الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ١٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
بعد سبعة أعوام على الثورة السورية ... لماذا هذا المصير الدرامي؟ - إبراهيم اليوسف
لا يزال بعضهم يحكم على الثورة السورية، من خلال النتائج التي آلت إليها، وجاء أكثرها طبقاً لما تشدق به أكثر من ممثل للنظام السوري، في ما يخص هويتها، وطبيعتها، وتوسيع دائرتها، إن لم تتوقف، وغير ذلك، إذ يرى كثيرون أن النظام كسب الرهان، من دون إدراك مسائل عديدة، في مطلعها تأخر توقيت انطلاقتها الرسمية بعيد أكثر من ثورة عربية، وإطالة أمدها، الاضطراري اللاحق، ناهيك باحتضانها من قبل تركيا، وأسلمتها، بل إن أكثر من غدوا واجهاتها، وأول المؤسسات التي ادعت تمثيلها كانت أولوياتهم الشخصية قبل أولويات إسقاط النظام وبناء سورية جديدة لكل السوريين، ناهيك بفتح أوتوستراد الترانزيت سواء لهؤلاء الذين لم يكونوا ليختلفوا مع النظام إلا على مكاسبه، وكرسيه، أو آخرين، رأوا بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية- على نحو خاص- أن عصر النظام انتهى، وما عليهم إلا أن يرموا بأنفسهم من مركبته إلى المركبة الأخرى! مركبة المعارضة، لطالما أن تكلفة ذلك ليست إلا الخروج من البلاد مع أفراد أسرة هذا الأنموذج، والظهور عبر أية وسيلة إعلامية: التلفاز-اليوتيوب- الفايسبوك، كمنشقّين عن النظام، كي يتطهروا من آثار السلطة، ويولون الثقة من أولي الأمر الطارئين الذين بدوا يتقبلون المعارضين، وفق موالاتهم الجديدة لأطروحاتهم، وهو ما ظهر في المجالين العسكري الذي لا أحد فيه- أصلاً- من خارج ثقافة النظام، ما عدا استثناءات قليلة، والسياسي الذي كان كل من على سدة المسؤولية، من عداد مسؤولي النظام، وهم شركاؤه في الكثير من الآثام، بل ثمة من لاذ بالخروج عن النظام، لأنه كان مطلوباً منه لقضايا تتعلق بالفساد، أو هرب من أخطار رحى الحرب التي لاحت في الأفق.

مؤكد، أن مثل هذا الحكم لا يمكن أن يعمم، إذ طالما كان هناك من اضطروا لأن يكونوا منتمين إلى حزب البعث، مكرهين، بعد أن أغلق النظام السبل، وثمة من «إستبعث» ليحمي نفسه من بطش النظام، بعد أن زرعت الأجهزة الأمنية عيونها في المدارس، والدوائر، والأحياء، والشوارع، والقرى، وحتى البيوت. إلا أن تساهلاً كبيراً كان يتم في عمليات احتضان هؤلاء من قبل من تنطحوا لقيادة دفة المعارضة- أي الأخوان المسلمين- ومن قبل بالدوران في فلكهم، بعد أن أبدوا ليونة، ومرونة، وسلاسة، في تعاملهم الجديد مع المحيط، ليوهموا أن ثلاثين سنة من ابتعادهم عن سوريا مدنتهم، ناهيك بأن صورة بطش النظام الوحشي بالإخوان المسلمين، استدرجت أوسع تعاطف معهم، بعد أن أقدم النظام على إحراق أخضرهم مع يابسهم، بعيد مجزرة مدرسة المدفعية في حلب في العام 1979.

حقيقة، إن الثورة السورية أطلقت قبل شرارتها الأولى، التي طالما تشير إليها مدونة الثورة، وذلك لأن الشارع السوري بات في حال- انتفاضة- أو ثورة- مبيتتين، قبل إطلاق أية شرارة، وكانت وسائل الإعلام تنتظر الولادة الرسمية لبدء الثورة، بعيد تلك الشرارة التي أطلقها البوعزيزي في تونس أواخر العام 2010، وقد ارتعدت إثر ذلك، أوصال آلة النظام الذي كان ينتظر انتفاضة، أو ثورة، محليتين، في مرحلة ما قبل البوعزيزي، بعد أن أعدَّ استبداده لأدوات اندلاعهما، وامتلأت سجونه بالأحرار، وبات الشارع السوري، من أقصاه إلى أقصاه في حال غليان شديد، نتيجة تدهور حقوق الإنسان، والانتهاكات اليومية التي كانت تتم، ما جعل النظام يشدد قبضته الأمنية، ويجعله معزولاً عن المحيط السوري، وكان كل شيء يدل على أن النظام السوري على وشك السقوط.

هل انتصرت الثورة حقاً

ثمة من ينظر إلى أية انتفاضة، أو ثورة، من خلال النتائج التي آلت إليها، ولعل هذه القاعدة لا تصمد أثناء قراءة الثورة السورية، وذلك لأن أية معرفة بطبيعة النظام الدكتاتوري تجعل ممن واجهه بصدره العاري، مطالباً بإسقاطه، انتصاراً للثورة، أو نجاحاً لها، لاسيما أن ثمة حال هلع، أصيب بها النظام السوري، ولما يزال يعاني منها، وأن هذا النظام كان سقط، لولا أنه يعيش، الآن، بـ»كفالة» دولية، إقليمية، وما كان له أن يصمد أكثر من مجرد أسابيع، بعد أن تصدع جداره الرهيب، وانهار، ناهيك بأن أي مواطن سوري، سواء أكان معارضاً، أم موالياً، بات يدرك هشاشة هذا النظام.

مؤكد، أن لا أحد ممن انخرط في الثورة، السلمية، يريد أن تهدر قطرة دم، إلا أن النظام السوري، راح يستدرك سقوطه المعنوي، أو الرمزي، بعيد إسقاط- تماثيله- من خلال الإقدام على لغة القتل والدمار، وتفريغ سورية من أبنائها، إلى الدرجة التي بات نصف سكان هذا البلد، مهاجرين خارج وطنهم أو داخله، بعد أن غضت النظر الدول الكبرى عن جرائمه، ووقف بعضها إلى جانبه، ليكون العالم بأسره، أمام الدراما السورية العظمى، من دون أن يرف لهذا النظام أي جفن، لا بل إنه راح يسوغ جرائمه هذا، من خلال إعلامه التضليلي الذي غدا موازياً لآلة القتل والدمار الرهيبين.

إن مقولة «قائدنا إلى الأبد» انتهت في سورية، وفي هذا وحده أحد وجوه انتصار الثورة، وهزيمة نظام الأسد وداعميه. إنه انتصار السوريين، وإن كانت ضريبة الدم باهظة، هذه الضريبة التي بدا النظام قادراً على ارتكابها، حتى من دون أية ثورة، إن كان ذلك ثمناً لديمومة عرشه..!

من هنا، إن نجاح الثورة لا يقاس بإنجازها الظفر بكرسي السلطة، ليكون بعض وجوهها بديلين من النظام، بقدر تحقيقها مهمتها بإسقاط ثقافة هذا النظام الدموي، الدكتاتوري. كما أن الانطلاق من حجم التضحيات الأليمة التي تمت- وسببها النظام السوري- لا ينفي هزيمة هذا النظام في عمقه، بل هزيمة الفكر الذي يؤازره، ولا يزال، وهي تضحيات باهظة، تقلل من فحوى أي انتصار على هذا النظام، على عكس ما يروج له- عادة- هؤلاء الذين يسترخصون الإنسان، من أجل إنجاح فكرة، ولو وهمية.

في هوية الثورة

لا يمكن تناول الثورة السورية، إلا من خلال أنها كانت استجابة طبيعية لمطالب أكثر السوريين، ممن عانوا من كابوس نظام حزب البعث في نسخته الأسدية التي استمرت بضعة عقود، ولا تزال تغتصب السلطة، من خلال مساندة بعض القوى الدولية والإقليمية لها. لقد حددت هذه الثورة السلمية، هويتها، في بداياتها، بعيداً عن المزالق التي تم تمريرها خلالها، عبر اختراقها من الداخل، بما يخدم النظام، عندما تمت محاولة تطييفها، أو أسلمتها، أو حتى عسكرتها. إن مجمل هذه الصبغات الطارئة على الثورة، خدمت نظام الطاغية بشار الأسد، على نحو مباشر أو غير مباشر، لأنها دعت إلى تشويه صورة الثورة، وكان في تمادي القوى المتأسلمة في تسمية الجميع بأسماء محددة، مستغلين عفوية الكثير من التجمعات التي تمت أمام أبواب المساجد، وهو ما أسهم في كبح التعاطف الغربي معها.

تتحمل الجهات الإسلاموية، مسؤولية اختراق الثورة، وإضفاء الطابع الديني عليها، على ما تم في أكثر من بلد عربي: تونس- مصر، إذ تمت سرقة الثورة من أصحابها الحقيقيين، وما جرى في مصر لفت انتباه أوساط كثيرة من السوريين الذين انخرطوا في الثورة، ورأوا أنها باتت تعيدهم إلى الوراء، بدلاً من أن تحقق لهم ما ظلوا يحلمون به طويلاً.

من هنا، فإن ما جرى في سورية لم يكن إلا ثورة، قبل أن يتم تحويلها التدريجي، من مساراتها، لتغدو سورية ساحة حرب، وتصفية حسابات لأطراف دولية وعربية كثيرة، كان لكل منها هدفها، من وراء محاولاتها استثمار الثورة، ويمكن الإشارة هنا- بجلاء- إلى من استثمروا تمويل- فصائل الجيش الحر- وإشاعة ظواهر إطالة اللحى، وقتل الأبرياء، على إيقاعات التكبير، ما أدى إلى التباس كبير، حتى لدى أصحاب الخطاب العلماني الذي استسلموا أمام ما فرض عليهم، من قبل الممولين والأخوان المسلمين، الذين كانوا يديرون دفات واجهات الثورة، لا سيما المجلس الوطني- الائتلاف، من خلال استغلال سطوة المضيف التركي لمقارها الافتراضية أو الواقعية.!

سقوط المثقف

لم يعتد كثير من المثقفين السوريين على ممارسة حضورهم، نتيجة تأثير النظام عليهم، إذ إنه لم يكتب للمثقفين فرض رؤيتهم لما يدور في بلدهم، وعلى رغم ولادة أول مؤسسة ثقافية من رحم الثورة، وإعلان انحيازها إلى الثورة، بل انخراطها فيها إلا أن السياسي، الذي تسلم زمام الأمور في واجهات الثورة، همش المثقف، وجعله مسوغاً لسياساته، مستغلاً حماسة هذا الأخير للثورة، ما جعل بعض المثقفين الذين انضموا إلى هذه الواجهات يتناسون دورهم النقدي، لا سيما بعد أن راحوا يرددون في شكل ببغاوي ما يمليه عليهم السياسي، وهو نفسه السياسي الذي استمد شرعيته إما من قبل الممول، أو البلد المضيف!

وأد روح الثورة

بدا الشباب السوري، على امتداد خريطة البلاد وهو يقود تظاهراته التي ترضخ لعنف النظام، تحطيم جدران الرعب، إلا أن هذا الشباب همشته واجهات المعارضة، إما من خلال إفساد بعض رموزه، أو من خلال عزله، في ما إذا خرج على أطروحاته. كما أن من المعروف أن النظام قد بطش، من جهته بالشباب، إما من خلال جعله وقوداً في حربه على السوريين، أومن خلال استهدافه وهدر دمه في الشارع، وفي المعتقلات، وعبر إرغامه على الهجرة.

ولعل أمراً مهماً، لا بد من الانتباه إليه، وهو أن انقطاع جيل كامل من طلبة المدارس والمعاهد والجامعات، ولسبع سنوات متتالية، عن التعليم، سواء أكانوا داخل البلاد أم في دول الجوار أم في المهاجر الأوروبية، كان له تأثيره الكبير، بصفته حرباً أخرى على السوريين، لا سيما إذا علمنا أن طائرات النظام قصفت آلاف المدارس، والمعاهد، أو جعلتها مقاراً لها.

وثمة ظاهرة جد خطيرة لوحظت في فضاء الثورة السورية، وهي تفكك المؤسسة السياسية ذات الحضور السابق، إلى جانب تفريخ آلاف الجمعيات والمؤسسات والأحزاب، إذ عمل بعضها ليكون مجرد-سوبرماركت- لتسول أشكال التمويل- أستثني هنا تلك الجمعيات الإغاثية وسواها التي عملت بتفان ونظافة ضمير وأيد- إذ إن- ماكنات- هذه الواجهات فرخت بعض الكتل، والتيارات الجديدة، بغرض تمثيلها، وهي بمثابة فروع تعود إلى جذع واحد، ولقد سعى البعض لتأمين مؤتمرات عاجلة، في هذه العاصمة، أو المدينة، أو تلك، يتم خلالها توجيه دعوات لبعضهم، باستغلال حماسهم للثورة، أو جمع من أدمنوا حضور المؤتمرات المتناقضة ما دام أنه يستطيع تأمين كلفة نقل، وحجز فندقي وغير ذلك، ليمرر مسؤول هذه المؤسسة الوليدة تطويب اسمه، وحاشيته ليكونوا أعضاء في هذه الواجهات، يتكسبون من خلالها.

ولابد من الإشارة هنا، إلى أنه لم يتم تشويه الحزب السياسي، وحده، على أيدي بعض ممتهني تجارة المكاسب، وإنما تم تشويه صورة المجتمع المدني، لا سيما بعد تعويم بعض الأسماء، من قبل الوزارات والسفارات العربية والأجنبية، بحيث باتت هذه المؤسسات الوهمية، من دون أية قواعد خارج دوائر المنتفعين منها، وفي هذا خدمة مجانية للنظام وحزبه ومؤسساته، بل إجهاض للعمل المدني الذي كان من الممكن أن نعول عليه..!

الكرد والفيديرالية

بعيداً عن الحديث عن تفاصيل القضية الكردية، أو حتى حدود خريطة كردستان، وبعيداً عن توصيف معاناة الكرد السوريين، من قبل النظام السوري، وتناسخ رؤية أوساط واسعة من المعارضة للقضية الكردية عن رؤية النظام، بل إن من بينهم من بات يبز حزب البعث في موقفه من الكرد، بعد الكثير من المحطات التي مرت بها العلاقة بين الكرد وبقية شركائهم في المكان، لا بد من الاعتراف بأن المعارضة السورية لم تُجِد التعامل مع الكرد الذين شارك شبابهم في الثورة، وانطلقت تظاهرات مناوئة للنظام من مدنهم: قامشلي، عامودا، كوباني، عفرين إلخ. كما أن عدم الاتفاق- كردياً- على مطلب محدد، وصدور بعض التصريحات، والسياسات الخاطئة عن بعض ممثلي المعارضة، في هذا المؤتمر أو ذاك، بل دعم الائتلاف- علناً- لغزو عفرين، أدى إلى تعميق الهوة بين السوريين.!

طمأنة إسرائيل

لقد كانت إسرائيل المستفيد الرئيس، من كل ما جرى في سورية، من دمار وقتل، وذلك ما جعلها تطمئن، إلى أن صورة مرحلة ما بعد الأسد- حارس حدودها مع سورية- باتت واضحة، وهو ما سيجعلها تواصل بناءها الداخلي، ناهيك بممارسة سياساتها المعروفة في المنطقة، لا سيما إن سورية، الجارة، باتت مفككة.

إن ديمومة آلة الحرب في سورية، هي السبيل الوحيد لديمومة استمرار نظام الأسد.

وهنا لا بد من الإشارة ، إلى أنه من المؤكد أن لا مستقبل لنظام الأسد، لكنه من المؤكد أيضاً أن حال الفوضى ستهيمن على امتداد خريطة السوريين، سواء قسمت أم لم تقسم، كما أن المدن والأرياف السورية لابد ستتعرض لانزياحات وتغييرات ديموغرافية هائلة، ناهيك بخسارة سورية لملايين الأسر، بالإضــــافة إلى نزيف العقول، ما يجعلنا أمام بلد، ضعيف، لا يمكن تعافيه، حتى بعد مئة سنة أخرى، بسبب هذه السنوات العجاف التي لما تنته بعد..!

 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة