الجمعه ٢٢ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٢١, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
الحلف الثلاثي - محمد سيد رصاص
تكرر تركيا أردوغان في فترة 2016- 2018 ما كانته مصر عبدالناصر في فترة 1954- 1955: الانزياح من الغرب إلى الشرق يقود مجمل اللوحة الإقليمية إلى التبدل، حيث أدى رفض عبدالناصر في اتفاقية الجلاء البريطاني عن منطقة السويس في خريف 1954، تضمين الاتفاقية انخراط القاهرة في حلف دولي- إقليمي بالشرق الأوسط مربوط بحلف الأطلسي يشكل استمراراً لمشروع «دفاع الشرق الأوسط» المطروح عام 1951، إلى دفع بريطانيا إلى إنشاء (حلف بغداد) مع العراق وتركيا في ربيع 1955 وهو ما دفع عبدالناصر بالمقابل للانزياح شرقاً نحو موسكو في أيلول (سبتمبر) 1955، الأمر الذي قاد إلى حربي 1956 و1967 وإلى تغيرات داخلية (الوحدة السورية- المصرية عام 1958) وإلى انقلابات عسكرية (بغداد 14 تموز 1958- صنعاء 26 أيلول 1962) جاءت كلها على وقع المحاور الدولية- الإقليمية المتجابهة نتيجة الانزياح المصري.

هنا يمكن تسجيل نتائج الانزياح الأردوغاني في العامين الماضيين والبادئ قبل ثلاثة أسابيع من محاولة الانقلاب العسكرية التركية في 15 تموز (يوليو) 2016 ثم المتسارع بعدها: قاد التعاون الروسي- التركي في الساحة السورية إلى إنشاء شريط حدودي تركي بين جرابلس والباب- سقوط شرق حلب من أيدي المعارضة المسلحة- مسار آستانة الذي سحب الملف الأمني من مسار جنيف- مؤتمر سوتشي السوري الذي أخذ السلة الدستورية عملياً من مسار جنيف، أو حدد حركية الأخير من حيث إسقاط سلة الانتقال السياسي لجعل الانتقال السياسي يتم من خلال ممري الدستور والانتخابات وليس من خلال هيئة حكم انتقالية- سقوط عفرين بيد أنقرة، وبالتالي وصل شريط جرابلس الباب مع إدلب بواسطة ممر عفرين- التسهيل التركي لسقوط الغوطة الشرقية من خلال تنظيمي «فيلق الرحمن» و «أحرار الشام».

عملياً كان ثمن التقارب التركي- الروسي هو تخلي أنقرة عن دعم المعارضة السورية، بشقيها المدني والعسكري، وانحصار الاهتمام التركي بالملف الكردي السوري، وهو ما مهد الطريق إلى حلف ثلاثي روسي- تركي- إيراني كانت تلاقياته وأساساته الأولى في الساحة السورية، وهو ما عبّرت عنه قمة سوتشي الثلاثية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، وإن كانت تقاربات أنقرة- طهران قد ظهرت في الشهر السابق في العراق عندما جرت العملية العسكرية في كركوك ضد مسعود بارزاني وعطلت نتائج ومفاعيل استفتاء 25 أيلول (سبتمبر) 2017. عبرت (كركوك) عن تلاقي موسكو مع الثنائي الإيراني- التركي تجاه الملف الكردي في عموم المنطقة، وعندما جرت العملية التركية في عفرين بعد ثلاثة أشهر من عملية كركوك كان الحلف الثلاثي حاضراً رغم بعض اللفظيات الإيرانية المعاكسة.

كان من نتائج هذا الحلف الثلاثي ابتعاد موسكو عن أكراد سورية بعد أن كانت هناك منافسة أميركية- روسية على كسبهم في فترة 2015- 2017. هنا، يمكن تسجيل أن نشوء التعاون الروسي- التركي في الساحة السورية جعل موسكو في وضع متفوق سورياً، وهو ما ترافق في عام 2017 مع انفراط التعاون الأميركي- الروسي الذي كان منذ عام 2013 في عهد أوباما وأنتج «جنيف2» و «الدخول العسكري الروسي إلى سورية» و «بياني فيينا» و «القرار 2254» و «جنيف3» و «اتفاقية كيري- لافروف للتنسيق العسكري- الأمني في 9 أيلول 2016». هذا الانفراط على الأرجح هو الذي جعل واشنطن تزيد تعاونها مع الأكراد السوريين حتى تمكينهم من الاستحواذ على شرق الفرات الذي تشكل القوات الكردية فيه واجهة سورية لأميركا. وعملياً، وإذا أردنا الدقة، فإن الوجود الأميركي في شرق الفرات هو موجه ضد موسكو أولاً، للقول إن هناك ثنائية أميركية- روسية في الملف السوري وليس استفراداً روسياً كان مقبولاً لدى باراك أوباما، وموجّه ضد تركيا من خلال تنظيم كردي سوري هو امتداد لحزب عبدالله أوجلان، وموجّه ضد طهران في محاولة القطع الأميركي لخط طهران- بغداد- دمشق- بيروت.

يلاحظ هنا أن مفاعيل الحلف الثلاثي تتجاوز العراق وسورية لتصل إلى اليمن حيث يتخوّل مراقبون من ابتعاد موسكو عن السياسة التسهيلية التي تم التعبير عنها من خلال الموافقة الروسية على القرار 2216 الذي يشرعن عملية التحالف العربي في 26 مارس 2015 ضد الحوثيين ويعترف بشرعية سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي.

يلاحظ بأن الحلف الثلاثي لم يكن ممكناً أن يبنى على الثنائي الروسي- الإيراني ولا أن يأخذ الزخم والفعالية في الساحات الملتهبة بالشرق الأوسط ولا في عموم الإقليم، بل هو أخذ القوام والزخم والفعالية من خلال وجود أنقرة بجانب موسكو وطهران. الأتراك هم الذين يعطون الدينامية لهذا الحلف، الذي انبنى عملياً على افتراق أميركي- روسي في عهد ترامب وتباعد تركي- أميركي منذ عام 2013 وعلى تجابهية أميركية- إيرانية تنخرط فيها إدارة ترامب المتجهة نحو نقض الاتفاق النووي مع طهران وباتجاه نزع أو تحجيم النفوذ الإقليمي الإيراني. لهذا كله يمكن القول إن هذا الحلف متين ويمكن أن يكون غير قصير المدى، ومن المحتمل أن يتجه نحو استقطابات باتجاه باكستان والسودان، وهو سيتلاقى حتماً مع الصين.

وبالتزامن مع هذا الحلف الثلاثي في عملية تشكله، بدأ تشكل تقارب خاص أميركي- خليجي منذ زيارة الرئيس ترامب إلى الرياض في أيار (مايو) 2017. كانت أولى مفاعيله استيعاب مصر بعيداً من موسكو وحسم تردداتها تجاه طهران، ويبدو أن التقارب التركي- الإيراني قد أقنع القاهرة المهجوسة بالمجابهة مع «الإخوان المسلمين» بذلك. هناك انخراط مصري ضد الحوثيين لم يكن فعّالاً في عهد أوباما وابتعاد مصري مستجد عن طهران.

كتركيز للمشهد، يلفت النظر تزعّم واشنطن وموسكو لفريقين متجابهين في منطقة الشرق الأوسط. ليس صدفة حديث ترامب عن أجواء تدهورية تذكر بالحرب الباردة، وهو ما أكده السفير الروسي في الأمم المتحدة. حاولت القاهرة أن تكون على مسافة متساوية بين واشنطن وموسكو ولم تستطع. الوحيد الآن، وهذه مفارقة يجب دراستها، الذي هو على مسافة متساوية من دونالد ترامب وفلاديمير بوتين هو بنيامين نتانياهو. المجابهة الأولى بين الفريقين بدأت الآن وتجري حالياً من خلال التصعيد الأميركي في الملف السوري بذريعة «كيماوي دوما»، هذه المجابهة، أو التصعيد، ليست موجهة أساساً ضد السلطة السورية بل مرمى النيران الأميركية فيها هو الكرملين.

* كاتب سوري


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة