الخميس ٢١ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ١٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة

الملف: انتخابات
الانتخابات في لبنان والعراق ذات النتائج المعروفة - مرزوق الحلبي
أتّفق مع التنظيرات القائلة إن العولمة انتقصت من الفكرة الديموقراطية كما شهد التاريخ تطبيقها لأن ضعف الدولة الإقليمية استتبع انحساراً في الديموقراطيات. وتعليله هو أن الديموقراطية فكرة تجسّد حُكم الشعب وإرادته في دولة مُعطاة، بينما العولمة تعني في ما تعنيه سيولة القوة والإرادات من خارج حدود الدولة ومجتمعها للتأثير في مجريات الأمور والخيارات داخل الدولة.

بموجب وجهة نظر تحليلية كهذه، فإن كل عملية انتخابات تشريعية أو للسلطة التمثيلية أو للرئاسة (في النظام الرئاسي) لا تعبّر عن إرادة المشاركين في الانتخابات فحسب، وهم مواطنو الدولة المعنية، بل عن إرادات ومصالح قوى خارجية كدول وحكومات ومؤسسات مالية وشركات ومحاور إقليمية وسواها. وقد شهدنا «تورّط» روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة ولا تزال التحقيقات في هذه القضية في بدايتها. لكن الأمر ينسحب أيضاً على الدول الأقلّ شأناً أو تلك التابعة لمحور إقليمي أو دولي.

من المُفيد أن نرى إلى الانتخابات اللبنانية والعراقية في الأسبوع الماضي من خلال هذا التحليل، فلا يكون احتفاؤنا بهما وبالعرس الديموقراطي مقطوعاً من سياق واقعي إن كان في سيرورة ما حصل ونتائجه، أو في سيرورة العملية الانتخابية التي لا تعني بالضرورة تعزيزاً للديموقراطية أو ما تعنيه هذه الفكرة من حريات وإجراءات تحفظ الفصل بين السلطات أو حقوق الإنسان أو الدَسْتَرة.

فإذا نظرنا إلى العراق، سنجد في نتائج الانتخابات هناك الملالي من إيران ونزعات الحرس الثوري الإيراني والتيار المُعتدل. وسنجد على خط موازٍ تأثيرات التدخّل الأميركي ومصالح البيت الأبيض. أما الحكومة التي ستتشكّل فتكون في مؤدّاها محصّلة التوازنات بين هاتين القوتين الخارجيتيْن الداخليتيْن! يغيب الفارق بين قوة تأثير الناخب وبين قوة تأثير القوة الراعية له أو للمرشحين الوافدة من خارج القُطر. صحيح أن عوامل أخرى عدة تفعل فعلها في النتائج، لكن العامل الحاسم هو المصالح التي يُراد للقوى المشاركة في الانتخابات أو «الفائزة» فيها خدمة مصالح محورين قوييْن من خارج البلد.

الأمر نفسه تُمكن رؤيته في لبنان. تحتَ الحملات الانتخابية والسجالات التي احتدمت وشطّت في مرات كثيرة، والخُطب النارية، تختبئ حقيقة مرّة وهي، وإن كان الناخب اللبناني يُدلي بصوته مُقتنعًا بمرشّح على لائحة ما، فإنه في نهاية المطاف يقترع لمصلحة قوى إقليمية ودولية. وأعتقد أن الناس تُدرك هذه الحقيقة بحسّها الفِطري وأن «اللعبة مبيوعة»، فإما أن تعزف عن اللعب أو أن تعزف معها لحن الديموقراطية الحزينة أو الهشّة. ربّما يقول المشاركون «رأينا لعبة أمامنا فلعبنا» أو «لو كانت هناك لعبة أخرى لاخترناها»!

المواطن يُشارك في «الديموقراطية» التي تتطور تاريخياً أو قد لا يُشارك. وهي ظاهرة غير محصورة بالمجتمعات العربية. لكن كلّما ضعُفت الديموقراطية وتضعضعت كان حضور الغريب والأجنبي في مواسمها قوياً ومؤثّراً. وهكذا تأتي النتائج على وقع هذا التدخّل ومَداه. وأمكننا أحياناً أن نقول في سياق الانتخابات اللبنانية فاز «الحرس الثوري الإيراني» بأوراق لعب جديدة أو تقلّصت حصة فرنسا في البرلمان أو ضعفت أوراق اللعب الخليجية. أتابع عن بُعد تفاعل الشعب اللبناني أو الشعوب العراقية مع الانتخابات لأجدها تعبّر في الوقت ذاته عن خيبتها وعن أملها في العملية الانتخابية والسياسيين وفي النتائج. أملها الإنساني بأن تصحّ الأمور في البلد وتستقيم وتنعكس حياة كريمة وحريات ونمواً ورفاهية. وعن خيبتها نتيجة معرفتها أن النتائج معروفة مسبقاً. ليست نتائج الانتخابات فقط بل النتائج المترتبة عن العملية الانتخابية لجهة أن ما كان هو ما سيكون وأن موارد البلد إما ستُهدر أو أنها ستؤول في نهاية النهار إلى قوى خارجية مرئية أو غير مرئية. أما البلد على ما يعنيه البلد كدولة ومجتمع وحقوق وتوزيع للموارد فيصير أسيراً أو رهينة التحالفات وترتيب المصالح بين قوى في داخل البلد وقوى خارجها. وتكون العملية الانتخابات غطاءً كلامياً وسياسياً وقانونياً لهذه الترتيبات. وهي عادة ما تُفضي إلى فوز الأقوياء وخسارة المُستضعفين وفي رأسهم المواطنون والجماعات المُقصاة وقليلة العدد وعديمة الحيلة.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
الملف: انتخابات
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
الانتخابات المقبلة وضعف النقاش السياسي في المغرب - لحسن حداد
الفلسطينيون يترقبون ترشح البرغوثي لمعركة الرئاسة
النظام الانتخابي في وظائفه ومفاعيله السياسية - فريد الخازن
حول شرعية الانتخابات اللبنانية - منى فياض
الجزائر كنموذج يخشى اختطافه - روزانا بومنصف
ولاية خامسة لبوتفليقة أو الفوضى!- رندة تقي الدين
"هيئة الإشراف" تُعاين في تقريرها "جروح" الانتخابات - رضوان عقيل
البحرين: أول رئيسة منتخبة للبرلمان - سوسن الشاعر
أسوأ المجالس البلدية - علي القاسمي
«انتخابات شو!» - مشرق عباس
«التطابق» لا ينزه الانتخابات - مشرق عباس
العراق: تدارك أزمة الانتخابات - مشرق عباس
حول اعادة صوغ «الكتلة الأكبر» - مشرق عباس
الاستبداد الناعم - عبد الحسين شعبان
الممتنعون عن الاقتراع في الانتخابات النيابية من يمثلهم؟ - جورج ابرهيم طربيه
الانتخابات تنهِك العراق بمزيد من الأزمات - كامران قره داغي
«تقبيطة الكيا»! - مشرق عباس
العلمانيون واليساريون بعد الانتخابات (اللبنانية): صِفْر - طلال خواجة
البرلمان اللبناني الجديد: الأكثريات التي انتخبت رؤساء جمهورية ليسوا منها - أسعد الخوري
البلوكات البرية بعد البحرية - فريد الخازن
الانتخابات العراقية تفتح ملف الصراع مع نظام طهران - خالد غزال
انتخابات الكومبارس مقابل سياسة الهامش في لبنان - سامر فرنجيّة
بدائل لا نصيب لها من اسمها - حسام عيتاني
قانون الانتخاب تشابك الاسوأ بين النسبي والاكثري - فريد الخازن
عن يوم أحد أجريت فيه انتخابات نيابية في لبنان - سامر فرنجيّة
انتخابات لبنان لا طائل منها؟ أنطوان قربان
ولي الفقيه العراقي - حازم الأمين
الانتخابات: عندما يصبح دراكولا بابا نويل - جهاد الزين
المشهد غداة الانتخابات اللبنانية - حسام عيتاني
خلفياتُ زّج النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في بازار الإنتخابات اللبنانية - مي الصايغ
الانتخابات اللبنانية «النووية» - وليد شقير
مدينتا بيروت: دُمّلةُ ما بعد الانتخابات - جهاد الزين
انتخابات العراق ولبنان ومآلات الصراع في الشرق الأوسط - بوتان تحسين
«الشعب» أسوأ من مرشحيه - حازم الأمين
أنا المغترب، من أنتخب؟
علي الأمين واللائحة وإعلامنا - حازم صاغية
انتخابات فولكلورية لقانون النسبية سليم نصار
كساد فكرة التغيير في لبنان - حسام عيتاني
حول قانون العدد وما يُرجّحه في انتخابات 2018 - أحمد بعلبكي
اللجنة الأوروبية إذا شاءت، لا الدولة، هي مرجعية الانتخابات - جهاد الزين
نحتاج 161704 أشخاص لمراقبة اقتراع 82000 مغترب! - طنوس فرنسيس
الانتخابات العراقية: جيوش إلكترونية ومزاد لشراء أصوات الناخبين
إلى لجنة الرقابة الأوروبية على الانتخابات اللبنانية:كيف ستواجهين عمليات التزوير؟ - جهاد الزين
دفاعاً عن «الخرزة الزرقاء» - حازم الامين
لبنان 2018: ما الجدوى من الانتخابات العامة؟ - جوزيف مايلا
مقاطعة الانتخابات: الداخل والخارج - حازم صاغية
ماذا بعد الانتخابات المصرية؟ - مأمون فندي
انتخابات بلا معنى ولا فاعليّة - حازم صاغية
انتخابات لبنانية في رداء حرب أهلية - خالد غزال
الاستابلشمنت اللبناني المشوَّه والمشوِّه - أنطوان قربان
صاعقة الانتخابات - محمد صلاح
العراق: انتخابات أم مزاد علني للبيع والشراء؟ - حميد الكفائي
الانتخابات النيابية ترفع وتيرة التصعيد بين أهل الحكم - خالد غزال
الانتخابات اللبنانية:الزبائنية لحشد التأييد سامي عطاالله - زينة الحلو
مسودة قراءة في الانتخابات اللبنانية - منى الخوري
الانتخابات وقانونها: "الولايات اللبنانية المتحدة" - فريد الخازن
أداة تأديبية تدعى الانتخابات النيابية في لبنان - سامر فرنجيّة
مراجعة متأخّرة لمقاطعة 92 المسيحيّة - حازم صاغية
ورثة الطوائف في الانتخابات اللبنانية - حازم الامين
هل سيكون للرأي العام من تأثير في الانتخابات المقبلة؟ - منى فياض
دعوة إلى مقاطعة الانتخابات غير «المدنية» في لبنان - حازم الامين
حرب أم انتخابات في لبنان؟ - حازم صاغية
الأحلام الانتخابيّة للمجتمع المدني في لبنان - حسام عيتاني
انتخابات الرئاسة المصرية: تعظيم المشاركة عبر الفتاوى الدينيّة - كرم سعيد
الاستحقاق العراقي: انتخابات إشكالية ومشكلات بنيوية على وقع انقسامات جديدة - عبدالباسط سيدا
المشاركة في انتخابات الرئاسة على قمة تحديات السلطة المصرية
البلديات تعيد رسم المشهد المغربي - محمد الأشهب
«العدالة والتنمية» يستعد للانتخابات التشريعية - محمد الأشهب
استمالة الناخبين - محمد الأشهب
الانتخابات البلدية في المغرب - محمد الأشهب
محطة الانتخابات البلدية في المغرب - محمد الأشهب
أخبار ذات صلة
الرئيس العراقي: الانتخابات النزيهة كفيلة بإنهاء النزيف
الرئيس العراقي: الانتخابات المقبلة مفصلية
«اجتثاث البعث» يطل برأسه قبل الانتخابات العراقية
الكاظمي يحذّر وزراءه من استغلال مناصبهم لأغراض انتخابية
الموازنة العراقية تدخل دائرة الجدل بعد شهر من إقرارها
مقالات ذات صلة
عن العراق المعذّب الذي زاره البابا - حازم صاغية
قادة العراق يتطلّعون إلى {عقد سياسي جديد}
المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي - حازم صاغية
هل أميركا صديقة الكاظمي؟ - روبرت فورد
العراق: تسوية على نار الوباء - سام منسى
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة