السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيلول ٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
معركة العراق الوطنية في مواجهة الصراع الأميركي - الإيراني - خالد غزال
تدور في العراق معركة سياسية تختلط فيها العوامل الخارجية، خصوصاً منها الصراع الأميركي- الإيراني المحتدم بعد إلغاء الاتفاق النووي، بالعوامل الداخلية الناجمة عن صراعات المكونات السياسية وتفرعاتها الطائفية والمذهبية والإثنية. الخارج يسعى إلى توظيف قوى الداخل في معركته، والداخل لا يبخل في تأمين الممرات والقنوات لفعل الخارج. على رغم هذا التعقيد، تلوح في الأفق عناصر معركة وطنية تسعى إلى إعادة العراق بلداً مستقلاً عربياً.

منذ إسقاط نظام البعث، كان الأميركيون والإيرانيون في تناغم كامل. اجتمع الاثنان على تدمير العراق، جيشاً ومجتمعاً، وأمعنا في نهب ثرواته إلى الحد الأقصى. أفادت إيران من الاحتلال الأميركي في مد نفوذها إلى العراق، مستخدمة العامل المذهبي الضارب على وتر الاضطهاد الشيعي على يد السنة. لم تحسب إيران حساباً للمواطن العراقي، فقدمت نفسها عملياً كأنها سلطة احتلال. حرمت أهل البصرة من المياه، وحرضت المجموعات العراقية ضد بعضها بعضاً، وأنشأت ميليشيات مارست العنف على طريقة «داعش» وأخواته. أفادت من الدعم الأميركي في حربها ضد الإرهاب، الذي كان في جزء كبير منه صنيعتها. تصرفت مع العراق بأنه جزء من إيران وأعلنت بوضوح أن بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية. هذا المسلك عمّق الصراعات الداخلية، وخلق مناخاً معادياً لطهران عبر عن نفسه بالتظاهرات الداعية لخروجها من البلاد.

شكل العام الحالي مفصلاً في الوضع العراقي، داخلياً وخارجياً. في الداخل أجريت انتخابات نيابية أفرزت كتلاً واسعة مناهضة لطهران، ما دفع القيادة الإيرانية إلى التدخل، ترغيباً وترهيباً. فالانتخابات سينجم عنها تعيين رئيس للوزراء، تريده طهران من الموالين لها. يدور الصراع على الكتلة الأكبر التي منها يخرج رئيس الوزراء. في الآونة الأخيرة، بدأ حيدر العبادي رئيس الوزراء الحالي يبتعد عن النفوذ الإيراني المباشر. أعلن أنه لا يوافق على العقوبات الأميركية على طهران، لكن العراق سيلتزم بها، مما أثار ضده حملة إيرانية وعراقية واتهامه بالعمالة لأميركا. ذهب العبادي بعيداً في الافتراق عن إيران عندما أقال رئيس الحشد الشعبي، وهو الميليشيات الإيرانية الصافية، وعين نفسه رئيساً للحشد.

تريد إيران أن يكون نور المالكي رئيساً للوزراء، وهو الموالي لها ولاء مطلقاً. تضغط على النواب والكتل السياسية لجمع العدد المطلوب لذلك. تتهم الآخرين بالولاء لأميركا. لا تأخذ في الاعتبار أن القسم الأكبر من العراقيين يريد السيادة والاستقلال. فإما أن تكون الكتل موالية لطهران، أو تصبح عميلة للولايات المتحدة الأميركية.

في الجانب الأميركي، لم تتوقف الولايات المتحدة يوماً عن التعاطي مع العراق على أنه بلد يقع في مدارها. لعبت الدور المركزي في الحرب ضد الإرهاب، وما كان لإيران أن تنجح من دون تدخلها. تتواجد قواتها العسكرية في العراق، وتنظر إلى هذا الوجود كحام للنفوذ السياسي. لم تتصادم مع طهران لسنوات مضت، نظراً لعدم تصادم المصالح. كانت تغض الطرف عن النفوذ الإيراني، بل ساهمت في الصراعات الأهلية الطائفية والمذهبية. تلاقت مع إيران على حرمان العراق من استقلاله وسيادته.

بعد إلغاء الاتفاق النووي، تحولت البوصلة الأميركية نحو تركيز الصراع على الموقع الإيراني. اعتبرت واشنطن أن معركتها لتقليص النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، لها محطة مركزية في العراق، ما يعني أن العقوبات المفروضة على طهران لا بد وأن تكون أحد ممراتها بغداد. في المقابل تتصرف طهران على أن العراق أرض يمكن فيها مناوشة الأميركيين وتكبيدهم خسائر. فإيران قادرة على تجييش إرهابيين ووضعهم في مواجهة الجيش الأميركي. وهي أعلنت أخيراً عن إرسال صواريخ باليستية إلى العراق، وهي رسالة لأميركا بأن التهديد الإيراني يمكن أن يطاولها ويطاول حلفاءها في دول الخليج أو في إسرائيل.

المعركة الداخلية على المواقع في السلطة هي في أوجها. في هذا المجال لا بد من التوقف عند موقف الكتل الكردية، التي يمكن لها أن ترجح هذه الكتلة أو تلك. الضغوط الإيرانية والأميركية متساوية. والأكراد في وضع لا يحسدون عليه. من جهة هم مفجوعون بالتخلي الأميركي عنهم عندما ذهبوا بعيداً في طلب الاستقلال، وهم من جهة أخرى خائفون من التسلط الإيراني الذي يمارس القمع ضدهم في إيران، ويحارب أي منحى استقلالي لهم. فهل يغلب الأكراد المصلحة الوطنية العراقية، خصوصاً أنهم ينعمون باستقلال ذاتي، فيما لا تعطيهم إيران أي أمل بتحسين أوضاعهم داخل العراق وخارجه؟.

مما لا شك فيه أن الصراع الأميركي- الإيراني المحتدم الآن، قلّص من موقع أهل العراق من ذوي النزعة الوطنية والاستـــقلالية. وما العجز عن إيجاد الحلول لتكوين السلطة سوى مؤشر غير مشـــجع لمآل المستقبل العراقي. ما جرى في العراق من تدمير مجتمعي يصعب لملمته بسرعة. فاللعب على إثارة النزعات الطائفية والمذهبية يسير في موازاة الصراع الخارجي. ما يعني أن العراق سيمر بمخاض عســير قبل أن تتكون قوى سياسية وطنية عروبية تتجاوز النعرات المذهبية السائدة. فهل يكون الحلم بذلك غير بعيد؟

* كاتب لبناني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
الرئيس العراقي: الانتخابات النزيهة كفيلة بإنهاء النزيف
الرئيس العراقي: الانتخابات المقبلة مفصلية
«اجتثاث البعث» يطل برأسه قبل الانتخابات العراقية
الكاظمي يحذّر وزراءه من استغلال مناصبهم لأغراض انتخابية
الموازنة العراقية تدخل دائرة الجدل بعد شهر من إقرارها
مقالات ذات صلة
عن العراق المعذّب الذي زاره البابا - حازم صاغية
قادة العراق يتطلّعون إلى {عقد سياسي جديد}
المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي - حازم صاغية
هل أميركا صديقة الكاظمي؟ - روبرت فورد
العراق: تسوية على نار الوباء - سام منسى
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة