|
التاريخ: آذار ١٨, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | | | الملف: انتخابات |
|
العراق: انتخابات أم مزاد علني للبيع والشراء؟ - حميد الكفائي |
الارتباك الذي تعانيه الساحة السياسية العراقية حالياً له مبرراته، فالطبقة السياسية لديها ما يبرر خوفها وارتباكها من نتائج الانتخابات المقبلة، ليس خوفاً من فقدان المناصب والامتيازات فحسب بل من الملاحقة القانونية على ما ارتكبته من مخالفات في حال تولي حكومة من لون سياسي آخر الحكم.
وقد بدأ هذا الهلع يدب في الجسد السياسي العراقي منذ ٢٠١٧، عندما انهار «المجلس الأعلى» وتخلى عنه حتى رئيسه، عمار الحكيم، وهي حالة فريدة في التاريخ السياسي، فالانشقاقات عادة ما يقودها متذمرون من القائد، ولم يحصل أن انشق قائد عن حزبه وأسس حزباً جديداً باسم عائلته! وتبع انشقاق الحكيم هروب محافظ البصرة، ماجد النصراوي، المنتمي إلى «المجلس الأعلى» والمقرب من الحكيم، بعد اتهامه بالفساد خلال حكمه أغنى المحافظات العراقية، ثم اتهام محافظ بغداد السابق، صلاح عبد الرزاق، بالفساد وفصله من حزب الدعوة.
«المجلس الأعلى» (ومشتقاته) ما زال مرتبكاً هلِعاً، فقد انضم أعضاؤه المؤسسون إلى قائمة «الفتح» التي يقودها حليفهم السابق هادي العامري، زعيم «منظمة بدر» («فيلق بدر» سابقاً). ولأن العامري يعتمد على سجله في محاربة «داعش» فهو يحظى ببعض التأييد، فهناك كثيرون يعزون النصر إلى «الحشد الشعبي» الذي قاده العامري، على رغم أن الجيش هو الذي حقق النصر الفعلي بينما كان دور الحشد سانداً.
أما «تيار الحكمة» فما زال يتخبط فهو لم يفلح في التحالف مع قائمة «النصر» بقيادة حيدر العبادي الذي رفض إعطاءه مواقع قيادية خشية أن يتضرر انتخابياً.
«حزب الدعوة» هو الآخر يتخبط بزعيمين لم يتمكنا من الاتفاق حتى على خوض الانتخابات بقائمة واحدة، إذ أصر المالكي على البقاء زعيماً للحزب والقائمة، بينما أصر الآخرون على قيادة العبادي لهما، فاضطر الحزب لأن يدخل في قائمتين يدعي المالكي أنهما «ليستا مختلفتين سياسياً» لكنه «إجراء انتخابي لكسب الأصوات»! والسؤال المطروح هو إن كانت القائمتان متفقتين ولا فرق بينهما، فلماذا لا تتوحدان؟ ثم ما المقصود بـ «الإجراء الانتخابي»؟ هل هو لخداع الناخب بأن هناك قائمتين منفصلتين لكنهما في الحقيقة قائمة واحدة؟ أم أن هناك اختلافات جوهرية مؤجلة بين القائمتين لا يرغب الطرفان الإفصاح عنها كي لا يتضررا انتخابياً؟
ستتمكن القائمتان من «التوحد» لاحقاً بالاستعانة بفتوى المحكمة الاتحادية لعام ٢٠١٠ بجواز عقد التحالفات السياسية بعد الانتخابات، وهو رأي مخالف لمقاصد الانتخابات، لكنه سوف يمكّن الخصوم من احتكار رئاسة الوزراء بينهم.
ما زال هناك مؤيدون للخط السياسي الذي يمثله إياد علاوي، على رغم الجمود الفكري والسياسي الذي يتميز به حزبه، فلا أفكار أو وجوه جديدة، باستثناء انضمام سارة علاوي إلى حزب أبيها وهو تطور مثير للإعجاب، فسارة شابة ذكية وطموحة، لكنها تحتاج إلى الانخراط في المجتمع أولاً كي تبرهن على قدراتها وجدارتها السياسية. لكن الأوساط العلمانية والقومية التي يمثلها علاوي ما زالت تستهجن تحالفه مع الإسلامي سليم الجبوري وتعتبره تخبطاً سياسياً أو امتثالاً لإرادة خارجية.
ويمتد التخبط إلى كردستان إذ لا توجد قائمة متماسكة معبرة حقاً عن تطلعات الشعب الكردي. فبعد فشل برزاني في تحقيق طموحه بإقامة الدولة، الذي مزق الوحدة الكردية، تفتت حزب «يكتي» ولم يعد لاعباً أساسياً كما كان أيام مؤسسه جلال طالباني... وحتى حركة «گوران» لم تعد متماسكة إذ رشحت إحدى أبرز نوابها، سروة عبد الواحد، مع قائمة «النصر» عن بغداد، لكنها عادت وانسحبت منها لسبب غير معلن.
لم ترتق قائمة «النصر» إلى طموح مؤيدي العبادي وداعميه إذ خلت تماماً من الأسماء المعروفة سياسياً أو ثقافياً، أو حتى أصحاب السجل في محاربة الفساد الذي رفع العبادي لواء مكافحته منذ توليه السلطة. ولا يكاد المرء يتعرف إلى أحد من الأسماء باستثناء عباس البياتي الذي ترك كركوك هارباً إلى بغداد والذي اجترح سابقاً فكرة «استنساخ المالكي» باعتباره شخصية فذة لا يجود التاريخ بمثلها. وآخر «إبداعاته» أنه شبّه القوائم الشيعية الخمس بـ «أصحاب الكساء» وهم النبي وآل بيته!
أما وجود محمود الحسن في قائمة العبادي فهو مثلبة تؤاخذ عليها، فهذا الرجل لا يتمتع بأي صدقية أو شعبية في الشارع ولم يصل البرلمان بالانتخاب بل عبر «إهداء» المالكي مقعداً تعويضياً له. وفي انتخابات ٢٠١٤ وزع الحسن سندات عقارية مجانية على الفقراء في البصرة، مشترطاً تصويتهم للمالكي، وقد دانته مفوضية الانتخابات «المستقلة» وغرمته على فعلته تلك، المخالفة للقانون والذوق والأخلاق، وكان عليها أن تمنعه من الترشح كلياً وتحيله إلى القضاء.
أما الوزراء «التكنوقراط» فبرهن بعضهم على أنه سياسي في الخفاء وليس تكنوقراطاً حقيقياً، إذ أخذ «يتسوق» بين القوائم الانتخابية علّه يظفر بمقعد برلماني يقيه الملاحقة القانونية التي قد تطاوله لسوء أدائه وانصياعه لأوامر زعيم الكتلة الذي أتى به إلى المنصب. يستثنى منهم وزيرا الموارد المائية، حسن الجنابي، والتعليم العالي والبحث العلمي، عبد الرزاق العيسى، اللذان صمدا أمام إغراءات السياسة وحافظا على نقاء المهمة التي جاءا إلى الحكومة من أجلها وهي الإصلاح بعيداً من الانحياز الحزبي. الوزير الذي انضم إلى الحكومة كتكنوقراط لكنه رشح في الانتخابات لا يستحق التأييد لأنه خدع الناس بإخفائه انحيازه السياسي.
الملاحظ في هذه الانتخابات هروب السياسيين من مناطقهم إلى بغداد علّهم يظفرون ببعض الأصوات في ساحة بغداد المليونية! وتخلي هؤلاء عن مناطقهم هو اعتراف منهم بالفشل، إذ أدركوا أن ناخبيهم الأصليين لن يصوتوا لهم فلجأوا إلى بغداد التي تضم ٨ ملايين نسمة. لكن هذه الحيلة لن تنطلي على معظم البغداديين الذين بدأوا يتساءلون: لماذا تخلى المالكي عن كربلاء ووائل عبد اللطيف عن البصرة وعبد الحسين عبطان عن النجف وهادي العامري عن الكوت وعباس البياتي عن كركوك؟! من يرشح عن بغداد يجب أن يكون منسجماً مع ثقافتها ومزاجها، لا أن يسعى إلى تغيير ملامحها بفرض ثقافة غريبة عليها.
وبدلاً من أن تتحول القوائم الانتخابية إلى مجالات للتنافس على خدمة الناس عبر برامج سياسية واقتصادية مدروسة أصبحت مزادات علنية يدخل إليها المرشحون وسرعان ما يتخلون عنها منتقلين إلى قوائم أخرى منافسة لها. |
|
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
| |
|