الجمعه ٢٩ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٨, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
صراعات مصرية ... من رباعي إلى رباعي - محمد سيد رصاص
في 23 تموز (يوليو) 1952 تطابق اثنان في الرؤى، الدكتور عبدالرزاق السنهوري أكبر قانوني عربي- مصري في القرن العشرين والبكباشي جمال عبدالناصر قائد تنظيم الضباط الأحرار المستولي على السلطة في القاهرة ذلك اليوم، والذي سيتحول إلى أهم سياسي عرفته مصر والعرب في العصر الحديث.

كان السنهوري رئيساً لمجلس الدولة وهو الذي كتب بعد ثلاثة أيام وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش قبل مغادرة الأخير للأراضي المصرية.

في 23 آب (أغسطس) 1952 عاد سيــد قطب إلى مصر بعد أربــع سنـــوات من بعثة اطلاعية إلى أميركا أرسلته فيها وزارة التربية المصرية. وقد حاول عبدالناصر والضباط استقطابه، حتى أنه كان المدني الوحيد الذي كان يحضر اجتماعات مجلس قيادة الثورة، وهو الذي طلب تبديل كلمة «انقلاب» بـ «ثورة» في وصف ما جرى.

الشخص الرابع البارز مع السنهوري وعبدالناصر وقطب هو الدكتور فؤاد مرسي، حامل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة السوربون وسكرتير الحزب الشيوعي المصري «الراية»، الذي أصدر بياناً في 27 تموز 1952 حمل الكلمات التالية: «قادة حركة الجيش يلعبون دور البورجوازية الكبيرة. وهم دعاة الاحتكارية أعوان الاستعمار. محمد نجيب ديكتاتور العصر ومبعوث العناية الأميركية لتحطيم ثورة الشعب» في موقف مخالف للتنظيم الشيوعي الآخر «الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني- حدتو» التي لم تؤيد فقط حركة الجيش بل كان لبعض ضباطها، مثل يوسف صديق، دور رئيس في الحركة العسكرية التي أطاحت الحكم الملكي وكان لضباطها، مثل خالد محي الدين وأحمد حمروش، دور رئيسي في صياغة الوثيقة البرنامجية للتنظيم: «أهداف الضباط الأحرار». كما كانت «حدتو» هي التي تطبع في مطبعتها السرية منشورات التنظيم العسكري التي كان يتسلمها أرمني مصري عضو في التنظيم ليطبعها من شخص يلبس اللباس المدني اسمه جمال عبد الناصر.
 
الانشقاق
كان سيد قطب أول من غادر مركب الحكم الجديد عندما انضم إلى «جماعة الإخوان المسلمين» في شباط (فبراير) 1953، وهؤلاء كانوا في حالة توتر متصاعد مع الحكام العسكريين، على رغم مشابهتهم لـ «حدتو» في مشاركة ضباطهم بشكل شخصي في تنظيم «الضباط الأحرار»، المؤسس في تموز 1949. ودخلت «حدتو» أيضاً في توتر وصل إلى حدود الصدام مع الحكام العسكريين إثر القمع العنيف لتظاهرات عمال كفر الدوار في أيلول (سبتمبر) 1952 وإعدام العاملين مصطفى خميس ومحمد البقري.

أعطى سيد قطب مؤشراً أولياً على ذلك عندما قال في كلمة ارتجلها في عشاء حضره عبدالناصر: «أنا مستعد للسجن ولما هو أكثر من السجن»، فرد عبدالناصر: «سندافع عنك ونحميك».
أصبح سيد قطب مسؤول الدعوة في تنظيم «الإخوان المسلمين» بدلاً من البهي الخولي الذي وقف مع مجموعة من قياديي الجماعة مع عبدالناصر ضد مرشد الجماعة حسن الهضيبي وحاولوا الإطاحة التنظيمية به وفشلوا، كما أصبح سيد قطب رئيس تحرير مجلة «الإخوان المسلمون»، وهو الذي قاد المفاوضات ممثلاً للجماعة مع الوفديين والشيوعيين لتشكيل جبهة عامي 1953-1954 للضغط على العسكر من أجل العودة إلى الثكنات وإرجاع الحكم المدني الحزبي.

أما السنهوري فوقف عائقاً من خلال موقعه كرئيس لمجلس الدولة أمام الكثير من مراسيم مجلس قيادة الثورة والمراسيم الحكومية. لم يتحمله عبدالناصر الذي دخل في صراع وجودي مع اللواء محمد نجيب الذي استعان بالأحزاب ضد العسكر، وتم تنظيم تظاهرة لآلاف من عمال النقل انطلقت ظهر الإثنين 29 آذار (مارس) 1954 من مبنى تنظيم «هيئة التحرير» نحو مبنى مجلس الدولة وضربوا السنهوري بالأحذية. وبعدها فرضت عليه الإقامة الجبرية ومنع السفر ولم يسمح له سوى بسفر مشروط بالعودة إلى الكويت من أجل المساعدة في وضع دستورها أوائل الستينات.

شملت حملة الاعتقالات ضد تنظيم «الإخوان» عقب محاولة اغتيال عبدالناصر في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1954، سيد قطب الذي أمضى في السجن عشر سنوات وأفرج عنه في أيار (مايو) 1964. وفي السجن أنجز كتابه: «معالم في الطريق» الذي نشر بعد ستة أشهر من إطلاقه، وتحول إلى مرجع لإسلاميين كثيرين. وسيطر التنظيم القطبي الذي شكله سيد قطب عام 1965، وبسببه اعتقل ثانية وأُعدم عام 1966، على تنظيم الإخوان في مصر.
 
ثنائية جديدة
بعد انتخاب محمد بديع مرشداً للجماعة في 2009، تكررت ثنائية 1954 بين الهضيبي وعبدالناصر وثنائية 1965 بين سيد قطب وعبدالناصر، بين محمد بديع وواجهته محمد مرسي، والجنرال عبدالفتاح السيسي حتى يوم 3 تموز 2013.

حاول حسن الهضيبي الذي سجن بسبب سيد قطب عام 1965، على عكس معادلة اعتقالات 1954 حين كان الهضيبي بمواجهة عبدالناصر بينما الأرجح الهضيبي لم يكن موافقاً أو متردداً تجاه تنظيم 1965، أن يرد فكرياً على كتاب سيد قطب من خلال كتابه «دعاة لا قضاة» المكتوب في السجن عام 1969. ولكن انتصر سيد قطب على الهضيبي عند الإسلاميين من خلال نموذج محمد بديع. والآن يواجه محمود عزت، بعد انشقاق شباط (فبراير) 2014 بقيادة عضو مكتب إرشاد جماعة «الإخوان المسلمين» الدكتور محمد كمال (قتل في تشرين الأول 2016) وتأسيسه لحركة «حسم» التي تتبنى العمل المسلح، نموذجاً يجعل القطبي محمود عزت (الذي يتولى بعد سجن محمد بديع القيادة) يبدو في زاوية المعتدل. ولا يمكن تفسير هذا من دون يوم 3 تموز 2013. كما أن اعتقالات 1954 تفسر كتاب «معالم في الطريق».

لم يكن هذا مصير الدكتور فؤاد مرسي: كانت صفقة الأسلحة التشيخية واستدارة عبدالناصر عام 1955 نحو السوفيات ضاغطة على تنظيم «الراية» بقيادة مرسي لينتهج الاعتدال حيال عبدالناصر. وشارك تنظيم «الراية» و «حدتو» في المقاومة ضد الإنكليز ببورسعيد في حرب 1956. واتحدا في حزيران (يونيو) 1957 فظهر ذلك انتصاراً لوجهة نظر «حدتو». في 8 كانون الثاني (يناير) 1958 اتحد الحزب الشيوعي المصري (المتحد) مع حزب العمال والفلاحين (أحمد صادق سعد- ريمون دويك). وفي أيلول (سبتمبر) 1958، مع توتر علاقات عبدالناصر مع عبدالكريم قاسم في العراق وكذلك مع الشيوعيين مما انعكس توتراً مع خروتشوف في موسكو وخالد بكداش في دمشق، مالت الموازين من جديد بين الشيوعيين المصريين لمصلحة رأي فؤاد مرسي. وهذا ما أدى إلى اعتقالات رأس سنة 1959 للشيوعيين المصريين والسوريين. وكان مرسي من أول المعتقلين ومن الذين عذبوا بقسوة.

خرج فؤاد مرسي من السجن بمناسبة زيارة خروتشوف لمصر في أيار 1964. وقد اشترط الرئيس العراقي عبدالسلام عارف لحضور احتفالات افتتاح السد العالي الإفراج عن سيد قطب الذي كان كتابه «في ظلال القرآن» رفيق عارف في السجن.

خرج الشيوعيون والإخوان المسلمون من المعتقل معاً في أيار 1964. ذهب قطب نحو الصدام مع عبدالناصر ثم إلى المشنقة، فيما حلّ الشيوعيون المصريون الحزب وانضموا إلى تنظيم الاتحاد الاشتراكي وأصبح فؤاد مرسي عضواً في إدارة البنك المركزي ثم وزيراً في حكومة الدكتور عزيز صدقي عام 1972. والواقع أن عبدالناصر كان معجباً خفياً بمستوى كتابات مرسي في صحيفتَي «الأهرام» و «المساء»، وهو الذي لاحظ وجزم بأنه هو الكاتب الذي كان يكتب في الجريدة السرية «راية الشعب» بالاسم الحركي «خالد».

كان فؤاد مرسي، هو وعضو حزبه الدكتور سمير أمين، اقتصادياً من مستوى عالمي، ومن القادة الشيوعيين القلائل الذين جمعوا في شخصهم البناية بطوابقها الثلاثة: الفكر، السياسة، التنظيم.
في مصر ما بعد 3 تموز 2013 تستمر صراعات الأربعة: العسكري- الليبرالي- الإسلامي- الشيوعي، ولكن دون مستوى أولئك الأربعة: جمال عبدالناصر، عبدالرزاق السنهوري، سيد قطب، فؤاد مرسي الذين كانوا أبرز من أنجبتهم مصر في القرن العشرين.
 
 
* كاتب سوري


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة