أعلن رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري انتقال تحالف «14 آذار» الى «المعارضة» وفق ثلاث مرتكزات حدّدها بـ «التزام الدستور، التزام المحكمة الخاصة بلبنان، والتزام حماية الحياة العامة والخاصة في لبنان من غلبة السلاح (حزب الله)»، ضارباً موعداً للعودة «الى طريق الثوابت الأساسية التي رسمها الشعب اللبناني من كل الطوائف والفئات في 14 آذار 2005، الى طريق الحرية في 14 آذار المقبل حيث سنجتمع مرة جديدة، لنقول لا لتسليم القرار الوطني وتزوير ارادة الناخبين وخيانة العيش المشترك، ولا للوصاية الداخلية المسلحة، لا لتغيير نظام حياتنا، وان حلمنا لا يموت، ولا للفساد والسرقة ولا للخوف ومليون لا للقهر والظلم والجريمة».
واختار الحريري في اول إطلالة له بعد إقصائه عن رئاسة الوزراء، الذكرى السادسة لاغتيال والده رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري التي أحيتها 14 آذار، امس في «البيال»، لتوجيه مجموعة رسائل بالغة الدلالات «لمَن يعنيهم الامر» سواء الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، او «حزب الله» او رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط اضافة الى سورية، راسماً مع سائر خطباء الاحتفال ملامح المرحلة السياسية الجديدة في لبنان ببرنامج عملها و«عُدّتها».
«مفصليّة» كانت الذكرى السادسة لاغتيال الحريري التي تم إحياؤها للمرّة الاولى خارج إطار المهرجان الجماهيري المعتاد في «ساحة الشهداء» وللمرة الاولى فيما 14 آذار خارج السلطة، فالحريري قدّم أكثر خطبه وضوحاً وتشدُّداً في التمسّك بالمحكمة الدولية ورفض السلاح الموجّه الى صدور اللبنانيين مكملاً مع الكلمات التي ألقاها كلّ من الرئيس امين الجميّل ورئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» سمير جعجع والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون (أطلّ للمرة الاولى خطيباً في مناسبة لـ «14 آذار» هو الشيعي الخارج من صفوف حركة امل بزعامة الرئيس نبيه بري) الخريطة السياسية لقوى «ثورة الارز» في مواجهة التغيرات الكبرى التي شهدتها البلاد منذ إقصاء الحريري في 25 يناير الماضي.
وبكلمة رئيس حكومة تصريف الأعمال، بدت «14 آذار» كأنها تكيّفت مع المرحلة الجديدة واستوعبت «الضربة» وانتقلت الى «الهجوم المضاد»، اذ قال زعيم «تيار المستقبل» امام نحو 8 آلاف مدعو شاركوا في الذكرى: «هذا أنا اليوم أمامكم ومعكم أعود إلى الجذور وما أحلى العودة إلى الجذور. ودماء شهدائنا ليست ملكاً لاحد، فلا اولياء دم عندنا، ودماء رفيق الحريري وعشرات الشهداء ليست ملكاً لأحد، بل هي امانة لبنان الوطن ومسؤولية اللبنانيين الذين نزلوا الى ساحات الحرية بعد 14 فبراير 2005، يطالبون بالحقيقة والعدالة ونحن منهم ولا يزالون متمسكين بالحقيقة والعدالة وبالمحكمة الدولية».
اضاف: «هذه المحكمة ليست اميركية ولا فرنسية ولا اسرائيلية ولا تستهدف فريقاً او طائفة، بل هي تمثل أعلى درجات العدالة، وستُنزل القصاص فقط بالقتلة الارهابيين وستوجّه الاتهام الى افراد ولن تلقيها جزافاً عليهم، بل ستستند الى الادلة والبراهين، وعندها اذا اراد احد ان يضع نفسه في خانة المتهَمين فهذا خياره، اما نحن فسندعم المحكمة وقرارها وحكمها ولن نقول يوماً ان التهمة موجهة الى طائفة او حزب اوفئة».
تابع: «هناك من يريد ان يضع كلامي في مواجهة طائفة، فنحن لم ولن نكون في معرض مواجهة مع الطائفة الشيعية او اي طائفة في لبنان (...) إن الطائفة الشيعية العربية هي مدماك اساسي في لبنان، وجميع اللبنانيين هم شركاء في بناء الدولة ومواجهة العدو الاسرائيلي وأي اتهام لطائفة هو اتهام لكامل اللبنانين».
واذ ذكّر بالمرات التي «مددنا فيها يدنا بصدق»، قال: «في كل مرة قوبلنا بالخديعة وباتهامنا بالضعف، وحتى بعد تشكيل الحكومة تحملنا ما لا يحتمل من تعطيل وإعاقة وتشويه للحقائق»، مضيفاً: «حتى عندما وافقنا على معادلة الجيش الشعب والمقاومة، فلأننا نعتبر أن الدولة حاضنة للجميع والجيش مكون من أبناء الشعب وأن المقاومة في خدمة لبنان وليس لبنان خاضعا بجيشه وشعبه ودستوره لخدمة السلاح بحجة المقاومة».
وفي حين شدد على ان «السلاح الموجه الى اللبنانيين هو سلاح فتنة والفتنة لا تخدم الا اسرائيل»، قال: «لا يستطيع احد ان يدفن رأسه بالرمال والقول ان السلاح قضية غير موجودة، فالحقيقة عكس ذلك والسنوات الست الماضية أثبتت ان السلاح موجود وهو مسألة خلافية بين اللبنانيين، وهي قضية على طاولة الحوار، وإنما ما يتصل باستخدام هذا السلاح ووضعه على طاولة الشراكة الوطنية، فقوى 14 آذار تتبنى البيان الصادر عن دار الافتاء وخصوصاً في ذكره الاطماع والتجاوزات والغلبة لاخضاع الاخرين بالسلاح، وهذه المسألة ستبقى في سلم اولويتنا الوطنية ولن نسلم أبداً ببقاء هذا السلاح وهذا اول الكلام وليس آخره».
واوضح انه زار سورية خمس مرات «بصفتي رئيساً للحكومة وابن الشهيد رفيق الحريري، وكل ما اردته مصلحة لبنان العليا مع دولة جارة، وفي كل مرة ذهبت مرفوع الرأس»، وقال: «كانت سورية في تلك الفترة جزءًا من «السين ـ سين»، أي المبادرة التي قام بها الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز لحفظ استقرار لبنان»، كاشفاً للمرة الاولى ان «هذه المبادرة قائمة على أساس اننا مستعدون للمشاركة في مؤتمر مصالحة وطنية يتصالح فيه كل اللبنانيين ويتسامح فيه كل اللبنانيين، مؤتمر يعقد في الرياض برعاية الملك السعودي وبحضور الرئيس اللبناني والرئيس السوري وعدد من الرؤساء العرب وقادتهم وبحضور الجامعة العربية يؤدي إلى مسامحة شاملة لكل الماضي، مصالحة الجميع دون استثناء وتسامُح الجميع عن كل الماضي دون استثناء وتصبح بعدها تداعيات القرار الاتهامي مسؤولية وطنية وعربية جامعة، وهذا هو أساس الـ«س.س» الذي كان في تفاصيله إعلاء مصلحة الدولة على أراضيها وازالة كل البؤر المسلحة على جميع الاراضي اللبنانية».
اضاف: «أخطأنا نعم وفاوضنا، وإذ بنا مرة جديدة نقابَل بمنطق يريدنا ان نستسلم، فهم يعتبرون انهم اكبر من لبنان وجوابنا اننا من مدرسة ما «حدا اكبر من بلده»، وهم انهوا «السين - سين»، لانهم لا يريدون المصالحة الشاملة وانا اقول امامكم لا عودة لـ«السين - سين».
واذ نفى ان يكون وقّع على إنهاء علاقة لبنان بالمحكمة الدولية، قال: «اعتقدوا اننا سنتنازل عن كل شيء مقابل البقاء في السلطة، وأقول لهم مبروك عليهم الاكثرية المخطوفة بقوة السلاح، والاكثرية المسروقة من ارادة اللبنانيين».
وفي رسالة بالغة التعبير وجّهها الى ميقاتي من دون تسميته، قال الحريري: «لا بد من كلمة حول الوسطية، وهي كما نفهما الاعتدال بمواجهة التطرف، والوسطية هي قرار وليس غياب القرار، ولا وسطية بين الجريمة والعدالة، ولا وسطية بين عروبة لبنان وبين محور اقليمي لا علاقة له بالعروبة، والاهم لا وسطية بين الصدق والخديعة وبين العهد المقطوع والخيانة. وأتوجه لمن يعتقدون أنهم تمكنوا مني بغدرهم، بالشكر العميق لأنهم حرروني من عبء السطة وسمحوا لي بالعودة إلى جذوري، إليكم ومعكم». وحرص على الاشارة الى ان طريق الحرية «الذي بدأناه في 14 آذار 2005 هو الطريق نفسه الذي سار فيه الشعب المصري ليستعيد الأمل وكلمته وإرادته فكان قراره الحرية والديموقراطية فانتصر وانتصرت مصر عربية عربية عربية».
وكان الرئيس امين الجميّل تحدّث عن اكثرية جديدة «مبيّضة» على طريقة «تبييض الاموال» وتم «تبييضها عبر البزات السود»، في اشارة الى «حزب الله»، في حين أكّد جعجع «اننا لن ندع الانقلاب الأسود، الذي قام به ذوو القمصان السود، والذي أفرز أكثرية وهمية سوداء، ينال من عزيمتنا»، مشيراً الى انه « إذا كانت ممارسات سلطة الوصاية الأولى أدت الى ثورة أرز، فمجرد بزوغ ملامح سلطة وصاية ثانية، سيؤدي الى ثَورات أرز لا نهاية لها، حتى اقتلاع المرض من أساسه هذه المرة».
واكد جعجع «اننا اليوم أكثر من أي وقت متمسكون بالسعي لقيام دولة لبنانية فعلية بسلطة واحدة وسلاح واحد من خلال تطبيق قرارات مجلس الأمن، 1559، 1680، 1701 و1757، مع ترسيم حدود لبنان، في شكل واضح ونهائي».
الرئيس المكلف أكثر الغائبين حضوراً في «البيال» لبنان: كلام السقف العالي للحريري يدفع ميقاتي إلى الملعب الصعب
| بيروت ـ من وسام ابو حرفوش |
... أكثر الغائبين حضوراً في مهرجان احياء الذكرى السادسة لاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في بيروت امس كان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، الذي رغم «تحييده» كشخص، فإنه تحول هدفاً لإطلاق النار السياسية على الرافعة التي اتت به، وعلى «وسطيته» في صراع لا وسط فيه ولا مناطق رمادية.
ولم يكن أنهى رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري خطابه في مهرجان «البيال» حتى صوّبت الكاميرا عدستها السياسية على ميقاتي، الذي بدا وكأنه يجري «مراجعة سريعة» لما سيكون عليه موقفه في ضوء الكلام الحاد لزعيم «14 مارس» عن الـ «لا وسطية» بين الجريمة (اغتيال والده رفيق الحريري) والعدالة (المحكمة الدولية الخاصة بلبنان).
فميقاتي، الذي حضر احتفال «البيال» من على الشاشة في منزله في فردان في بيروت، شاهد واستمع وسرعان ما «استنتج» قبل ان يعود الى «خلية الأزمة» من حوله في عملية «تقويم» للحظة التي بلغها مخاض تشكيل الحكومة، الذي دخل اسبوعه الرابع وسط ظروف بالغة التعقيد، في السياسة وفي «الطبخة الحكومية» وما يحوطها من ملابسات.
الذين استمعوا الى كلام الحريري «العالي اللهجة» وعاينوا الاصداء الأولية عن ميقاتي، قالوا ان البلاد صارت امام احتمالين: إما الولادة القيصرية لحكومة ميقاتي وعلى عجل، وإما لا حكومة برئاسة ميقاتي، الذي قد يجد نفسه في وضع حرج بعد كلام «البيال» ووثيقة دار الفتوى والشهية المفتوحة و«الأكثرية الجديدة» على استكمال قلب الطاولة من خلال حكومة «أحادية».
فثمة من رأى ان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة فقد القدرة على «تدوير زوايا» للاتيان بحكومة يريدها «وطنية جامعة» بعدما رفعت قوى «14 مارس» سقف شروطها امس، وتالياً فإنه سيجد نفسه «رهينة» لشروط «8 مارس» الثقيلة الوطأة، الامر الذي يمكن ان يدفعه الى رمي الكرة في وجه الجميع إما عبر حكومة «ميقاتية» بيضة القبان فيها نواة من وسطيين (رئيس الجمهورية ميشال سليمان والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، اضافة الى القريبين منه) وإما استنفاد الفرص وتالياً الاعتذار. وكان ملف الحكومة شهد اتصالات تركّزت على تعطيل «الصواعق» المتصلة خصوصاً بالتعقيدات الآتية على خط قوى 8 مارس:
* مطالبة الأمير طلال أرسلان باسناد وزارة الداخلية إلى رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، في اطار معالجة ما تعبتره الطائفة الدرزية «غبناً» بحقها يجعلها لا تتولى اياً من الحقائب السيدية السيادية.
* حجم مطالب العماد ميشال عون التي رست على 10 وزراء من اصل 12 للمسيحيين في حكومة من 24 وزيراً، مع «فتح معركة» استعادة وزارة الداخلية من حصة رئيس الجمهورية وإسنادها لصهره الوزير جبران باسيل، ما يعني ان الرئيس ميشال سليمان سيقتصر حجم تمثيله في الحكومة على وزير كحدّ اقصى علماً انه كان في حكومة الرئيس سعد الحريري يملك حصة من خمسة وزراء بينهم حقيبتان سياديتان.
وفيما كان ميقاتي ينتظر جواب قوى 14 اذار من أجل أن يحدد الوجهة النهائية لحكومته العتيدة، قال في تصريحات صحافية إنه في ظل الظروف الاستثنائية والتاريخية التي تمر بها المنطقة، ومن أجل أن يكون جميع اللبنانيين شركاء في تحمل المسؤوليات الوطنية «أمد يدي للجميع بصدق وإخلاص من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع في خدمة بلدهم وأهلهم. فأنا لست ممن يرغبون في المناصب من أجل المناصب».
وحول اذا كان يناور فقط في موضوع الحوار مع فريق 14 اذار للمشاركة في الحكومة، أجاب: «يجب أن يوجه هذا السؤال إلى من تحاوروا معي، فأنا كنت صادقاً في خياراتي وطروحاتي، وأنا أرغب في كسر الاصطفافات وأن يتحول مجلس الوزراء إلى مؤسسة منتجة بكل معنى الكلمة». وأضاف رداً على سؤال: «نعم، مثلما رفضت أن أقدم تعهدات لفريق 8 اذار رفضت تقديم تعهدات للفريق الآخر». وإذ جدد دعوته للبنانيين إلى الاقتداء بما يمثله الرئيس الشهيد رفيق الحريري من قيم، أبرزها الحرص على الوحدة الوطنية والعيش المشترك والانتماء العربي، أكد أنه لن يكون أسير المواعيد والأرقام في موضوع التأليف، وأنه مع السرعة ولكن ليس التسرع، آملا في أن تبصر الحكومة النور «في الوقت المناسب».
في موازاة ذلك، برز ما نُقل عن أوساط قياديّة في التيّار الوطني الحر من أن الرئيس السوري بشار الأسد قال للعماد عون، خلال لقائهما الأسبوع الماضي، إنّ ثمّة «أصدقاء لنا في لبنان يطلبون منا الضغط عليك لتخفيف مطالبك الوزاريّة، ونحن نجيبهم بالقول: صحيح أن علاقتنا بالجنرال عون تطوّرت كثيراً خلال السنوات الماضية، ويسودها الاحترام المتبادل، إلا أننا لا نتدخل في مواقفه السياسيّة ولا في علاقاته بالأطراف اللبنانيّة المختلفة ولا في طلباته الوزاريّة».
|