الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ٥, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية

الملف: انتخابات
الانتخابات: عندما يصبح دراكولا بابا نويل - جهاد الزين
دلّت التخاطبات خلال الحملات الانتخابية على أن مواقع النفوذ الرئيسية في النظام السياسي اللبناني لا تشعر بأي حرج خاص عندما تتحدث عن خطر الانهيار الاقتصادي للبنان. لا بل هي من فرط قدرتها على أخذ مسافة عنه ، تهدّد به كأحد أبرز أسلحتها التحاججية.  

هذا يضعنا أمام حالة سياسية سيئة جدا: وهي أن الانهيار الاقتصادي ليس سلاحا ضد الطبقة السياسية التي أوصلتنا إلى مشارفه فسادا وهدرا وعجزاً.

لذلك علينا أن نتخيّل الموقف فيما لو حصل هذا الانهيار: سيعني ذلك مزيداً من سيطرة هذه القوى على مجتمعاتها.

وهذه وضعية مفترَضة تنسف كل نظرية انهيار الحكم المسؤول عن الانهيار. خلال الحرب الأهلية وفي الثمانينات تحديدا عندما بدأ الانهيار المالي ازداد تحكّم الميليشيات ببيئاتها لأن المجتمع ضعف أي استُضْعِف بينما هي استحكمت وتحكّمت بفقره وخوفه من فقره. أتذكّر كانت تلك فترة لم تعد الميليشيات تخجل أنها تعامل الناس كـ"شحادين": توزيع معونات غذائية في كل المناطق وتحويل مراكز الميليشيات إلى مراكز "رعاية اجتماعية".

كانت تلك حقبة تحوّل فيها دراكولا إلى بابا نويل.

لذلك وكيساري في تلك الأيام تبين لي وأنا أراقب تحولات الثمانينات أنها عينة على فشل افتراض ماركسي أن الفقر يولّد الثورة.

الفقر بل الإفقار في الحالة اللبنانية، وفي حالات أخرى، ليس محرك التغيير. لذلك لو راقبنا العديد من التجارب منها الراهنة، أمكن لنا مثلاً أن نلاحظ أن ثورة ميدان التحرير في مصر ليست ثورة طبقة فقيرة معدمة وإنما ثورة نخبة شبابية من الطبقة الوسطى. شعار الحريات السياسية لا يرفعه الفقراء بل الشبعانون. حتى في تونس التي انبنى الوهج الدعائي لانطلاقة ثورتها الريادية عام 2010 على رواية إحراق البوعزيزي لنفسه احتجاجا على منعه من تحصيل لقمة العيش ولو عبر مخالفته القانون كما تراه سيدة شرطية صغيرة الموقع، لم تكن ثورة جياع بل ثورة طبقة وسطى تريد الحريات السياسية ضد نظام بوليسي. ها هي اليوم الثورة التونسية التي قدّمت ولا تزال نموذجاً رائعا للتطور الديموقراطي وخصوصا في مجال استيعاب بل تحجيم القوى الأصولية الدينية... هاهي تتخبّط بشكل خطِر أمام تفاقم الأزمة الاقتصادية حتى بما يهدد معنى التغيير السياسي الذي أصبح في تونس هو الأسلم عربيا قياسا بانحرافات وتشوهات معارضات "الربيع العربي" الأخرى.

أنا شخصيا لم أهتم بالانتخابات اللبنانية إلا بشكل جزئي. الجزء "الجزئي" من اهتمامي لا يشمل التفاصيل التنافسية (حيث هناك تنافس) وإنما "كليات" التنافس. هل من قوى جديدة فعلا؟ هل من ضغط بنّاء على الطبقة السياسية باتجاه إنقاذنا من خطر الانهيار الاقتصادي بسبب سياسات مالية صنَعَتْها هي، وفساد مكشوف ارتكبته هي، وعدم كفاءة إدارية اقترفتها هي، خلال تحاججاتها الطائفية بين جمهور طائفي جدا.

الوقاحة لدى البعض، وهو بعض طائفي مناطقي متنافس مع بعضه في مناطق طائفية أخرى، تجعل أسلوب القوى الشابة غير المتورطة (والهامشية انتخابيا عموما رغم ديناميكيتها) أسلوبا عاجزا عن الإحراج الفعال لقوى مهيمنة. أحد رؤساء الميليشيات الرئيسية السابقة يتحدث بإصرار عن "بناء الدولة"، رئيس آخر لميليشيا حالية كبيرة يعد بخطة استراتيجية لمكافحة الفساد، رئيس فريق كبير يربط بين وجوده السياسي وبين الازدهار، على الأقل في "مناطقه"ووو.... هؤلاء وغيرهم الجواب "البايخ" من فرط صحته عنهم: أنتم في قلب السلطة التي صنعت هذا "الإفلاس".

أتمنى أن يكون مؤتمر سيدر قد وضَعَ لبنان تحت وصاية دولية مباشرة في المجال الاقتصادي، بل أحلم أن يكون هذا المؤتمر وضَعَنا تحت "انتداب فرنسي اقتصادي" سيكون ضمانة لعدم الانهيار وبالتالي المزيد من تحكّم هؤلاء المجرَّبين المحليين بحياتنا.

مرة أخرى قد تنتقل ذات يوم بعد الانتخابات من رتبة مواطن إلى رتبة شحّاذ، لكنْ دون ذكاء الشحّاذين "الأصيلين".

في هذه الحالة إذا لم تأتِ صندوقة الاقتراع بالتغيير، على الأقل بالمحاسبة، فإن صندوقة القمامة أجدى منها، لا بل "أنظف" سياسيا لأن ما كشفته هذه الصندوقة (القمامة) في السنتين الأخيرتين كان واحدة من أكبر عمليات الفضح والتحريض السياسيّين في تاريخ الجمهورية اللبنانية. لكن كل ذلك توقف عند الصندوقة الثانية؟؟!


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
الملف: انتخابات
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
الانتخابات المقبلة وضعف النقاش السياسي في المغرب - لحسن حداد
الفلسطينيون يترقبون ترشح البرغوثي لمعركة الرئاسة
النظام الانتخابي في وظائفه ومفاعيله السياسية - فريد الخازن
حول شرعية الانتخابات اللبنانية - منى فياض
الجزائر كنموذج يخشى اختطافه - روزانا بومنصف
ولاية خامسة لبوتفليقة أو الفوضى!- رندة تقي الدين
"هيئة الإشراف" تُعاين في تقريرها "جروح" الانتخابات - رضوان عقيل
البحرين: أول رئيسة منتخبة للبرلمان - سوسن الشاعر
أسوأ المجالس البلدية - علي القاسمي
«انتخابات شو!» - مشرق عباس
«التطابق» لا ينزه الانتخابات - مشرق عباس
العراق: تدارك أزمة الانتخابات - مشرق عباس
حول اعادة صوغ «الكتلة الأكبر» - مشرق عباس
الاستبداد الناعم - عبد الحسين شعبان
الممتنعون عن الاقتراع في الانتخابات النيابية من يمثلهم؟ - جورج ابرهيم طربيه
الانتخابات تنهِك العراق بمزيد من الأزمات - كامران قره داغي
«تقبيطة الكيا»! - مشرق عباس
العلمانيون واليساريون بعد الانتخابات (اللبنانية): صِفْر - طلال خواجة
البرلمان اللبناني الجديد: الأكثريات التي انتخبت رؤساء جمهورية ليسوا منها - أسعد الخوري
البلوكات البرية بعد البحرية - فريد الخازن
الانتخابات العراقية تفتح ملف الصراع مع نظام طهران - خالد غزال
انتخابات الكومبارس مقابل سياسة الهامش في لبنان - سامر فرنجيّة
بدائل لا نصيب لها من اسمها - حسام عيتاني
عن يوم أحد أجريت فيه انتخابات نيابية في لبنان - سامر فرنجيّة
قانون الانتخاب تشابك الاسوأ بين النسبي والاكثري - فريد الخازن
انتخابات لبنان لا طائل منها؟ أنطوان قربان
الانتخابات في لبنان والعراق ذات النتائج المعروفة - مرزوق الحلبي
ولي الفقيه العراقي - حازم الأمين
المشهد غداة الانتخابات اللبنانية - حسام عيتاني
خلفياتُ زّج النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في بازار الإنتخابات اللبنانية - مي الصايغ
الانتخابات اللبنانية «النووية» - وليد شقير
مدينتا بيروت: دُمّلةُ ما بعد الانتخابات - جهاد الزين
انتخابات العراق ولبنان ومآلات الصراع في الشرق الأوسط - بوتان تحسين
«الشعب» أسوأ من مرشحيه - حازم الأمين
أنا المغترب، من أنتخب؟
علي الأمين واللائحة وإعلامنا - حازم صاغية
انتخابات فولكلورية لقانون النسبية سليم نصار
كساد فكرة التغيير في لبنان - حسام عيتاني
حول قانون العدد وما يُرجّحه في انتخابات 2018 - أحمد بعلبكي
اللجنة الأوروبية إذا شاءت، لا الدولة، هي مرجعية الانتخابات - جهاد الزين
نحتاج 161704 أشخاص لمراقبة اقتراع 82000 مغترب! - طنوس فرنسيس
الانتخابات العراقية: جيوش إلكترونية ومزاد لشراء أصوات الناخبين
إلى لجنة الرقابة الأوروبية على الانتخابات اللبنانية:كيف ستواجهين عمليات التزوير؟ - جهاد الزين
دفاعاً عن «الخرزة الزرقاء» - حازم الامين
لبنان 2018: ما الجدوى من الانتخابات العامة؟ - جوزيف مايلا
مقاطعة الانتخابات: الداخل والخارج - حازم صاغية
ماذا بعد الانتخابات المصرية؟ - مأمون فندي
انتخابات بلا معنى ولا فاعليّة - حازم صاغية
انتخابات لبنانية في رداء حرب أهلية - خالد غزال
الاستابلشمنت اللبناني المشوَّه والمشوِّه - أنطوان قربان
صاعقة الانتخابات - محمد صلاح
العراق: انتخابات أم مزاد علني للبيع والشراء؟ - حميد الكفائي
الانتخابات النيابية ترفع وتيرة التصعيد بين أهل الحكم - خالد غزال
الانتخابات اللبنانية:الزبائنية لحشد التأييد سامي عطاالله - زينة الحلو
مسودة قراءة في الانتخابات اللبنانية - منى الخوري
الانتخابات وقانونها: "الولايات اللبنانية المتحدة" - فريد الخازن
أداة تأديبية تدعى الانتخابات النيابية في لبنان - سامر فرنجيّة
مراجعة متأخّرة لمقاطعة 92 المسيحيّة - حازم صاغية
ورثة الطوائف في الانتخابات اللبنانية - حازم الامين
هل سيكون للرأي العام من تأثير في الانتخابات المقبلة؟ - منى فياض
دعوة إلى مقاطعة الانتخابات غير «المدنية» في لبنان - حازم الامين
حرب أم انتخابات في لبنان؟ - حازم صاغية
الأحلام الانتخابيّة للمجتمع المدني في لبنان - حسام عيتاني
انتخابات الرئاسة المصرية: تعظيم المشاركة عبر الفتاوى الدينيّة - كرم سعيد
الاستحقاق العراقي: انتخابات إشكالية ومشكلات بنيوية على وقع انقسامات جديدة - عبدالباسط سيدا
المشاركة في انتخابات الرئاسة على قمة تحديات السلطة المصرية
البلديات تعيد رسم المشهد المغربي - محمد الأشهب
«العدالة والتنمية» يستعد للانتخابات التشريعية - محمد الأشهب
استمالة الناخبين - محمد الأشهب
الانتخابات البلدية في المغرب - محمد الأشهب
محطة الانتخابات البلدية في المغرب - محمد الأشهب
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة