الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: حزيران ٣٠, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
الاقتصاد اللبناني أمام مزيد من التحديات... والمطلوب حكومة طوارئ - نزار عبد القادر
إذا كان وضع لبنان المالي سليماً ومستقراً، وفق تأكيدات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المتكررة، مطمئناً إلى أن الوضع النقدي مستقر ولا خطر على سعر صرف الليرة، وبأن لبنان قد نجح في البقاء بمنأى عن كل الأزمات الإقليمية والدولية، فإن الوضع الاقتصادي لا يبعث على الاطمئنان والتفاؤل، وفق كل الدراسات المحلية والدولية، بما فيها تلك الصادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وتذهب مختلف الآراء إلى أن الأوضاع السياسية المعقدة في البلاد لا توحي بالثقة للمستثمرين المحليين والأجانب، وفي حال التأخر في تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في مؤتمر «سيدر» فإن لبنان لن يحصل على القروض اللازمة لإنعاش اقتصاده، وإعادة إعمار البنى التحتية الأساسية كالكهرباء وقطاع الاتصالات، وتحسين وصيانة شبكات الطرق.

اتسمت سياسات جميع الحكومات منذ بداية سبعينات القرن الماضي بحالة من الجمود، وقد انعكس هذا الجمود على حركة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أضعفت الحروب التي شهدها لبنان ما بين عامي 1975 و 1989 السلطة، وأفقدته سيادته. ودمرت البنى الاقتصادية كما تسببت بشرذمة المجتمع، وتعطيل حركة التواصل بين اللبنانيين، وأصابت في الصميم نظام القيم الأخلاقية.

لم تنجح الحكومات في جمهورية الطائف في تطبيق الإصلاحات والتعديلات اللازمة للنظام السياسي والاقتصادي، وذلك بحجة الضغوط التي تعرضت لها من قبل سلطات الوصاية السورية، إضافة إلى الصراع المستفحل بين الطوائف والمذاهب اللبنانية على تقاسم السلطة والنفوذ.

حاول الرئيس رفيق الحريري أثناء توليه رئاسة الحكومة تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال اعتماد خطة إنمائية، نجحت في إعادة بناء جزء أساسي من البنى التحتية، وإعادة بناء وسط العاصمة بيروت. ولكن منذ اغتياله، عام 2005، يشهد الاقتصاد اللبناني حركة تراجع بسبب انسحاب الاستثمارات الأجنبية والعربية، وذلك في ظل الأورام السياسية والأمنية المتفاقمة، ما يدفع بالوضع الاقتصادي نحو المزيد من التفاقم والفساد المستشري في الطبقة السياسية وفي الإدارة، حيث تجري سرقة المال العام، ويدفع هذا الوضع المسؤولين في البنك الدولي إلى حالة من الإحباط، مع تصور إمكانية أن يقع لبنان في ورطة اقتصادية على غرار ما شهدته اليونان عام 2009.

تضاعفت الأزمة الاقتصادية جراء تردي العلاقات اللبنانية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك على خلفية مواقف حزب الله وحلفاؤه ضد هذه الدول، وطالبت السلطات الخليجية لبنان بتوضيح مواقفه وبالاختيار بين مصالحه مع الدول الخليجية وبين تبعيته لإيران ولحزب الله.

وفي ظل النتائج الأخيرة للانتخابات واستمرار السياسة التي ينتهجها العهد وتكتل لبنان القوى، إضافة إلى خطاب التحدي والعداء الذي يعتمده حزب الله ، يشكك كثيرون في إمكانية ان يستفيد لبنان من قرارات مؤتمر باريس، من أجل إعادة البنى الأساسية كالكهرباء وقطاع الاتصالات، وشبكة الطرقات.

منذ عام 1990 بدأت ديون لبنان بالتراكم، وظهرت على الوضع الاقتصادي العديد من الاختلالات البنيوية والتي تعاظمت جراء العجز، وتراجعت عائدات الدولة، وتحول الفساد إلى وباء. وبرع اللبنانيون في استيلاد الأزمات المتتالية، التي باتت تهدد بالانهيار الاقتصادي. أن نسبة المديونية تتجاوز 150 في المئة من حجم الإنتاج الوطني وهي تعتبر من أعلى المستويات وفق تقارير صندوق النقد الدولي. وخدمة الدين العام باتت خيالية وتتوقع أفضل التقارير أن لا تتعدى نسبة النمو واحد في المئة.

في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة جداً التي يعيشها لبنان اليوم، والتي هي معرضة أن تزداد سوءاً إذا لم تحسن الدولة سياستها وتنسج علاقات ود وتعاون مع الدول الخليجية. لقد بدأت بعض الدول الخليجية بشن حرب اقتصادية– سياحية على لبنان وذلك رداً على سياسات حزب الله، وخضوعه للنفوذ الإيراني، والذي بدأت عوارضه بالظهور منذ ما يقارب عقدين. يمكن الأوضاع اللبنانية أن تذهب إلى الأسوأ إذا ما قررت الدول العربية معاقبة لبنان وسحب ما تبقى من استثمارات وطرد اللبنانيين العاملين في الدول الخليجية، وهذا ما يفسر تراجع التصنيف الائتماني من B إلى B-.

تقدر التدفقات المالية للعاملين خارج البلاد بـ 16 في المئة من الناتج المحلي، وفاقت هذه التدفقات عام 2016 الـ7.5 بليون دولار، مصادر معظمها من الدول الخليجية.

يجب أن لا ننسى أن 82 في المئة من الاستثمارات الخارجية في لبنان هي خليجية– 40 في المئة منها في القطاع العقاري– وهي لم تشهد أي زيادات منذ عام 2012– ويعتقد أن مفاعيل جمود هذه الاستثمارات قد تسببت بتراجع أسعار العقارات بنسبة 10–20 في المئة. بعد تدخل حزب الله في سورية في عام 2012 وتراجع تدفق السياح العرب بشكل دراماتيكي (خسر لبنان 25 في المئة من عدد السياح) لتبلغ نسبة السياح العرب 8 في المئة من عدد السياح والزوار. وفي عام 2017 صدرت أوامر بوقف الزيارات إلى لبنان.

تقول حكومة سعد الحريري بانها تعتمد سياسة «النأي بالنفس»، ولكن خطابات السيد حسن نصر الله المتكررة تؤكد تحرر قرارات حزبه من كل الضوابط التي تفرضها سياسة النأي بالنفس. أن السياسات التي يتبعها العهد، لا توحي بالثقة للدول الخليجية، من هنا فإن أي مراجعة شاملة تظهر بأن لبنان ليس مهيئاً في ظل الظروف الراهنة للشروع في أية عملية تغيير تشمل قطاعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

هناك ترابط عضوي بين القطاعات الثلاثة، ويفترض هذا الترابط القيام بعمل إصلاحي شامل، ولن يكون ذلك بالأمر السهل في ظل المشكلات الداخلية الناشئة من هشاشة بنية النظام الطائفية، وعن الصراع الحاد على تقاسم على السلطة والنفوذ، وفي ظل التعقيدات الخارجية، وارتدادات الأزمة السورية على أوضاعه السياسية.

تبرز إلى جانب هذه العوائق السياسية مجموعة من المشاكل والعوائق الاجتماعية والتي تتفاعل سلباً بسبب وجود ما يزيد على مليون نازح سوري على أرضه، حيث يتقاسمون كل الخدمات وفرص العمل مع الشعب اللبناني.

تنعكس الأوضاع الاجتماعية على مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية، وذلك لأسباب عدة أبرزها: أولاً، تطلع الشباب للحصول على وظيفة في القطاع العام. ثانياً، مزاحمة اليد العاملة السورية. ثالثاً، عدم ملاءمة النظام التعليمي المتوسط والجامعي لمتطلبات سوق العمل في مختلف القطاعات الإنتاجية. وهناك مجموعة واسعة من العوائق التي تواجه التنمية الاقتصادية نذكر منها:

- سيطرة القطاع العام على قطاعات اقتصادية هامة وإدارتها من دون كفاءة.

- الفساد الشامل في القطاعين العام والخاص.

- عدم توافر القروض الاستثمارية في ظل التوظيف الريعي للرساميل.

- النقص الكبير في توافر الطاقة الكهربائية، والخدمات الأخرى بما فيها المياه.

- الحواجز القانونية والتعقيدات الإدارية التي تعرقل قطاع الأعمال والتجارة والتصدير.

- عدم توافر القروض الميسرة للمؤسسات المتوسطة والصغيرة.

بات المطلوب وبإلحاح إجراء تغيير جذري في أداء الحكومة (سياسياً وإدارياً) مع التركيز على وضع خطط شاملة للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولا بد أن نذكر هنا بضرورة استعادة الثقة بمستقبل لبنان، وتكون الخطوة الأولى على هذا المسار من خلال استعادة الدولة لسيادتها. إن عهد الرئيس عون ما زال في بدايته، وفي صدد تشكيل «حكومة العهد الأولى» بعد الانتخابات العامة، والأولوية يجب أن لا تكون لتشكيل حكومة وطنية، بل لتشكيل حكومة طوارئ قادرة على وضع رؤية إنمائية شاملة وبالتالي منع عملية الإفلاس التي يتجه إليها لبنان.

* كاتب لبناني
 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة