حازم صاغيّة
الاثنين 27 كانون الأول 2010
لا شكّ في أنّ المساجلة اللبنانيّة حول المحكمة الدوليّة مهمّة جدًّا، وها نحن لا تعوزنا البراهين على ضخامة النتائج التي قد تترتّب على قرارها الظنّيّ سلباً كان أم إيجاباً.
بيد أنّنا إذا ما تجاوزنا ذلك إلى المنطقة العربيّة، بل إلى التاريخ العربيّ الحديث، عثرنا على أهميّة بعيدة المدى للمحكمة وما ترمز إليه، تتعدّى الأهميّة المحليّة. المقصود بذلك أنّ التيّارات الفاعلة في هذه المنطقة كانت دائماً خارجيّة. وهذا ليس مردّه إلى المؤامرات التي تُنسج ضدّنا، على ما يقول التلامذة النجباء للوعي التآمريّ، بل إلى فقدان المجتمعات العربيّة لأيّة ديناميّة تغيير داخليّ.
فلنتذكّر أنّ حكم معمّر القذّافي، مثلاً، مستمرّ منذ 1969، وأنّ البعث يحكم سوريّا منذ 1963، فيما البعث الآخر حكم العراق منذ 1968 ولم ينته عهده إلاّ بسبب الحرب الأميركيّة التي شُنّت في 2003.
وهذا ما يجد عدداً من المرتكزات أبرزها أنّنا دخلنا العالم الحديث مع الحملة الفرنسيّة بقيادة نابوليون أواخر القرن الثامن عشر، وانخرطنا في ما بات يُعرف بـ"النهضة" مع الاحتلال الإنكليزيّ لمصر في 1882. وفي المقابل، بقيت الحساسيّات العريضة لشعوبنا محكومة بنصرة "الأمّة" والدين، ومن ثمّ بمناهضة الغريب وكرهه، وليس بالموضوع الاجتماعي ولا بالمسائل الايديولوجيّة أو قضايا التقدّم والديموقراطيّة. هكذا لم تستطع منطقتنا أن تنتج أحزاباً ليبراليّة قويّة، ولا – حتّى – أحزاباً شيوعيّة قويّة.
فحين صعدت الطوائف والأديان والاثنيّات، في زمن يقظة الهويّات، تبخّرت أحزاب شيوعيّة قويّة كالحزبين السودانيّ والعراقيّ، كما لو كانت قوّتها من نوع اللعب في الوقت الضائع. وهذا معطوفاً إلى أنّ عدداً من الإصلاحات الجزئيّة جدًّا على أصعدة الحريّات والتعليم وحقوق المرأة في بعض البلدان العربيّة تمّ بفعل الضغط الأميركيّ والغربيّ الذي أعقب جريمة 11 أيلول (سبتمبر). فإذا عدنا إلى لبنان وسألنا: ما الذي زال وما الذي بقي من الهبّة التي مثّلتها حركة 14 آذار، وجدنا أنّ ما زال إنّما أزالته الطوائف والزعامات التقليديّة، أي بضاعتنا الداخليّة، وما بقي إنّما أبقاه العنصر الخارجيّ، والمحكمة في طليعة ما بقي.
ولقائل أن يقول إنّ هذا العنصر الأخير ما كان ليفعل فعله لولا ارتكازه على الهبّة الداخليّة، وهذا صحيح بالتأكيد، إلاّ أنّ صحّته لا تلغي قيام تلك الهبّة على فيدراليّة طوائف، لا على جبهة شعبيّة وطنيّة عابرة للطوائف. وحقيقة كتلك تقضي بتوقّع الموسميّة والتقطّع، بل المزاجيّة، في كلّ تحرّك داخليّ. والحال أنّ هذا التكوين التاريخيّ الموروث والمعقّد، الذي هو تكويننا، يُلزم كلّ من يطلب الحرّيّة والتقدّم بأن يعوّل، في التحليل الأخير، على الخارج.
|