فيما اتجهت ازمة الرئاستين الاولى والثانية نحو قطيعة طويلة يصعب معها التكهن بالتداعيات الاضافية لهذه الازمة وسط تصاعد الاستعدادات لاستحقاق الانتخابات النيابية في السادس من أيار المقبل، طرأ تطور بارز في مسار هذه الازمة لن يعرف تأثيره المباشر عليها قبل اتضاح ردود الفعل عليه في الساعات المقبلة. ويكتسب هذا التطور أهمية استثنائية من حيث كونه الكلمة الفصل القضائية والقانونية الصادرة عن مرجعية بت الملفات المماثلة والتي سيكون من الصعب بعدما قالت كلمتها وأبدت رأيها في ملف النزاع القانوني حول مرسوم الاقدمية لضباط دورة 1994 ان تبقى الازمة في اطارها السابق، الا اذا استمرت بعوامل الخلاف السياسي وحده.
والواقع ان "النهار" حصلت أمس على النص الكامل لرأي أصدرته هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل في شأن وجوب توقيع وزير المال مرسوم منح ضباط أقدمية للترقية ومدى اعتبار هذا التوقيع معاملة جوهرية واعتبرت فيه "أن الوزير المختص للاشتراك في التوقيع مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء على المرسوم المذكور هو وزير الدفاع، وأي وزير آخر يتبع أحد أو بعض الضباط لإدارته بحيث لا يشترك معهم بالتوقيع وزير المال".
وتبنت الهيئة في رأيها حرفياً ما ورد في قرار مجلس شورى الدولة (مجلس القضايا ) الرقم 22/91-92 تاريخ 16/12/1991 لناحية القوانين المالية واعتبرته جزءاً لا يتجزأ من استشارتها، وينص هذا القرار على إبطال قرار لوزير المال رقمه 394 كان صدر في تاريخ 10/9/1988 "لصدوره عن سلطة غير صالحة" ويتضمن في أحكامه "أنه لا يوجد أي نص في الدستور أو في القوانين والأنظمة المالية والإدارية ما يجعل من وزير المال قيماً ومراقباً على أعمال سائر زملائه الوزراء، ذلك أن المادة 14 القديمة من الدستور، أو المادة 66 فقرتها الثانية من الدستور المعدل عام 1990 جعلت من كل وزير القيم على شؤون وزارته أسوة بسائر الدساتير المعمول بها في الأنظمة البرلمانية في جميع بلدان العالم- المرجع الأول والأعلى في إدارته ولا يشترك معه لممارسة صلاحياته ولجعل قراراته قانونية وأصولية ونافذة وزير المال".
وكانت الهيئة الحاكمة التي أصدرت قرار مجلس شورى الدولة )مجلس القضايا )آنذاك مؤلفة من الرئيس جوزف شاوول ورئيسي الغرفتين عزت الايوبي وأنطوان خير والمستشارين نجلا كنعان وأندره صادر وسهيل بوجي.
واذ يشكل هذا الرأي تطوراً لمصلحة الموقف الذي اتخذه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من هذا الموضوع، فان ذلك لا يعني بطبيعة الحال ان الازمة آيلة الى الحل، علماً أن ثمة عوامل وجوانب أخرى من هذه الازمة برزت على هامش قضية مرسوم الاقدمية للضباط. وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري من طهران التي بدأ زيارته لها أمس إنه تقدم باقتراح "اعتقد أنه مفيد للجميع وللبنان ولا يضرّ أي شخص ولا يعطي غلبة لأحد"، معرباً عن أمله في "أن يُقبل"، متحدثاً عن "صعوبة في حال عدم القبول". ومن المتوقع ان يطلق الرئيس عون اليوم مجموعة مواقف بارزة من الوضعين الداخلي والخارجي في كلمته أمام السلك الديبلوماسي الذي سيستقبله في قصر بعبدا لمناسبة حلول السنة الجديدة.
ولوحظ أمس ان نواباً من حركة "أمل " شنوا هجمات حادة على ما اعتبروه محاولات لضرب الطائف كما على محاولات تعديل قانون الانتخاب. وقال النائب هاني قبيسي "اننا لن نسكت عن تجاوزات ولن نرضى بفرض أمر واقع " وتحدث عن "سعي حقيقي لنسف قانون الانتخاب والتجديد مرة اخرى للمجلس الحالي". كما حذّر النائب علي خريس من ان "الحديث عن تعديلات على قانون الانتخاب قد ينسف العملية الانتخابية بالكامل ولذا ابواب مجلس النواب موصدة أمام أي تعديلات".
الحريري والامارات
وسط هذه الاجواء تحين رئيس الوزراء سعد الحريري فرصة رعايته احتفال وضع حجر الاساس لسفارة دولة الامارات العربية المتحدة في منطقة الرملة البيضاء ليعاود التشديد على التزام سياسة النأي بالنفس وليشدد على العلاقات الوثيقة مع دول الخليج. وقال في هذا السياق "ان دول الخليج لطالما نظرت الى لبنان كبلد ديموقراطي وهي تدعم دائما الشعب اللبناني بغض النظر عن الافرقاء السياسيين، واليوم وضع حجر الاساس لهذه السفارة هو رسالة لكل اللبنانيين بأن دولة الامارات يهمها لبنان والوضع السياسي والاقتصادي والامني فيه، وهي توجه رسالة الى كل اللبنانيين بغض النظر عن الخلافات اللبنانية الحالية، بأنها موجودة لتدعم كل اللبنانيين في البلد". وذكر "باننا اتفقنا في الحكومة، خصوصا بعد عودتي، على النأي بالنفس، وهذا موضوع مهم جداً على الجميع ان يحترمه، وان يقوموا بواجبهم حياله لان ذلك لمصلحة لبنان واستقراره أولاً. وعلينا ان نبتعد عن أي صراعات عربية، ويجب أيضاً ان يكون موقفنا واضحا وصريحا حيال موضوع النأي بالنفس، فنحن دولة عربية وجزء من المنظومة العربية ومع الوحدة العربية، ويجب علينا ان نؤكد النأي بالنفس وان لبنان بلد يستقطب كل العرب، ونريد ان يكون منبراً للحريات وللاقتصاد والسياحة. هذا ما يهمنا، وعلينا ان نحافظ على علاقاتنا الصديقة مع كل الدول العربية".
أما السفير الاماراتي في بيروت حمد سعيد الشامسي فاعتبر ان "وضع حجر الاساس له معان كثيرة، منها ان الامارات مستمرة ببعثتها الديبلوماسية في لبنان ومستمرة بعلاقاتها مع الشعب اللبناني في كل الظروف، وبإذن الله سيكون هذا الصرح أحد معالم بيروت خلال مدة أقصاها 24 شهراً". واعلن ان "موقفنا واضح من لبنان، والسعودية والامارات ودول الخليج المعتدلة تعمل دائما لمصلحة استقرار لبنان وشعبه".
وعن عودة الاماراتيين الى لبنان، قال: "عائدون وبقوة بإذن الله بعد الانتخابات النيابية".
"التيار" و"القوات"
الى ذلك، تواصلت خطوات اعادة العلاقات الطبيعية بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، فعقد أمس اجتماع ضم وزير الاعلام ملحم الرياشي ووزير الخارجية رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل والنائب ابرهيم كنعان، في المقر العام لـ"التيار" بسن الفيل. وصرح الرياشي بان "الزيارة أتت إستكمالا لزيارة معراب، والمواضيع ستستكمل لحماية المصالحة بعيداً الخلافات".
وأوضح ان "الوزير باسيل أكد العلاقة مع القوات وأصر على المشاركة والتوازن، وسيكون هناك متابعة حول الملفات العالقة وعدم تحويل الإختلاف إلى خلاف، ولا يزال الحديث مبكرا عن أي تحالف في الإنتخابات".
وقال إن "سياسة وزراء القوات داخل الحكومة، تتلاءم مع قناعاتها وليست موجهة ضدأحد".
ولفت كنعان الى ان "إتفاق معراب إستراتيجي وليس من أجل مقاعد نيابية، وهذا الإتفاق خلق جواً إيجابياً في الوسط المسيحي، وإرادتنا معالجة الخلافات لن تعيدنا إلى الوراء وسنعالج الثغرات". |