|
التاريخ: آذار ٣٠, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | | | الملف: انتخابات |
|
انتخابات لبنانية في رداء حرب أهلية - خالد غزال |
بعد إقفال موعد تسجيل اللوائح، تكون المعارك الانتخابية اللبنانية قد انجلت لجهة التحالفات والمرشحين، لتفتح المجال لمرحلة جديدة من معركة انتخابية لا شبيه لها في التاريخ اللبناني. خلافاً لقوانين انتخابية سابقة، اعتمد القانون الحالي قاعدة النسبية المستندة الى لوائح مقفلة، بحيث يستحيل على المواطن اختيار الاسم الذي سيقترع له، ليس من لائحة واحدة أو أكثر. عليه اليوم الاقتراع للائحة بكاملها، رغب بذلك أم لم يرغب. والجديد في القانون هو اعتماد الصوت التفضيلي الذي يختار المقترع مرشحاً واحداً من اللائحة ويضع إشارة على اسمه، وهو صوت سيرجح نجاح من يناله قياساً على سائر المرشحين.
هللت القوى السياسية للقانون عند وضعه واعتبرته فتحا في تاريخ الحياة النيابية، لتكتشف، جميعها، أن القانون بعد وضعه في التطبيق هو فخ لجميع القوى السياسية، وقد وصفه البعض بانه قانون «قايين وهابيل» اي الأخوة الأعداء. فالقانون افتتح عهده بإطلاق الصراع بين أعضاء اللائحة الواحدة أولاً، لأن كل مرشح يضمر الغدر بحليفه من أجل نيل الصوت التفضيلي. كما أن القانون خلط الأوراق والتحالفات، بحيث بدت هجينة وعجيبة، يتفق هذا الطرف مع الآخر في منطقة معينة، ثم يتحولان أخصاماً واعداء في منطقة اخرى، بحيث لم يخطئ من وصف هذه الانتخابات بـ «العصفورية» أي مستشفى المجانين.
عند تشبيه هذه الانتخابات بحرب أهلية، فلا يعني ذلك ان السلاح قد امتشق من القوى وبدأ إطلاق النار. هذا وجه من وجوه الحرب الأهلية. لكن الحرب الأهلية تبدأ أولاً بالكلام، بالتعبئة السياسية وبشحن النفوس بالعداوات والأحقاد. بهذا المعنى، فإن الحرب الأهلية الانتخابية قد بدأت فعلاً، ومن المتوقع تصاعدها في الأيام المتبقية من الانتخابات. هذا لن يمنع أن تشهد بعض التفلت العسكري وانفلات الأمور بشكل غير متوقع.
تتعدد مظاهر الحرب الأهلية الكلامية وتشهد ابداعات وابتكارات في التوصيف والتعبئة المضادة. عاد البلد الى انقسامات حادة بين قواه، وإلى اتهامات يطلقها كل واحد على الآخر، مستعيدا تلك المرحلة التي جرى تقسيم الشعب اللبناني الى خونة وعملاء، بحيث تطال التهمة نفسها كلا المعسكرين المتخاصمين. أول الأمثلة المبكرة في التوصيف تلك التي اطلقها حزب الله عبر أمينه العام وسائر قادته، بأن كل من يخوض المعركة ضد الحزب هو مناصر للإرهاب ومعاد للمقاومة وصولاً إلى تلميحات بالعمالة لإسرائيل. أثار هذا الموقف ردود فعل مستنكرة حاول الأمين العام تلطيفها، فكان أن أكد هذا الاتهام. في المقابل، اعتبر تيار المستقبل أن معركته المركزية هي ضد حزب الله، ومن أجل ذلك كان لا بد له من شد العصب الطائفي المذهبي السني، طمعا في تكتيل الاصوات لمصلحة لوائحه، وهو تحريض مارسه التيار حتى في مناطق لا يوجد لحزب الله فيها مرشحون. لم يخجل أحد قادة التيار وهو وزير في الحكومة من إطلاق صفة «الأوباش» على الذين لا يتوافقون مع تيار المستقبل.
في المقلب الطائفي المسيحي، يتفنن رئيس التيار الوطني وزير الخارجية في تسعير التحريض الطائفي، على أساس أن هذه المعركة ستكون الفاصلة في استعادة المسيحية السياسية للصلاحيات التي خسرها. يتوزع التحريض الطائفي والعنصري لدى رئيس التيار من التعبئة ضد الطوائف الإسلامية، إلى شتم النازحين السوريين، واستعادة فزاعة التوطين الفسطيني والسوري، بهدف تخويف المسيحيين من الآتي عليهم، وليقول لهم إن خلاصهم هو بانتخاب مرشحي التيار. مقابل ذلك، تندلع حرب أهلية داخل الطائفة المسيحية، تبد من حلفاء الأمس بين «الأخوة الأعداء»، أي «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية»، وصولاً إلى المعركة المفتوحة مع «تيار المردة». الأسلحة الكلامية مرتفعة النبرة هنا، من تعابير الخائن والعميل والانتهازي والفاسد والمرتشي وتاجر المخدرات وغيرها من الأوصاف «الجميلة» التي تليق حقاً بهذه المعركة الانتخابية.
يضاف إلى كل هذه « المناظر» منظر سعي الوصاية السورية أن تكون لها حصتها في المجلس القادم. ولأن هذه الوصاية ما تزال تحتفظ بولاء كتل سياسية وشعبية واسعة، فقد أمكن لها فرض عدد من المرشحين الرموز والكاملي الولاء لها في أكثر من دائرة.
أما القديم الجديد في المعركة فهو استخدام المال في شراء الاصوات. من يدقق في اللوائح في معظم الدوائر، يجد فيها واحدا او اكثر من أصحاب الملايين، الذين دخلوا اللوائح، ليس لكفاءتهم السياسية أو لومقعهم الشعبي، بل من اجل تمويل اللائحة لشراء الأصوات. في مرات سابقة كان السعر الأعلى لا يتجاوز المايتي دولار للصوت، أما الآن فيجري التداول بسعر يصل إلى حدود ألفي دولار للصوت الواحد.
وسط كل هذه المعمعة، ضاع المجتمع المدني وممثلوه وذهبوا «فراطة». لم يستطيعوا الإفادة من معركة سياسية لتجميع القوى والتكتل في لوائح يمكن لها أن تنال أصوات وازنة، بدت لا سياسيتها قاتلة، واندفع كثيرون ليجدوا لهم مقعداً لدى أركان الطوائف. ومثلهم كانت حال القوى الديموقراطية التي لا تجد مكاناً لها بين الطوائف وأحزاب السلطة، فعجزت أيضاً عن الإفادة من هذه المعركة لتجميع القوى.
* كاتب لبناني |
|
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
| |
|