|
التاريخ: نيسان ١٧, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | | | الملف: انتخابات |
|
إلى لجنة الرقابة الأوروبية على الانتخابات اللبنانية:كيف ستواجهين عمليات التزوير؟ - جهاد الزين |
سأستعيد بدايةً بعضَ المقاربة السياسية لتاريخ الانتخابات النيابية بعد اتفاق الطائف وهذا ضروري لفهم الوضع الراهن في انتخابات 2018 في تشابهاته واختلافاته:
لم تحصل انتخابات في لبنان بالمعنى الفعلي أعوام 1992 و1996 و2000. كل تلك "الدورات" أدارها غازي كنعان مباشرة وحيث بدا أن بعض النتائج الفردية المحدودة ستفلت من يده غيّرها بالقوة وبسهولة.
عام 2005 لم تحصل انتخابات في مناطق كل من الأكثرية الديموغرافية الشيعية والسنية والدرزية بسبب سيطرة الأحزاب الطائفية، لا المرجعية السورية، الكاسحة (مد شعبي+ هيمنة ميليشياوية) على مراكز الاقتراع. حصلت فقط تلك الانتخابات في دوائر الأكثرية المسيحية ونسبيا في مناطق الكتل الطائفية المتعددة بسبب "توازن الأرض" والرقابة الشديدة للأطراف والأفراد المتنوعين على أقلام الاقتراع وليس رقابة الدولة مما سمح بنتائج حقيقية.
عام 2009 لم تحصل الانتخابات في دوائر الأكثرية الديموغرافية الشيعية "المقفَلة" ومعظم الدوائر السنية والمناطق "المقفلة" الدرزية داخل الدوائر للأسباب الحزبية الميليشياوية نفسها. حصلت الانتخابات فقط في الدوائر المسيحية ربما باستثناء حالة أو حالتين فرديتين "شهيرتين" ومنسيّتين!
لا أتحدث هنا عن ما قبل يوم الاقتراع. فالتفوق المالي الدعائي التلفزيوني التعبوي الأمني السلطوي هو في هذا التقييم جزءٌ من "التفوق" المقبول في ثقافة المجتمع اللبناني. أتحدث فقط عن يوم الاقتراع، صناديق الاقتراع "الساقطة عسكرياً" وإذا كانت هناك استثناءات فليس لدى الشيعة وإنما محدودة لدى السنة مثل مدينة صيدا حيث التوازن على الأرض بين جماعة آل الحريري وجماعة أسامة سعد يسمح باقتراع لا يمكن التلاعب التقني المكشوف فيه. وهذا الشرط عموما توفّر عند المسيحيين في انتخابات 2005 و2009. مهما كانت ميول السلطة من يمكنه اللعب بـ"نزاهة" الاقتراع وحسبان النتائج بوجود "توازن رعب" بين عائلات زغرتا أو بشري أو تنوع قوى وهيئات وشخصيات الأشرفية وجبيل وكسروان وغيرها؟ بالمنطق اللبناني تأتي "الديموقراطية" من علاقات القوة حين تتوازن رقابتها في الشارع ومن ضمنها صناديق الاقتراع. وحين لا تتوفر فالدولة عاجزة عن الحماية. سأعطي توصيفا واحدا: لكي يمكن احتساب شعبية شخصية أو فريق يجب أن يكون "حاميا لساحته" بالسلاح المكشوف أو الردعي غير المكشوف وليس مستندا على الدولة.... وإلا فلن تظهر هذه الشعبية.
ها نحن في انتخابات 2018:
الجديد الرئيسي من الزاوية الشارعية هو انفتاح الحالة السنية وعودة التنوع - التفتّت بعد مركزية حريرية طويلة. الحالة الشيعية لا تزال هي هي. سيطرة مطلقة في الجنوب مع بعض الإحراج المستجد نتيجة مسرح التكوين العشائري للبقاع الشمالي. هناك جيل جديد كامل من النواب الحزبيين لدى الشيعة مستمر منذ العام 1992 لم يعرف الانتخابات بمعناها التنافسي الفعلي حتى اليوم بسبب كثافة الغلبة التنظيمية الأمنية الشعبية السلطوية الأيديولوجية والتحريمية للحزبين اللذين ينتمي إليهما... ولا يريد أن يعرف، لا فقط بسبب ما تعوّد عليه من استسهال الفوز بل بسبب حجم الارتباط بمشروع إقليمي هائل ليس لديه ترف الوقت للسماح بالتنوع الشيعي في البرلمان والسلطة. لكن في الطوائف الأخرى كان هناك جيل مشابه لهذا الجيل الشيعي الذي لا يعرف الانتخابات إلا كتزكية حتى العام 2005. بعدها كان هناك جيل سني درزي مشابه إلى العام 2009.
سننتظر إذن اليوم 2018 رقابة شارعية للمرة الأولى على الانتخابات منذ ما بعد الطائف في بعض المناطق تشبه الرقابة التي يؤدي إليها التنوع الكثيف والصحي في الحالة المسيحية. في ظل هذه الصورة، وفي ظل تركيز النقاش حتى الآن على القانون والتحالفات السياسية يجري إهمال جانب آخر لم نسمع أو نقرأ عن آليات التدقيق فيه ما عدا بعض الترويج الإعلامي الرسمي غير الكافي. لهذا هناك أسئلة لا بد من توجيهها إلى لجنة الرقابة التي أرسلها الاتحاد الأوروبي من منطلق الرغبة الواسعة في تضييق شروط أي تلاعب:
1- من سيضمن سلامة المواكبة الإلكترونية للفرز اليدوي؟
2- هل من بحث جارٍ عن احتمالات تلاعب كومبيوتري ومخابراتي رفيع المستوى "الديجيتالي"؟
3- قديما كان يجري خلال عملية نقل الصناديق من بعض مراكز الاقتراع إلى المركز المركزي إبدال صناديق بأوراق محضّرة سلفا، فما هي ضوابط منع هذا النوع من التزوير في ظل القانون الجديد أخْذا بعين الاعتبار أن هذا القانون سيحدث حالة من الحاجة الملحة لا فقط لنسبة التصويت على اللوائح و"الصوت التفضيلي" بل أيضا وربما أساسا نسب الاقتراع التي ستقرر الحاصل الانتخابي في كل دائرة؟
4- من يضمن عدم وجود مراكز اقتراع وهمية مجهزة سلفا مع أصواتها وهي عملية تختلف عن إبدال صناديق الاقتراع؟
5- وقبل ذلك، السؤال التقليدي: من يضمن سلامة الوصول والدخول إلى بعض مراكز الاقتراع؟
6- هل تعطينا لجنة الرقابة الأوروبية فكرة عن مدى قدرتها على المراقبة الجزئية أو الشاملة أو عن محدودية قدراتها الرقابية؟ المطلوب إعطاء هذه الفكرة قبل يوم الانتخابات وليس فقط بعدها حين تصبح التقارير الرقابية نوعا من النعي المهذب لضحايا العملية الانتخابية السياسية؟
على لجنة الرقابة الأوروبية أن تعرف من زاوية بعض الخلفيات المهمة أن جهاتٍ رئيسيّةً في الطبقة السياسية اللبنانية مَنعتْ عمليا إقرارَ وتنفيذَ "البطاقة الممغنطة" التي لا غنى عنها لاقتراع الناخب في مكان إقامته ولو على أساس المنطقة الأصلية التي يأتي منها، لأن هذه البطاقة قادرة على تحرير أجزاء هامة من المجتمع من ضغط التصويت في مناطق الجهات المسيطرة على الارض. والطريف أن بعض هذه الجهات مهتاجة لإعطاء أولوية لمراقبة اقتراع الـ82 ألف لبناني الذين تسجّلوا في الخارج لأن هذه العملية تحمل شيئا من إمكان تحرر أو استقلالية الكثيرين وإن كانت فعاليتها محدودة جدا في العملية الشاملة ولكنّ رمزية إفلاتها من القبضة ستكون كبيرة فيما لو سُمح لها بذلك.
بمعزل عن الممارسات القائمة على الهيمنة في الشارع والدولة، لا شك أن الحياة السياسية تستكمل مع هذا القانون الانتخابي الجديد ظاهرةَ تقليص دور السياسيين الفرديين من ما يسمى تقليديا الزعماء الفرديين لصالح تقدم القوى الحزبية.
وفي انتخابات 2018 تتقابل ظاهرتان:
ظاهرةُ تقدّمِ الأحزاب السياسية لدى المسيحيين على غرار الأحزاب في الطوائف الأخرى وفي الوقت نفسه، يؤدّي تراجعُ "المركزية" الحريرية السنية، حتى لو بقيت الحزب السني الأول، إلى عودة التنوّع في المدن والأرياف السنية ومعها حضور سياسيين أفراد قدماء وجدد. إلا أنه لا يمكن جوهريا تجاهل أن الظاهرة الأقوى هي تقدم الأحزاب رغم كل الصيت السيئ للعمل الحزبي وتواريخ قياداته في الوعي الشعبي اللبناني.
رئيسة وأعضاء لجنة الرقابة الأوروبية:
ليست مهمتكم طبعا التصدي لاختلالات بنيوية في الحياة السياسية اللبنانية ولكن دورا حقيقيا في الرقابة على الانتخابات وفي كشف التجاوزات والمتجاوزين سيساعد على إصلاح ما في وضع لبناني يقوم على معادلة: دولة مهترئة وبلد مهم جدا. |
|
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
| |
|