الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ١٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية

الملف: انتخابات
قانون الانتخاب تشابك الاسوأ بين النسبي والاكثري - فريد الخازن
اما وقد جرت الانتخابات، فلا بد من قراءة هادئة للقانون ومفاعيله بعدما خضع للاختبار. صحيح ان نظام الاقتراع النسبي أكثر عدالة من الأكثري لجهة فرص التمثيل، لكن بشرط ألا تكون النسبية مشوّهة أو مبتورة، مثلما هي في لبنان. وصحيح أيضاً ان القانون يعكس الاحجام الحقيقية للمرشحين، إلّا ان ذلك لم يحل دون وصول نواب "بأحجام" لا تعبّر عن خيارات غالبية من المقترعين. فعندما يفوز من نال أصواتاً بالمئات (أو حتى أقل من مئة صوت) ويخسر من نال الآلاف، تكون عدالة التمثيل منتقصة والاحجام بلا جدوى، فضلاً عن جائزة "اللوتو" المتمثلة بالكسر الاكبر من نصيب اللوائح المحظوظة. وأين العدالة عندما تشطب أصوات مرشحي اللوائح التي لم تنل الحاصل، وما الفرق عندئذ بين النسبي والاكثري؟ النسبية مبنية على مبدأ عدم اضاعة أصوات المقترعين وعلى اللوائح المتجانسة، خلافاً لما حصل في لبنان. 

نظام الاقتراع النسبي بالغ التعقيد في المجتمعات المتجانسة، وهو أكثر تعقيداً في الحالة اللبنانية، كما ان آلية احتساب الاصوات يضعها خبراء في علم الرياضيات بعد اتخاذ القرار السياسي بشأن نظام الاقتراع. لبنان في هذا المجال حالة خاصة لان النظام السياسي يرتكز على نسبية يلحظها الدستور في التمثيل الطائفي والمذهبي. فاذا كان المطلوب اعتماد نسبية صحيحة، فلا يمكن عندئذ مراعاة الاعتبارات الطائفية وسواها ولا بد من اعتماد دوائر موسعة، وهذا عملياً غير متاح لاسباب عديدة. النسبية المعتمدة "ملبننة"، منقوصة في أحسن الاحوال ومبتورة في اسوئها. وفي حال عدم امكان التزام معايير النسبية المعروفة والمجرّبة والتي تفي بالغرض التمثيلي المطلوب، فلا بدّ من الاقرار ان النسبية غير ملائمة للحالة اللبنانية.

في السنوات الاخيرة، جاء الكلام في النسبية أشبه بالمزاد العلني، اذ تم تظهيرها وكأنها الدواء الشافي لامراض المجتمع والنظام السياسي. وبات النقاش أسير الشعارات، الى حد الادعاء ان النسبية ستحدّ من الطائفية وتضع حداً للفساد والمال الانتخابي وتوحّد البلاد وتعزّز الديموقراطية وتؤسس لاحزاب عابرة للطوائف، فيسود الوئام بين الناس والانتظام العام. لكن ما حصل انه تم اعتماد الاسوأ بين أنظمة الاقتراع النسبي المعروفة، مضافة اليها الصيغة الاكثر تشدّداً بين انظمة الاقتراع الأكثري (one person one vote)، وهي نقيض النسبية، فجاء القانون خليطاً هجيناً وفي تناقض مع أنظمة الاقتراع المعتمدة في العالم منذ أواخر القرن التاسع عشر الى اليوم.

