوط أكبر تستهدف النظام من جهة الملف النووي أو المحكمة الخاصة بلبنان. وفي هذا توظيف انتهازي غير مستغرب من القوى الغربية لملفات أخرى كانت مركونة على الرف، أو متروكة مؤقتاً، بغرض مزيد من عزل النظام والضغط عليه. لكن لن أهدر ذرة من الانفعال على هذا التوظيف الانتهازي للقانون الدولي ولا سيما أن الضغوط الدولية تصاعدت على النظام بمبادرة من منظمات حقوقية وهيئات مدنية ووسائل إعلام، ولأسباب تتصل بتعامل النظام الهمجي مع محكوميه. لدينا نظام ليس انتهازياً فقط، وليس بلا مبدأ فقط، بل هو دموي أيضاً. ولا نستطيع الاستناد إلى نظام يقتلنا لنقد منطق دولي غير مستقيم. هذا مركب الممانعة، ونحن السوريين أعرف الناس بأنه مركب الفاسدين القامعين الكاذبين.
يتجه النظام إلى كوريا الشمالية؟ أنعم وأكرم! أظن أن في قول جريدة رامي مخلوف كلاماً هاذياً كهذا يدلّ على إمعان النظام في الانفصال عن الواقع، وعلى استعداده لفعل كل شيء كي يحتفظ بالسلطة. كوريا الشمالية بلد لا يطيق مسؤول سوري زيارته أو العيش فيه، أو طبعاً توزيع أرصدته على بنوكه. لكن ربما حالة العزلة والنبذ تثير شعوراً بوحدة الحال مع ذلك النظام التعيس. فالطيور على أشكالها تقع.