الأثنين ٢٥ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
حزيران ٢٩, ٢٠١٨
المصدر:
جريدة الحياة
قصة الست نظيرة مع القنصل الإنكليزي... وقصة سعد الحريري أيضاً - محمود حداد |
هذا المقال من وحي الأنباء الأخيرة التي تقول إن التصعيد العسكري في منطقة درعا السورية- بما في ذلك قصف الطيران الروسي المنطقةَ- مخالف للاتفاق الأميركي-الروسي قبل عام بإنشاء مناطق خفض التوتر في سورية. والمعارضة السورية تقول إن الولايات المتحدة أبلغتها أنها لن تتدخل أي أن مصير درعا لن يختلف عن غيرها:
قبل ستّ سنوات نشرتُ رأياً عن «معنى مواقف وليد جنبلاط المتغيرة» (أول تشرين الثاني/ نوفمبر 2012) ذكرت فيه قصة الست نظيرة جنبلاط مع القنصل الإنكليزي مختصرة كالتالي: كانت الست نظيرة جنبلاط، جدة الزعيم الدرزي الحالي وليد جنبلاط، هي الأخرى زعيمة طائفتها قبل نحو قرن من الزمن. ويُروى أن سياستها التقليدية كانت قائمة على مسايرة الإنكليز في فترة توهج نفوذهم الامبريالي في المشرق قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها. ولكن، عندما استطاعت فرنسا انتزاع الانتداب على لبنان وسورية بعد الحرب فإن سياسة الست نظيرة تحولت إلى مسايرة فرنسا. وصدف أن زارها في المختارة، أثناء الانتداب، القنصل البريطاني ووجه إليها نقداً موارباً متعلقاً بتقربها من الفرنسيين، فما كان منها إلا أن نهرته: “أنتم الذين قلتم لنا إنكم تدعمون الانتداب الفرنسي، وطلبتم منا دعمه، ثم تأتون الآن لتلوموني على القيام بما طلبتم أنفسكم!» (أفترضُ أنه كتعبير عن موافقة زعيم المختارة على ذلك الرأي أعادت صحيفة «الأنباء» نشره على صفحتها الأولى بعد أيام في 6 تشرين الثاني).
في هذه الرواية أحد مفاتيح تفسير موقف الذين يستغربون تغير مواقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، ثم مواقف الرئيس سعد الحريري – دون تطابق- واستدارة الأخير السياسية منذ موافقته على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. فالواقع أن الزعيم السني، كالزعيم الدرزي، وكل منهما من زاويته المختلفة- لا يريد السير في أية سياسة دون غطاء دولي أو إقليمي بعد أن خبِر كلاهما أن غالبية هذه الدول ليست ثابتة على الموقف الذي تعلنه في لحظة ما، فكثيراً ما تتخذ موقفاً ما لتعود لتنقلب عليه بعد فترة بسبب تعديل حساباتها الإقليمية، أو الدولية، أو بسبب تباين نظرة المواقع المتعددة لاتخاذ القرار، وتنافسها في عواصمها نفسها. وقد خبرت «قوى 14 آذار» في لبنان، مثلاً، أنَ الدعم الذي أعطتهم إياه الولايات المتحدة والرئيس الأميركي السابق بوش الابن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، توقف بعد فترة وفترت حماسة واشنطن لـ”ثورة الأرز”، التي كانت قد أفردت لها الصحافة الأميركية الصفحات المتعددة والساعات الطويلة على شاشات التلفاز وعادت موجة اغتيالات قادة 14 آذار إلى زخم متجدد لم تُوقفه سوى هدنة انتهت بإخراج الرئيس سعد الحريري من رئاسة الوزراء، وهو في زيارة البيت الأبيض وفي حضرة “سلطان البرين والبحرين” المعاصر في بداية 2011. ولم تتغير الأمور جوهرياً لا مع الرئيس الأميركي باراك أوباما ولا مع خلفه دونالد ترامب، مع وجود بعض التباينات الدعائية التجميلية أو المتجملة أو عقوبات يسهل القفز فوقها في كل حالة من هذه الحالات. دخلت روسيا الاتحادية على خط الحرب السورية في الإقليم وبقواها العسكرية إلى جانب النظام السوري الذي يرى في الحريري عدواً لا ضرورة لصداقته. أضف إلى ذلك أنّ أوروبا أعلنت، بقدر ما تستطيع أن تعلن، أنها غير قادرة على السير بسياسة مستقلة عن الولايات المتحدة ، وبالتالي تم إقفال الموقف الدولي برمته لغير مصلحة قوى 14 آذار منهية صلاحيتها.
على الصعيد الاقليمي، أصبحت إيران، منذ تفاهماتها مع واشنطن في 2003 غداة احتلال العراق، صاحبة النفوذ الأهم في المشرق من العراق إلى لبنان كما ردد الجنرال الإيراني قاسم سليماني أكثر من مرة إلى حد أنه أحرج حليفه اللبناني قبل أسبوعين. وأعلنت إسرائيل صراحة أنها تفضل الوضع القائم على البدائل المتاحة، لكنها أخذت موافقة موسكو- كما واشنطن - الموجودة بقوة عسكرياً في سورية على ضرب أية إضافات لقدرات «حزب الله» على حدودها مع لبنان أو سورية على حد سواء. (من هنا جاء تصريح السفير الروسي قبل أيام أن لا خوف من مواجهة بين إسرائيل وحزب الله). أما الدول العربية الفاعلة فقسمان: قسم يؤيد دمشق على أساس الخوف من البديل الإسلاموي الذي تم تصنيعه وتضخيمه ويتحدث- كمصر والجزائر- وفي الكواليس عن أهمية الحفاظ على «الدولة السورية» دون إيلاء تركيبتها الداخلية أية أهمية. أما القسم الثاني المؤلف من الدول العربية الأخرى فإنها، بغالبيتها، لا تستطيع، من جهة أخرى، مثلها مثل الاتحاد الأوروبي، القيام بشيء فاعل في المشرق دون دعم دولي من الأطراف والعواصم التي تعتمد عليها ولو أنها ترغب في ذلك. فوسائلها القائمة على الترغيب لا تستطيع الصمود أمام وسائل الخصم القائمة على الترهيب. وهكذا حُيّدتْ هذه الدول عملياً إضافة إلى تركيا التي اكتفت بالعمل السياسي والعسكري في المناطق الكردية التي تعتبر أن أوضاعها تمس الكيان التركي ودولته التي توطدت بعد الحرب العالمية الأولى.
ترجمت هذه التطورات الدولية والاقليمية نفسها على الصعيد المحلي اللبناني، فسدَّ تحالف الشيعية العسكرية/السياسية مع المارونية السياسية أبواب المناورة أمام السنية السياسية وحلفائها من الطوائف والقوى غير المنتمية إلى طائفيات سياسية أو عسكرية. وهكذا، وجد الرئيس سعد الحريري نفسه أمام مأزق لا يمكن الفكاك منه في الظروف الراهنة: لا حلفاء دوليين راغبون بإقران الأقوال بالأفعال؛ ولا حلفاء اقليميين قادرون، على الرغم من عواطفهم، على ردع المنافسين الاقليميين الآخرين. وبالتالي، فإن عليه إما القبول بالتراجع الذي يتمناه مؤقتاً أو بالانسحاب التام غير المرغوب والذي قد يكون ممنوعاً على الصعد المحلية والإقليمية والدولية الثلاثة كافة حتى لا تُحرَج أطرافٌ داخلية تظهر بأنها صاحبة القرار السيادي وتستأثر تماماً بالسلطة أو تُحرَج أطرافٌ خارجية تبدو عندها بأنها ساكتة على ذلك الاستئثار. وعلى عكس تجربة الست نظيرة جنبلاط، وإن بنفس النتيجة، فإن أصدقاء الرئيس الحريري الدوليين لم يطلبوا الشيء وعكسه، بل ظلوا صامتين لا يقدمون ولا يؤخرون وإن كانوا يبادرون إلى خطوات جزئية وشكلية بين آن وآخر(مثل إحراج أميركا للحكومة اللبنانية، قبل أسبوع بتسريبها خبر إعفاء الرعايا الإيرانيين من أختام الدخول والخروج في مطار بيروت). أما أصدقاؤه الإقليميون فطالبوه بالصمود والمقاومة، دون أن يكون بمقدورهم تقديم الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك، فكان أن قام الحريري بعملية حسابية بسيطة أظهرت أن الانتحار لا يقل كلفة عن النحر فاختار مرغماً -كما يبدو- المراهنة على الوقت المجهول العواقب متمنياً ألا يكون ضائعاً وأن يكون ما بعده مختلفاً عما قبله وهذا أضعف الإيمان. ومع هذا قد لا يكون ذلك كافياً عند خصوم الأمس واليوم.
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة