الجمعه ٣ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيلول ٦, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
عن حدود التسييس وتجاوزها - سامر فرنجية
ليس ضرورياً لحركة شبابية احتجاجية، كحركة #طلعت - ريحتكم، أن يكون لها برنامج سياسي يقدم خطة عمل مفصّلة وبديلاً فعلياً وعملياً لواقع بات مأزوماً. فمطالبة وزير بالاستقالة أو حكومة بحلّ أزمة بيئية، هي في حدّ ذاتها مطالبة سياسية بامتياز، وكافية لتحرّك لم يدّعِ أصلاً تقديم بديل عن «النظام». بيد أنّ البعض يصرّ على مطالبة التحرّك بتوضيح موقفه السياسي، وتحديد موقعه من الاصطفافات الحالية، والإعلان عن برنامج سياسي، وهذا إما بتخوين التحرّك أو تحذيره أو محاولة فرض عناوين سياسية عليه.

والإصرار هذا مستغرب، وقد يعود إلى عقلية «مركزية» في فهم السياسة، إضافة إلى بعض المحاولات غير البريئة لاستمالة التحرّك نحو أحد الطرفين المتصارعين. فعلى رغم نجاح التحرّك بعدم الانزلاق إلى أحد الخندقين، مهما هوّل البعض، وفعاليته «غير المباشرة» في السياسة اللبنانية، في دفع السياسيين نحو طاولات حوار وتسويات، مثلاً، يعود البعض ويؤكد أنه حان الوقت الآن للتنظيم والتنسيق والبرامج والبيانات والجبهات الإنقاذية.

قد يكون من الضروري بعض التنسيق والتنظيم للتحرّك، على مستوى المواكبة القانونية أو في ما يخصّ تنظيم التحرّكات الشعبية، مثلاً، بيد أنّ كل ما يتعدى مسألة التنسيق التقني ينطوي على أخطار لها علاقة بطبيعة الواقع الراهن.

يواجه التحرّك عقبتين في السياسة، يمكن تجاهلهما في الوقت الراهن أو تفادي التعاطي المباشر معهما، لكنّهما سيفرضان نفسيهما عليه إذا قرر خوض معارك سياسية كخيار بديل أو ثالث.

العقبة الأولى مسألة حزب الله وسلاحه وحروبه السورية. فإذا كان من الممكن لتحرّك أن يتجاهل مسألة كهذه في بداياته، فلا مهرب من أن يعود ويصطدم بها، بخاصة إذا قرر الدخول في السياسة اللبنانية بوصفه طرفاً. لقد باتت هذه المسألة العقبة الأساس في السياسة اللبنانية، والإشكالية الراهنة الأساس أمام أي إعادة اعتبار لـ «النظام»، أكانت إسقاطاً أو إصلاحاً. هناك من لا يزال متمسّكاً بمقولة الإصلاح تحت غطاء حزب الله، غير أنّ خياراً كهذا بات مستحيلاً اليوم، بعد البراميل والتسليح والحروب. وقد لا يكون من الذكاء السياسي وضع مسألة السلاح في واجهة كل تحرّك، غير أنّه أيضاً من السذاجة اعتبار أنّها غير موجودة لمجرّد سحب «الصورة».

أما العقبة الثانية، والمرتبطة بالأولى، فهي توترات الوضع الراهن وانقساماته الطائفية والمذهبية. فالتحرّك هو نتيجة توازن رعب بارد، وإن كان هشّاً، سمح له بالبروز وأمّن له شرط الوجود. وأي انتكاسة لهذا التوازن، إمّا من خلال سيطرة طرف على الآخر أو من خلال عودة التوترات الطائفية أو عبر حرب مفتوحة، كفيلة بالقضاء على التحرّك. هناك ناس «علّقت» عضويتها في إحدى المجموعتين لكي تبحث عن مساحة مشتركة، بيد أنّ هذا التعليق لا يزال هشّاً أيضاً، وقد لا يحتمل عودة التشنّج الطائفي وعصبياته. هذا ليس للقول أنّ على التحرّك أن يأخذ على عاتقه الحفاظ على التوازن السياسي، بل الانتباه إلى أنه خارج ساحات الفرح، لا يزال هناك حزن طائفي، قد ينقضّ على التحرّك في أية لحظة.

وبالتالي، إذا كان لا بد من تسييس فمن خلال التفات التحرّك إلى شروط وجوده، والتي هي ممثلة بالدولة وبحدّ أدنى من السلم الأهلي. والمفارقة قد تكون أنّ هذا التحرّك ربما غدا آخر مكوّن في المجتمع اللبناني ما زال يعتبر الدولة هدفاً يستحق المخاطرة من أجله، وإن من خلال أضعف مؤسساتها. خارج هذا الهدف الذي يمكن اقتحامه، نعود أفراداً في صراع طائفي لا مكان لنا فيه. فالتسييس، إذا أصرّ البعض عليه، يبدأ من هنا، من خلال البحث عن طرق ربط المسألة الاجتماعية بالمسألة السياسية والسيادية والميثاقية. وهذه قد لا تكون اليوم أوليّة أو مسؤولية التحرّك، لكنّها سؤال بات يلوح في الأفق.

وانطلاقاً من هاتين النقطتين، فإن تنظيم أو تسييس التحرّك يحتاج إلى التعاطي مع تلك العقبات، وليس الهروب منها من خلال طرح بديل لواقع قد لا ينتظر الزمن المطلوب للتراكم التنظيمي. أو على الأقل، قد يكون من المفيد التفكير في نوع من التراكم غير المركزي، الذي يؤمن بعضاً من المرونة في وجه وضع سياسي صلب وهشّ في آن.

وهنا قد لا يكون الجواب في تنظيرات تسقط على الحراك، بل في أخرى نابعة من طبيعة الحراك نفسه، هذا إذا قبلنا النظر إليه من خارج الاصطفافات المعهودة. فالتحرّك ليس محصوراً بالنفايات، وإن كانت النفايات شعاره. فهو تحرك مطلبي وصراع أجيال وصرخة أخلاقية ونضال نقابي وتفجير لتوازنات صغيرة وصراعات جانبية ومحاولات تجديد وأزمة ثقافية، وقد باتت كلها ترتبط بطبيعة الحكم في لبنان. هذا التعدّد ليس مصدر ضعف، بل قد يكون مصدر القوة الأساسي الذي يجب البناء عليه. فطاقة اعتراضية كهذه قد يستحيل تنسيقها ومتابعتها، لكنْ يجب الاستفادة منها من خلال توسيع موجة الاحتجاجات لكي تؤمن شبكة حماية للحراك، كفيلة باستيعاب ردة الفعل المحافظة التي باتت متوقعة في أي لحظة.

قد لا نكون في بداية طريق طويلة وشاقة، لأنّه ليس هنا من طريق. نحن في لحظة نادرة ثُلم فيها حدّ النظام، وسيعود بعنف محافظ بعد بضعة أسابيع. فإما أن تُفتح الآن جبهات مطلبيّة متعدّدة، وإما أن نجد أنفسنا في وجه منظومة حكم ثأرية، وليس لدينا إلا ملف واحد للمناورة به.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة