|
التاريخ: آذار ٢٢, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | | | الملف: انتخابات |
|
الاستابلشمنت اللبناني المشوَّه والمشوِّه - أنطوان قربان |
يريد الإستابلشمنت أن يدفعنا إلى الاعتقاد أن كل معارضة للاقتراع النسبي، الذي يفرضه القانون الانتخابي الجديد، هي مؤشر عن رفض الحداثة. فليطمئن الإستابلشمنت. انتقاد هذا القانون واجبٌ يُمليه حسّ المواطنة وكذلك الأخلاق. إنه قانون منحَط. فهو يمنع القوى المتنافسة، ما عدا الثنائي "أمل-حزب الله"، من عرض برنامج على الناخبين، في غياب الرؤية، بما يتيح لهم الاختيار بين لائحة أو أخرى في الدوائر حيث يقترعون.
يعود نظام القائمة النسبية ذو الحاصل الأكبر أو الكسر الأكبر، إلى القرن التاسع عشر. وقد كانت بلجيكا أول بلد يعتمده. وهي تحرص، منذ البداية، على تجنّب اللوائح المغلقة عبر السماح للناخب بالإدلاء بصوت تفضيلي للعديد من المرشحين، وليس لمرشح واحد. أما القانون اللبناني فيُرغِم الناخب على اختيار قائمة ائتلافية تمثّل دائرة "مفبرَكة" ظرفياً.
وعلى الناخب نفسه، أن يُدلي، في إطار اللائحة نفسها، بصوتٍ تفضيلي لمرشّح واحد يتنافس على أحد المقاعد "الطائفية"، ليس وفقاً للدائرة الانتخابية "المفبرَكة"، إنما وفقاً للوحدة الإدارية الأصغر، أي القضاء.
كل مَن وُهِب عقلاً يدرك أن الانتماء إلى لائحة في الدائرة الانتخابية يندرج، في هذه الحالة، في إطار الانتهازية الخالصة. فالغاية القصوى لكل مرشح هي أن يتمكّن من الفوز بهذا المقعد الطائفي أو ذاك في القضاء.
من الواضح أن الصوت التفضيلي الوحيد، في قلب اللائحة، يولّد تلقائياً روحاً من المنافسة بين أعضاء الائتلاف نفسه، ويحول تالياً دون أن يكون هناك تضامن وتماسك بين مكوّنات اللائحة. بعبارة أخرى، تضعنا هذه الخدعة من جديد أمام المشروع القديم لما يُسمّى بـ"اللقاء الأرثوذكسي"، الذي كان انحطاطه موضع شجبٍ شديد وعالي النبرة في ذلك الوقت، وكأننا أمام الطبق نفسه بعد إعادة تسخينه. لقد انتُقِد مشروع القانون المذكور لما يترتّب عنه من عواقب وخيمة على وحدة الشعب والمساواة بين المواطنين. فمشروع "اللقاء الأرثوذكسي" يُشظّي الشعب اللبناني إلى مجموعات طائفية صغيرة، ويؤدّي إلى انغلاق كل واحدة منها، ليس في المساحة العامة المشتركة، إنما في غيتو انعزالي. وهذا الانحطاط يُنقَل اليوم، بطريقة غادرة ومنحرفة، من المستوى الوطني إلى مستوى الدائرة الانتخابية. يُجهِز الصوت التفضيلي، المحصور بالقضاء، على تماسك اللوائح الائتلافية، ويحول دون تمكّنها من وضع برنامج سياسي بحدّه الأدنى. فالمرشحون على لائحة واحدة محكومون بخوض منافسة شرسة في ما بينهم.
ابتكر فيكتور كونسيدران الاقتراع النسبي عام 1846 من أجل إتاحة المجال أمام إنشاء أحزاب سياسية على المستوى الوطني، والحد، قدر الإمكان، من وزن القوى التقليدية أو الإقطاعية في الحياة السياسية. القانون اللبناني الراهن بعيدٌ عن تحقيق هذا الهدف. لا بل يساهم في تكريس هذه التقاليد، حتى لو كان يُتيح انضمام بعض الوجوه الجديدة إلى الندوة البرلمانية. لقد أدرك الإستابلشمنت جيداً الفرصة المتاحة له من أجل إعادة إنتاج نفسه. يكفي أن نلقي نظرة على بورتريهات "الورَثة" الذين تقتصر مؤهّلاتهم الوحيدة على أنهم خرجوا من أحشاء الوالدة ويحملون شهرة الوالد.
هل حُسِمت اللعبة مسبقاً؟ يؤكّد المراقبون أن أسماء 75 نائباً من أصل 128 معروفة عملياً. يمكن توصيف المشهد السياسي الذي سيبصر النور في أعقاب انتخابات 6 أيار، بأنه النجاح الناجز للانقلاب الدائم الذي يقوده "حزب الله" منذ عام 2005. فما لم يتمكّن الحزب من تحقيقه من طريق الاغتيالات، ونشر الرعب، وشلّ مدينة بيروت والمؤسسات، والحرب ضد إسرائيل عام 2006، قد ينجح في تحقيقه، بطريقة قانونية، عام 2018، من خلال قانون انتخابي منحَط من شأنه أن يُسلّمه، في حال لم تقع أي مفاجأة، مقاليد الدولة اللبنانية بطريقة شرعية.
لا فائدة من التوقف عند التقسيم الفضائحي للدوائر الانتخابية. لقد قُسِمت العاصمة، كما في مرحلة الحرب الأهلية، بين شرقيةٍ وغربية. ماذا عسانا نقول عن غرائب تقسيمات أخرى تساهم أكثر فأكثر في إمعان الثنائي "أمل - حزب الله" في اختطاف الطائفة الشيعية. وماذا عسانا نقول أيضاً عن الإمكانية المتاحة أمام مرشّحي "حزب الله" للإنفاق انطلاقاً من حساب تديره الدولة، وليس من خلال حساب مصرفي خاص، وفق ما ينص عليه القانون.
يتساءل المواطن لمَن يمنح صوته، في غياب برامج انتخابية حقيقية. فما نراه هو مجرد شعارات كل واحدٍ منها أشدّ تفاهة من الآخر. يتحالف هذا الفريق مع ذاك في دائرة معيّنة، إنما يخوضان منافسة ضارية في دائرة أخرى. يشعر المرء بالغثيان أمام هذا المشهد.
ماذا ينبغي على المواطن أن يفعل في يوم الانتخابات؟ كيف له أن يعبّر عن خياره، ووفقاً لأي معايير؟ إما يمتنع عن وضع علامة في أي واحدة من الخانات، فتُحتسَب ورقة بيضاء. وإما يتجنّب الفخ ويُدلي بصوت تفضيلي لصالح المرشّح الذي تتعارض مواقفه بوضوح مع التسوية السياسية الوقحة الراهنة التي تقبل بسيطرة "حزب الله" على الدولة اللبنانية. أياً يكن من أمر، فإن المعركة السياسية الحقيقية، غير الموجودة اليوم، ستبدأ اعتباراً من 7 أيار المقبل.
أستاذ في الجامعة اليسوعية.
ترجمة نسرين ناضر عن الفرنسية |
|
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
| |
|