الغائب الاكبر في الانتخابات الرأي العام، أو التوجهات الكبرى لآراء الناخبين حول مسائل معينة. وجاء قانون الانتخاب ليساهم في تراجع الخطاب السياسي الوطني أو المواقف المحددة في الشأن العام، ومن حاول ابرازها، وخصوصاً في أوساط الحراك المدني، لم يكن لها أي تأثير وازن. في نظر الناس، للقانون عوامل جذب، على حساب القضايا العامة: العلاقات الشخصية والخدمات الخاصة والمال الانتخابي. وكان منتظراً ان يساهم القانون، في شقيه النسبي والاكثري، في رفع نسب الاقتراع، خصوصاً ان اعداد الناخبين ارتفع نحو 6% منذ 2009، إلّا أن نسب الاقتراع انخفضت عن نسب 2009 وما قبلها. ولهذا الواقع دلالة تعكس حالة اللامبالاة تجاه القانون والعملية الانتخابية. طغى على الانتخابات همّ كسب المعركة بأداة الصوت التفضيلي على حساب التحالفات والخطاب السياسي. المصلحة العامة كانت الاقل شأناً، والزبائنية فرضت نفسها داخل الاحزاب وخارجها وأدت الى "خصخصة" الرأي العام. فلكل مرشح خطابه وبرنامجه وماله وخدماته واعلامه. وعلى المستوى الوطني، التحديات مختلفة، والسعي الآن الى الترميم عبر تحالفات ما بعد الانتخابات ومحاور الفرز والضم في تكتلات ليس للشأن العام فيها أي حساب.

أُقرّ القانون تحت ضغط المهل وبعد مخاض طويل. ولا بد من تقويم مسؤول لتجربة القانون والانتخابات. صيغ قوانين الانتخاب ليست واحدة من اثنين (نسبي/اكثري)، بل ثمة صيغ أخرى ركيزتها الدوائر الانتخابية ودور الدائرة محوري في التركيبة المجتمعية في لبنان، اضافة الى صيغ تأهيل وسواها. نزوة القانون المتشابك بين النسبي والاكثري الذي أتى على حساب الشأنين السياسي والوطني مرّت بسلام. لكن في انتخابات "الولايات اللبنانية المتحدة"، لا بد من مراجعة وجردة حساب.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
الملف: انتخابات
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
الانتخابات المقبلة وضعف النقاش السياسي في المغرب - لحسن حداد
الفلسطينيون يترقبون ترشح البرغوثي لمعركة الرئاسة
النظام الانتخابي في وظائفه ومفاعيله السياسية - فريد الخازن
حول شرعية الانتخابات اللبنانية - منى فياض
الجزائر كنموذج يخشى اختطافه - روزانا بومنصف
ولاية خامسة لبوتفليقة أو الفوضى!- رندة تقي الدين
"هيئة الإشراف" تُعاين في تقريرها "جروح" الانتخابات - رضوان عقيل
البحرين: أول رئيسة منتخبة للبرلمان - سوسن الشاعر
أسوأ المجالس البلدية - علي القاسمي
«انتخابات شو!» - مشرق عباس
«التطابق» لا ينزه الانتخابات - مشرق عباس
العراق: تدارك أزمة الانتخابات - مشرق عباس
حول اعادة صوغ «الكتلة الأكبر» - مشرق عباس
الاستبداد الناعم - عبد الحسين شعبان
الممتنعون عن الاقتراع في الانتخابات النيابية من يمثلهم؟ - جورج ابرهيم طربيه
الانتخابات تنهِك العراق بمزيد من الأزمات - كامران قره داغي
«تقبيطة الكيا»! - مشرق عباس
العلمانيون واليساريون بعد الانتخابات (اللبنانية): صِفْر - طلال خواجة
البرلمان اللبناني الجديد: الأكثريات التي انتخبت رؤساء جمهورية ليسوا منها - أسعد الخوري
البلوكات البرية بعد البحرية - فريد الخازن
الانتخابات العراقية تفتح ملف الصراع مع نظام طهران - خالد غزال
انتخابات الكومبارس مقابل سياسة الهامش في لبنان - سامر فرنجيّة
بدائل لا نصيب لها من اسمها - حسام عيتاني
عن يوم أحد أجريت فيه انتخابات نيابية في لبنان - سامر فرنجيّة
انتخابات لبنان لا طائل منها؟ أنطوان قربان
الانتخابات في لبنان والعراق ذات النتائج المعروفة - مرزوق الحلبي
ولي الفقيه العراقي - حازم الأمين
الانتخابات: عندما يصبح دراكولا بابا نويل - جهاد الزين
المشهد غداة الانتخابات اللبنانية - حسام عيتاني
خلفياتُ زّج النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في بازار الإنتخابات اللبنانية - مي الصايغ
الانتخابات اللبنانية «النووية» - وليد شقير
مدينتا بيروت: دُمّلةُ ما بعد الانتخابات - جهاد الزين
انتخابات العراق ولبنان ومآلات الصراع في الشرق الأوسط - بوتان تحسين
«الشعب» أسوأ من مرشحيه - حازم الأمين
أنا المغترب، من أنتخب؟
علي الأمين واللائحة وإعلامنا - حازم صاغية
انتخابات فولكلورية لقانون النسبية سليم نصار
كساد فكرة التغيير في لبنان - حسام عيتاني
حول قانون العدد وما يُرجّحه في انتخابات 2018 - أحمد بعلبكي
اللجنة الأوروبية إذا شاءت، لا الدولة، هي مرجعية الانتخابات - جهاد الزين
نحتاج 161704 أشخاص لمراقبة اقتراع 82000 مغترب! - طنوس فرنسيس
الانتخابات العراقية: جيوش إلكترونية ومزاد لشراء أصوات الناخبين
إلى لجنة الرقابة الأوروبية على الانتخابات اللبنانية:كيف ستواجهين عمليات التزوير؟ - جهاد الزين
دفاعاً عن «الخرزة الزرقاء» - حازم الامين
لبنان 2018: ما الجدوى من الانتخابات العامة؟ - جوزيف مايلا
مقاطعة الانتخابات: الداخل والخارج - حازم صاغية
ماذا بعد الانتخابات المصرية؟ - مأمون فندي
انتخابات بلا معنى ولا فاعليّة - حازم صاغية
انتخابات لبنانية في رداء حرب أهلية - خالد غزال
الاستابلشمنت اللبناني المشوَّه والمشوِّه - أنطوان قربان
صاعقة الانتخابات - محمد صلاح
العراق: انتخابات أم مزاد علني للبيع والشراء؟ - حميد الكفائي
الانتخابات النيابية ترفع وتيرة التصعيد بين أهل الحكم - خالد غزال
الانتخابات اللبنانية:الزبائنية لحشد التأييد سامي عطاالله - زينة الحلو
مسودة قراءة في الانتخابات اللبنانية - منى الخوري
الانتخابات وقانونها: "الولايات اللبنانية المتحدة" - فريد الخازن
أداة تأديبية تدعى الانتخابات النيابية في لبنان - سامر فرنجيّة
مراجعة متأخّرة لمقاطعة 92 المسيحيّة - حازم صاغية
ورثة الطوائف في الانتخابات اللبنانية - حازم الامين
هل سيكون للرأي العام من تأثير في الانتخابات المقبلة؟ - منى فياض
دعوة إلى مقاطعة الانتخابات غير «المدنية» في لبنان - حازم الامين
حرب أم انتخابات في لبنان؟ - حازم صاغية
الأحلام الانتخابيّة للمجتمع المدني في لبنان - حسام عيتاني
انتخابات الرئاسة المصرية: تعظيم المشاركة عبر الفتاوى الدينيّة - كرم سعيد
الاستحقاق العراقي: انتخابات إشكالية ومشكلات بنيوية على وقع انقسامات جديدة - عبدالباسط سيدا
المشاركة في انتخابات الرئاسة على قمة تحديات السلطة المصرية
البلديات تعيد رسم المشهد المغربي - محمد الأشهب
«العدالة والتنمية» يستعد للانتخابات التشريعية - محمد الأشهب
استمالة الناخبين - محمد الأشهب
الانتخابات البلدية في المغرب - محمد الأشهب
محطة الانتخابات البلدية في المغرب - محمد الأشهب
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة