الأثنين ٢٥ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
أيلول ٢٥, ٢٠١٨
المصدر:
جريدة الحياة
مرفأ طرابلس، بل مرافئ لبنان، بعد القرار السوري الجديد - جهاد الزين
أرسلت الحكومة السورية "رسالة" سلبية صريحة إلى المرافئ اللبنانية تستحق التسجيل والمتابعة لما لها من أهمية سياسية اقتصادية تضيف إلى ملف الترانزيت اللبناني عبر سوريا وتحديدا معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية ملفا جديدا في غاية الأهمية لدور موانئ لبنان الاقتصادية ولا سيما مع بدء تنشيط مرفأ طرابلس.
فقد أصدرت وزارة النقل السورية قرارا من شأنه تصعيب مهمة الشحن البري من لبنان والعالم العربي والعالم إلى سوريا عبر "رفع رسوم عبور الترانزيت البري لشاحنات النقل السورية والعربية والأجنبية المحملة والفارغة عند عبور الأراضي السورية مع الحفاظ على قيمة رسوم المنافذ البحرية". وبحسب ما نقلته وكالة سانا السورية الرسمية قبل بضعة أيام (التاسع عشر من هذا الشهر) "يتم احتساب الرسوم وفقا للمعادلة التالية: / وزن السيارة القائم أو الفارغ ضرب المسافة المقطوعة داخل الاراضي السورية ضرب 10 بالمئة يساوي قيمة الرسم بالدولار/ وذلك بعد أن كانت النسبة 2 بالمئة".
وقالت سانا أن "القرار يأتي بحسب الوزارة بهدف تشجيع النقل البحري وإعطاء المرافئ السورية قوة ومكانة لتصبح واجهة الترانزيت القادم من دول خارجية وتحقيق المنافسة مع الموانئ المجاورة إضافة إلى ميزات إضافية وكذلك المعاملة بالمثل للسيارات العربية والأجنبية والسائقين من حيث الرسوم والتأشيرات". كذلك "تضمن القرار فرض بدل مالي على الحمولات والأبعاد المخالفة للتعليمات الصادرة عن الوزارة والحمولات الشاذة يبدأ من 30 دولارا ويصل إلى 300 دولار".
إذاً بوضوح وفي مرحلة التمهيد لبدء مرحلة إعادة الإعمار تعلن الحكومة السورية استراتيجية تفضيل للموانئ البحرية السورية. وهذا طبيعي. لكن تعقيد العلاقات اللبنانية السورية على المستوى السياسي يضع المسألة، من حيث التوقيت، على مستوى مهم إن لم يكن استراتيجيا بالنسبة لمستقبل دور الموانئ البحرية اللبنانية وتحديدا بيروت وطرابلس، وخصوصا مرفأ طرابلس الذي لم ينطلق دوره الحيوي بعد باعتباره المرشح لفعالية كبيرة كواسطة عبور إلى الشمال والوسط الغربي السوريين.
لا يفيد القول أن الحكومة السورية تعاقب خصوصا مرفأ مدينة مثل طرابلس لأسباب معقدة، لأنه حتى لو كان هذا صحيحا فإن الحكومة اللبنانية كانت أول وأكبر من عاقب الترانزيت اللبناني عبر إصرارها على عدم فتح علاقات دولتية مصالحية مع الدولة السورية تراعي مصالح الطرفين، عبر مفاوضات مباشرة لا مكان فيها للمواقف المسبقة.
هكذا مع الزيادة الجديدة السورية على كلفة الشحن البري إلى سوريا تصبح المصالح اللبنانية الحيوية مطوّقة من الشرق والشمال. الشرق من ناحية معبر نصيب إلى الأردن والخليج والعراق ومن الشمال من حيث معابر إلى الداخل السوري وتركيا... والعالم.
ربما تسير عملية التحضير لإعمار سوريا ببطء، لكن هناك معطيات كبيرة على حركة استثمارية وإعمارية آتية. بحسب تقرير في نشرة "جورجتاون لمراجعة الدراسات الأمنية" بتاريخ العاشر من شهر أيلول الجاري، تعهدت الصين بتخصيص موازنة 23 مليار دولار على مدى سنوات المرحلة المقبلة بدأت بضخها تدريجيا وبطريقة غير مباشرة كقروض ومساعدات إلى سوريا لمشاريع إعادة الإعمار عبر "منتدى الصين والدول العربية للتعاون" (CASCF). تأتي هذه المعلومة في التقرير في سياق حديثه عن زيادة الالتزامات السياسية والاقتصادية للصين في سوريا وتضاؤل تحفظاتها التقليدية عن الظهور في الواجهة.
يقع الميكرو البيروتي والطرابلسي أيضا على لوحة الماكرو الصيني إذا أخذنا بعين الاعتبار مجمل مسار "طريق الحرير" الجديد المزدوج بريا وبحريا والذي تشكل سوريا إحدى محطاته الكثيرة في العالم. ولا أريد أن أجازف هنا بالربط بين وصول سفينة النقل الصينية الضخمة قبل فترة إلى مرفأ طرابلس ومسارعة الحكومة السورية لإصدار قرار رفع الرسوم على النقل البري المفترض أن ينطلق من المرافئ اللبنانية وخصوصا طرابلس إلى الداخل السوري عبر البر.
مدهش ومثير كم يتوقف دور بل أدوار الترانزيت والخدمات اللبناني على المعابر السورية وعلى المساحة الديموغرافية السورية. مع ذلك لا يزال هناك تردد في التفاوض الطبيعي بين دولتي لبنان وسوريا بل رفض لذلك من وجهة نظر بعض الفئات السياسية اللبنانية.
دعونا نعدِّد ماهو معروف:
مطار القليعات، الوكالات التجارية، طريق الخليج والعراق، التوسع المصرفي، ناهيك عن الطاقة البشرية الخبيرة...ووو... مرفأ طرابلس الذي يمكن أن يتحول إلى منطلق إنماء شامل للشمال والبقاع الشمالي اللبناني.
أفقدت الفئوية السياسية جزءا من بُعد نظر البورجوازية اللبنانية الخدماتية وشلّتها عن التفكير الاستراتيجي الذي تحلّى به الجيل السابق منها في الخمسينات حتى وهو يستوعب نزوع خالد العظم الانكفائي يومها.
قرار رفع الرسوم السورية على الشحن البري هو بند تفاوضي رئيسي للبنان في المرحلة المقبلة. والجغرافيا السياسية، يجب أن يصدّق اللبنانيون، تجعل على هذا الصعيد لا فارق بين الدمشقي خالد العظم واللاذقاني بشار الأسد.
أوقِفوا الدلع السياسي في لبنان. لا نريد أن نكون رهينة سياسية للنظام في سوريا ولكن علينا أن "نعترف" به. كلمة اعتراف نفسها نكتة قياسا بميزان القوى السياسي والاقتصادي ووقائعه الاقتصادية. من يعثر على كلمة مناسبة لنوع الموقف المطلوب من الدولة اللبنانية ليخبرني بها.
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة