الأثنين ٢٥ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
تموز ٥, ٢٠١٨
المصدر:
جريدة النهار اللبنانية
مرة أخرى... هل اللبنانيون عنصريون؟ - نيفين مسعد
أيام قليلة ويمر عام كامل على مقال نشرته في "الأهرام" بتاريخ 22 يوليو 2017 تحت عنوان هل اللبنانيون عنصريون؟ وكان المقال ينطلق من واقعة مقتل أربعة من اللاجئين السوريين اعتقلوا بعد مداهمة مخيمهم شكاَ في وجود عناصر متطرفة داخل المخيم. ووضع المقال واقعة مصرع اللاجئين الأربعة فى إطار حملة الكراهية التي استهدفت السوريين واتخذت أشكالا مختلفة، وانتهى إلى أن علاقة لبنان بسوريا علاقة معقدة تتحكم فيها تراكمات سياسية وليدة فترة الوجود السوري في لبنان من عام 1976 وحتى عام 2005.
اليوم... أعيد طرح السؤال نفسه على خلفية واقعة أخرى مختلفة تماما تتعلق برفض إحدى الحضانات الواقعة فى قضاء كسروان بجبل لبنان قبول الطفل السوداني رزق فوزي لويس (وهو على الأرجح لاجئ من جنوب السودان) بزعم أن بعض الأسر اعترض على مزاملته الأطفال اللبنانيين بسبب لون بشرته. بالنسبة الي كان الخبر صاعقا لأول وهلة، لكن عندما تعمقتُ في دراسة الموضوع تبين لي أن له جذوره وهو ما سآتي إليه لاحقا. ما أدهشني في البداية هو أن لبنان بلد التنوع، بلد فيه شيء من كل شيء، تجتمع على مساحته - التي تزيد قليلا على عشرة آلاف كيلو متر مربع - ثماني عشرة طائفة تعترف بها الدولة وإن لم تكن هي كل الطوائف اللبنانية الموجودة فعلا، ومثل هذه المروحة من الانتماءات المختلفة تفتح عين اللبناني منذ ولادته على التعددية وتطبّعه على التعايش معها. في كل المرات التي جرت فيها محاولة التعدي على هذا التنوع لصبغ لبنان بلون واحد فإنه وقف على شفا الهاوية لا بل وسقط فيها كما حدث في حرب الخمسة عشر عاما حين حاول كل طرف أن يشد لبنان في اتجاهه، وفي الأخير خرج الجميع صفر اليدين. الباعث الآخر لدهشتي كان يرتبط بأن اللبنانيين بطبيعتهم شعب مهاجر، وهناك العبارة الشائعة التى تقول إن عدد اللبنانيين فى الخارج يساوي عددهم في الداخل، ومثل هذا الوضع يجعلهم أكثر حساسية وتفهما لكل المشاكل التي يصادفها المغتربون. وفيما يخص قارة إفريقيا تحديدا - التي يحمل الطفل رزق جنسية إحدى دولها - فإن الحضور اللبناني فيها حضور قوي و بالغ التأثير. فعلى موقع الجيش اللبناني توجد دراسة مهمة عن اللبنانيين فى إفريقيا يعود تاريخها لعام 2011 تكشف كيف تنامى نفوذ اللبنانيين في ساحل العاج إلى الحد الذي جعل أحد الرؤساء الإيڤواريين يقول إن اقتصاد البلاد بيد اللبنانيين، وذلك في إشارة إلى تحكم اللبنانيين في نحو 60% من القطاعات الحيوية للدولة، وليس حضورهم الاقتصادي بأقل من ذلك في ساحل العاج حيث يسيطرون على 80% من تجارة الماس والذهب. فلماذا يكون تعامل اللبنانيين مع أصحاب البشرة السوداء مقبولا لا بل وضروريا في البلدان الإفريقية ويكون محظورا بل ومستهجنا في لبنان؟
ثمة ملاحظات متعددة ترد على الواقعة المشينة المتعلقة بالطفل السوداني رزق، الملاحظة الأولى أن مسرح الواقعة أى جبل لبنان هو منطقة يسكنها الموارنة بالأساس أي أن أهل الجبل يشاطرون عائلة الطفل الدين المسيحي ما يعني أن التمييز هنا كان على أساس عرقي وليس على أساس ديني. الملاحظة الثانية أنه كانت ثمة تنويعات على واقعة الطفل رزق في سياقات أخرى عندما رفض بعض أصحاب المسابح اللبنانية تقبل - لبضع سنوات - السماح بدخول زوار بسبب لون بشرتهم، والمصيبة الأكبر أن ما شفع لهؤلاء الزوار في الدخول أنهم كانوا مواطنين أميركيين! ما يعني أن التمييز العرقي ليس مطلقا لكنه ينطوي على استثناءات، وما يجوز للأميركيين السود لا يجوز للإثيوبيات مثلا، ومن يتردد على لبنان يعلم ضخامة عدد العاملات الإثيوبيات فى المنازل. الملاحظة الثالثة أن هذه الممارسات التمييزية حيال الآخرين لها أسباب مختلفة، بعضها ثقافي موروث أشرت له في مقال العام الماضي، وبعضها يرتبط بالخطاب الشعبوي التحريضي للعديد من القيادات السياسية، كما في تفاخر أحد الرموز اللبنانية البارزة بالقول إذا كانت لبنانيتي اتهاما بالعنصرية فأنا عنصري، وبعضها الثالث إفراز طبيعي للمناخ المسموم الذي يخيم على المنطقة منذ عام 2003 بتعصبه واستقطابه ونزعاته التفكيكية.
الملاحظة الرابعة أوردها منفصلة لأنها تبعث الأمل في الحفاظ على لبنان كما نعرفه وكما يحب أن يُشاع عنه، فمن الصحيح أن من اعترضوا على قبول الطفل رزق مع أولادهم في الحضانة يمثلون جزءا من المجتمع اللبناني، لكن من الصحيح أيضا أن جزءا آخر من هذا المجتمع تصدى بقوة لهذا الموقف. على الفور تم تدشين شعار على موقع تويتر بعنوان طفل ـ سوداني يتعرض للعنصرية ولاقى الشعار تفاعلا كبيرا معه، وتصدر نشطاء الحملات المناهضة للعنصرية وسائل الإعلام المختلفة للتنديد باستبعاد رزق، والتأكيد أن لبنان الذي شارك في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل سبعين عاما عليه احترام مبادئه، هذا علما بأن نشاط الحملات المناهضة للعنصرية قد تكثف بوضوح اعتبارا من مطلع الألفية الجديدة، خصوصا مع تدفق اللاجئين السوريين. هذه اليقظة الاجتماعية هي حائط الصد ضد كل الممارسات التمييزية والخطابات التحريضية بكل ما لها من نتائج خطيرة، فإذا كان هناك من يقول إن الخارج لا يريد على الأقل في هذه اللحظة أن يتم تفجير لبنان، ففي رأيي أن لبنان لا يحميه سوى اللبنانيين.
باحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية في "الأهرام"
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة