|
التاريخ: آذار ٧, ٢٠١٨ | المصدر: the network | | | |
|
إيكولوجيا الديمقراطية - دايفيد ماثيوس |
كيف تكون لنا يدٌ أقوى في رسم مستقبلنا؟ |
تصدير الترجمة العربية للكتاب بقلم د. زياد ماجد
يتابع دايفيد ماثيوس في هذا الكتاب بحثه في شؤون الديمقراطية وسُبل المواطنين الى تدعيمها ومواجهة آثار تراجعها وانخفاض المشاركة في ما تُتيحه من مسارات وخياراتٍ واختيارات.
وماثيوس، رئيس منظمة "كيترينغ" حالياً، سياسي أميركي مستقلّ سابق تولّى وزارة "التعليم والصحة والرعاية" في حكومة جيرالد فورد، وترأّس لسنوات جامعة آلاباما ودرّس التاريخ فيها، قبل أن يتفرّغ للكتابة والإشراف على برامج بحثية تركّز على السياسة والديمقراطية وإعادة تعريفهما وبناء تجاربهما انطلاقاً من التداول والتفكير المواطني المشترك.
السياسة انطلاقاً من الحيّز العام
يحتلّ "الحيّز العام" في عمل ماثيوس حول السياسة والديمقراطية موقعاً محورياً. فتراجع الحضور المواطني في هذا الحيّز، وتقلّص اهتمام الناس بالشأن العام واعتبارهم إيّاه حكراً على السياسيّين المحترفين أو اختصاصاً حكوميّاً، مسألتان تلخّصان جوانب عدّة من أزمة الديمقراطية التي تعيشها المجتمعات الغربية، ولا سيّما المجتمع الأميركي، منذ عقود. يُضاف الى ذلك أن المصاعب الاقتصادية وتراجع فرص العمل وارتفاع كلفة الرعاية الصحية وعودة الكثير من النزعات العنصرية تجعل الشأن العام منفّراً ومُقلقاً لأكثرية المواطنين، وكأنه خارج أي نطاق تأثير شعبي فعلي.
من هنا، يعمد ماثيوس عبر استعراض حالات عملية وتجارب أميركية محلّية حول قضايا محدّدة، وتحليلها، الى إظهار قدرة الناس على العمل معاً والمشاركة السياسية في مواضع تُؤثّر على حياتهم اليومية، خدماتياً وبيئياً واقتصادياً وتعليمياً، من دون الحاجة الى انتظار القرارات الصادرة عن الحكومة الفدرالية أو عن مؤسسات الدولة الكبرى. وهذا يمنح الديمقراطية فرصاً لإعادة تكوين نفسها من أسفل، داخل الأحياء والبلدات والجماعات والجامعات والثانويّات وسواها من مساحات "الحيّز العام"، بما يجعلها ثقافة حياة وعملاً يومياً لا تبدّده إحباطاتٌ من الأحزاب أو المسؤولين الحكوميّين أو الأجسام السياسية "الوطنية" الكبرى.
الديمقراطية التداولية والمقايضات والمسؤولية المواطنية
تُظَهّر الأمثلة والتجارب الفردية والجماعية الكثيرة المشار إليها في نصّ ماثيوس صورةً عن الديناميّات والمبادرات واللقاءات المواطنية القائمة في مئات المدن والبلدات على امتداد الخارطة الأميركية. وللتنويه، فإن المنهجية المُعتمدة في كثرة من الأنشطة هذه، هي منهجية طوّرتها منظمّة "كيترينغ" على مدى عقود، وتعرّفها بأنها منهجية "التداول والخيارات". وهي إذ تركّز على الأفراد العاملين في مؤسّسات المجتمع المدني أو مبادراته، لا تستثني أولئك الممثّلين للسلطات، محاولةً بذلك بناء جسور بين المجموعات والأفراد المستقلّين وصانعي القرار بمستوياته المتعدّدة.
وتقوم منهجية "التداول والخيارات" على دعوة المواطنين والمواطنات في لقاءات عامة الى التحاور حول قضايا تمسّ حياتهم اليومية، والبحث أوّلاً في ما يعدّونه الأهمّ فيها والأكثر تأثيراً عليهم وِفقاً لاعتباراتهم وقيَمهم ومصالحهم المختلفة، وأحياناً المتناقضة؛ ثم البحث ثانياً في الخيارات التي يمكن اعتمادها لمواجهة الآثار والتحدّيات الناجمة عن إشكاليات القضايا المذكورة؛ والبحث أخيراً في المقايضات الممكن إجراؤها عند اعتماد الخيارات للوصول الى النتائج المتوخّاة.
بهذا، تعرّف اللقاءات المواطنية والمبادرات المرتبطة بها السياسةَ بوصفها اتخاذ الناس لقرارات وخيارات مبنيّة على معرفة وعلى فهم للمصالح والقيم، وعلى تسويات تُحيل الى الأولويات والإمكانيّات والى ما ينبغي أن تجري متابعته لاحقاً. كلّ ذلك ضمن أطر محلية ووسط جماعات لا تنتظر أن تأتيها الحلول من "الخارج"، ولا ترى في الاتّكال على الحكومة أو على سلطات الولاية أو المحلّة ما سيُنهي بالضرورة مشاكلها أو يحدّ منها.
وإذا كان الشأن المحلّي أو الجماعاتي في الولايات المتّحدة يبدو متقدّماً على ما سواه في التجارب المعروضة، ففي الأمر ما يمكن تفسيره بالإحالة الى النظام الفدرالي، والى ضخامة البلاد واستحالة التعامل مع شؤون وطنية على النحو نفسه في مختلف أرجائها. والأهم ربما، في كونه مرتبطاً بتراث أميركي قديم بنت فيه جماعات تجاربها الخاصة قبل أن تقرّر التوحّد ضمن الإطار الوطني وفق منطق شديد اللامركزية. وهي إذ توحّدت وأعلت شأن "القيَم" الجامعة، أبقت في الوقت عينه على تمايزاتها وجهويّاتها وبعض مكوّنات هويّاتها كمنطلقات وشروط للعيش معاً والقبول المتبادل بالاختلاف والتنوّع.
أميركا في صوَر داخلها
غالباً ما تبدو الولايات المتّحدة الأميركية من الخارج قوّة هيمنة كونية، وكتلةً سياسية متراصّة بنظامٍ يتيح حرّيات فردية وعامة واسعة للمواطنين، لكن بتأثير محدود منهم على صناعة القرار في واشنطن وآلياته أو على سياسات كتل الضغط "اللوبي" الحاسمة فيه وتوجّهاتها.
وإذا كان جانب من الصورة هذه صحيحاً لجهة سياسة أميركا الخارجية وقدرتها العالية على التأثير في العلاقات الدولية والتدخّل في شؤون الدول والمنظومات، أو لجهة نفوذ كتل الضغط وسلطة وسائل الإعلام داخلها، فإن جوانب عدّة تبقى مغلوطة أو مختَزلة أو تبسيطية لديناميات مجتمعٍ غنيّة ومتنوّعة.
ومن الأمثلة المقدّمة في هذا الكتاب، كما من أمثلة ومتابعات غيرها سبق لدايفيد ماثيوس أن قدّمها وحلّلها في كتبه السابقة (وتُرجم منها الى العربية كتابه "السياسة للشعب"، المركز اللبناني للدراسات، بيروت، 1997)، ثمة صوَر مختلفة للداخل الأميركي تتكوّن، فيوفّر تكاملها فهماً أدقّ لبلادٍ تتدفّق الحيوية المواطنية فيها رغم الأزمات والتناقضات الصارخة، ورغم المآلات الانتخابية وما قد ينجم عنها من مفاجآت في الكثير من الأحيان. وهي حيويّة يمكن في أيّ حال الاستفادة منها ودراستها وتشجيع ما يُشبهها في بلدان أُخرى.
منظمة كيترينغ والشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
على هامش ما ذُكر وربطاً به، يفيد ذكر تجارب عربية اعتمدت منهجية اللقاءات التداولية التي طوّرتها منظمة "كيترينغ" والتي يستقي ماثيوس من خبرتها الأميركية ومن تقييم تطوّرها الكثير من الخلاصات.
فبعد تجربة لبنانية تلت الحرب الأهلية واستلهمت من برامج "كيترينغ" ما سمح لها بتنظيم عشرات اللقاءات المواطنية للتداول بقضايا البيئة والطائفية وحقوق المرأة والنظام الصحي (بين العامين 1994 و1998)، تمأسس عمل عربي ابتداءً من العام 2007 ضمن "الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية"، بهدف تنظيم لقاءات تداول شعبي مشابهة في كلّ من الأردن واليمن والبحرين ومصر والجزائر والمغرب (إضافة الى لبنان). فجرى العمل على قضايا المشاركة السياسية وإصلاح النظم الانتخابية والبيئة والبطالة. ثم توسّع العمل بعد الثورات العربية العام 2011 وانضم الى فريقه أو تعاون معه باحثون وباحثات من تونس وسوريا، وواكبت "الشبكة" عبر مؤتمراتها وإصداراتها الثورات وما أحدثته من تحوّلات سياسية ومجتمعية وثقافية، وما نجم عن اصطدامها بالثورات المضادة من صراعات وتصدّعات.
وبإصدار هذا الكتاب، تستكمل "الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية" تعاونها مع منظمة "كيترينغ" وتقدّم الى القارئات والقرّاء العرب، المعنيّين بالأسئلة المتعلّقة بالتجارب الديمقراطية وبأدوار المجتمعات المدنية فيها، نموذجاً يربط الحالات الدراسية الميدانية بنظريات "المشاركة السياسية" وأشكال تطويرها وتحصينها.
وتتوجّه "الشبكة" بالشكر الى الأستاذ مصطفى الجرف الذي ترجم نصّ هذا الكتاب من الإنكليزية بدقّة وأمانة، والى الزميل الأستاذ نزيه درويش الذي أشرف مع فريق عمل "دار شرق الكتاب" على إعداده للطباعة والنشر.
|
أضغط هنا لتنزيل النص الكامل للكتاب بالعربية |
|
|