الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
تشرين الأول ٢, ٢٠١٨
المصدر:
جريدة الحياة
الشعبوية القومية حصيلة ترهّل النظام الديموقراطي والأزمات العالمية: السويد مثالاً - عبدالباسط سيدا
لم تسفر الانتخابات البرلمانية السويدية، كما كان متوقعاً التي أجريت في الآونة الأخيرة عن أغلبية قادرة على تشكيل الحكومة الجديدة.
فقد حصل التحالف الأحمر - الأخضر الذي يضم أحزاب الاشتراكي الديموقراطي والبيئة واليسار على النسبة الأعلى من الأصوات: 40.7 في المئة، ولكنها نسبة لا تمكّن من تشكيل الحكومة. كما حصل تحالف الأحزاب البرجوازية الذي يضم أحزاب المحافظين والديموقراطي المسيحي والليبرالي والوسط، على نسبة مماثلة تقريباً، فالفارق بينهما لا يتجاوز الأجزاء الطفيفة.
هذا في حين أن حزب ديموقراطيي السويد اليميني المتطرف حصل على 17.5 في المئة، وهي نسبة مرتفعة، ولكنها أقل من تلك التي كانت متوقعة، وربما كانت تصريحات زعيم الحزب جيمي أوكيسون العلنية، المعادية للمهاجرين، وحتى للسويديين من ذوي الخلفيات الأجنبية، قد ساهمت في لجم تقدم هذا الحزب بعض الشيء. ومن بين ما ذهب إليه في هذا المجال أن الأجانب لا يصلحون في المجتمع السويدي، وعلينا أن نساعدهم في العودة إلى بلدانهم، ليعيشوا النمط الحياتي الذي يناسبهم، ولا يناسب المجتمع السويدي.
فالآتي إلى السويد عليه، حسب أوكيسون، أن يندمج مع المجتمع السويدي «بالشروط السويدية». ينبغي عليه تبني قيم المجتمع السويدي، والالتزام بقوانينه، وقواعده غير المكتوبة.
وعلى رغم أن الحزب الاشتراكي الديموقراطي يعد الأب الروحي لنظام الرفاه الذي بات النمط المعيشي الرسمي للمجتمعات الاسكندينافية، إلا أنه قد مُني بنكسة كبيرة هذه المرة، تمثلت في أسوأ نتيجة انتخابية منذ عام 1911. وربما مردّ ذلك إلى الترهل، وعدم اتخاذ خطوات تجديدية ترتقي إلى مستوى تحديات قضايا المجتمع السويدي. ولكن، مع ذلك يبقى هذا الحزب الأكثر شعبية بين قطاعات واسعة من الشعب السويدي، لا سيما بين أصحاب الدخل المحدود والأجانب.
واللافت في هذه الانتخابات تراجع حزب المحافظين أيضاً، وكان ذلك لمصلحة حزب ديموقراطيي السويد، وهذا مؤشر يُستشف منه تصاعد النزوع القوموي اليميني المتطرف.
لكن الذي يستوقف من جانب آخر، هو تصاعد شعبية حزب اليسار، الذي يعتبره الكثير من السويديين من الأحزاب المتطرفة أيضاً، ولكن في الاتجاه الآخر.
وما يُستنتج من هذا أن الناس يبحثون عن البرامج الملموسة الواضحة غير المعقدة. أما البرامج العامة التبشيرية، فهي لم تعد قادرة على إزالة هواجس الناس، أو كسب تأييدهم. فكما أن حزب ديموقراطيي السويد يطالب صراحة بخروج السويد من الاتحاد الأوروبي، ويطالب علانية بإعادة اللاجئين والأجانب إلى بلدانهم، ويدعو إلى اتخاذ أقصى العقوبات بحق من يرتكب جرائم منهم، بما في ذلك إلغاء إقاماتهم، وحتى جنسياتهم إن أمكن، وطردهم من السويد. فإن حزب اليسار هو الآخر يطالب بشدة برفع الضرائب، ومساعدة الفقراء المحتاجين من العاطلين من العمل والمتقاعدين وسكان المناطق المهمشة، ويدعو إلى إلغاء الخصخصة في التعليم والطب، ويشدّد على ضرورة تأمين السكن اللائق لجميع الناس.
لكن النتيجة الانتخابية المتوقعة، كما أسلفنا، قد أصابت السويديين بالإحباط. فعملية تشكيل الحكومة الجديدة ستكون في غاية الصعوبة، بل إن بعضهم يعتبرها مستحيلة. فالتحالف البرجوازي لا يمتلك الأغلبية، وهو يحتاج إلى دعم الحزب الديموقراطي الاشتراكي وحلفائه، لكن هذا الاحتمال مستبعد حالياً.
أما الاحتمال الآخر، فهو أن يحصل على دعم من ديموقراطيي السويد، الأمر الذي ربما أدى إلى تصدعات ضمن التحالف المعني، أو ضمن حزب المحافظين نفسه.
هل ستتوجه السويد إلى إعادة إجراء الانتخابات بعد الإخفاق في تشكيل الحكومة ضمن المدة القانونية؟ وكيف ستكون النتائج المتوقعة؟
ما هو الحل؟ توجهت بهذا السؤال إلى صديق سويدي خبير في هذا المجال، فوجدته محبطاً، كأن الأبواب جميعها باتت موصدة، حتى أنه قال:
الذي يستطيع إيجاد حل لهذا المأزق الذي أصبحنا فيه، يستحق الحصول على جائرة نوبل.
الأزمة التي يعيشها النظام الديموقراطي في السويد ليست الوحيدة في أوروبا الغربية، ولن تكون الأخيرة، وهي أزمة تستوجب العمل في اتجاهين:
الأول، يخص القواعد والضوابط والآليات التي يقوم عليها النظام الديموقراطي السويدي، لا سيما في جانبه الانتخابي. فهناك الكثير من الأحزاب المناطقية التي لا يُسمح لها بالوصول إلى البرلمان، باعتبارها لا تستطيع الحصول على نسبة 4 في المئةمن أصوات الناخبين على المستوى الوطني، وهي نسبة مطلوبة لدخول أي حزب إلى البرلمان.
كما أن التواصل مع الناخبين في الريف السويدي مسألة في غاية الأهمية. لأن تركيز الجهود على المدن الكبرى، يفسح المجال أمام القوى الشعبوية لترسيخ قواعدها في الريف عبر دغدغة عواطف الناس هناك، واستغلال تذمرهم من إهمال بعض مطالبهم المعيشية.
كما أن نظام التحالفات، وحتى الأحزاب يستوجب إعادة النظر فيه، وذلك لجذب المزيد من الشباب إلى العمل السياسي. وقد دعا ستيفان لوفين رئيس الحزب الديموقراطي الاشتراكي في هذا المجال إلى دفن سياسات التحالفات المبنية على أسس أيديولوجية.
أما المنحى الآخر فيستدعي إعادة النظر في سياسة الهجرة والاندماج، وتوفير الوظائف والسكن للشباب، ومعالجة هذه القضايا ضمن إطار وطني عام، يتجاوز حدود المنافسة الحزبية التقليدية.
وفي هذا المجال، هناك حاجة ملحة إلى حوارات معمقة بين الأكاديميين والمثقفين والنخب الاجتماعية من مختلف الخلفيات الدينية والقومية ضمن المجتمع السويدي، بخاصة بين المسلمين منهم والسويديين من أبناء البلد.
فالإسلام اليوم هو الدين الثاني في السويد من جهة الحجم. كما أن اللغة العربية باتت اللغة الثانية من جهة عدد الناطقين بها. وهذا الواقع يفرض تحديات، ومعالجة حكيمة تميّز بها السويديون عادة.
غير أن مناخ الشعبوية السائد في العالم عموماً، يؤثر في السويد نفسها، وهي شعبوية لا تتمثل في حزب ديموقراطيي السويد وحده، بل هناك مجموعات أشد تطرفاً، حتى أن بعضها لا يخفي توجهاته النازية.
وفي المقابل هناك توجهات متطرفة ضمن الجالية المسلمة، تدعو إلى «الجهاد في أرض الكفار». وهذا الأمر يستدعي على الصعيد الأوروبي مجدداً مساعدة الشعوب في البلدان الطاردة أبناؤها، لتتمكن من بناء أنظمة ديموقراطية مستقرة تعزز الأمل لدى الناس بمستقبل أفضل.
غير أن الصورة في جميع الأحول ليست سوداوية بالمطلق. فالحزب اليميني المتطرف لم يحصل على النسبة التي كان يتطلع إليها. والسويديون بنسبتهم الغالبة على دراية كاملة بأن أفكار هذا الحزب تسمم الأجواء، وتدفع بالبلاد نحو متاهات مجهولة تنذر بالكثير من الأخطار. وهناك توجه حقيقي لإيجاد مخرج معقول مقبول، يحافظ على النظام الديموقراطي الذي يظل، على رغم كل السلبيات، أفضل من النظام الديكتاتوري، بل لا مجال للمقارنة بينهما في أي شكل من الأشكال.
* كاتب وسياسي سوري
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة