|
التاريخ: شباط ٩, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | | | الملف: انتخابات |
|
انتخابات الرئاسة المصرية: تعظيم المشاركة عبر الفتاوى الدينيّة - كرم سعيد |
تأتي الانتخابات الرئاسية في مصر في مناخ مشحون، مع إشارات إلى تصاعد فرص المقاطعة، أو ربما مشاركة ضعيفة، خصوصاً بعد تعطيل ترشّح الفريق سامي عنان، وانسحاب المحامي خالد علي، أول من أعلن نيّته خوض الانتخابات. وازداد المشهد ارتباكاً مع اقتصار المنافسة على الرئيس الحالي، ومنافس لا يحظى بشعبية أو حضور في الوعي الجمعي، وهو ما يجعل العملية الانتخابية أقرب إلى استفتاء على الرئيس عبدالفتاح السيسي. صحيح أن حسم السيسي الانتخابات يبدو أمراً مؤكداً، إلا أن غياب منافسة حقيقية، يفتح الباب أمام صعود توجهات دينية قريبة من السلطة، في محاولة لإقناع الناخب بأهمية المشاركة أو التصويت لمصلحة الرئيس الحالي. وفي هذا السياق، دخلت الفتاوى السياسية على الخط، وعاد الجدل حول العلاقة بين الدين والانتخابات كوسيلة لاختيار الحاكم.
الفتوى الانتخابية في صدارة المشهد المصري مع تأكيد محمد سعيد رسلان، الداعية السلفي، أن «الشرع يقول إن ولي الأمر لا ينازع في مقامه ولا في منصبه ولا ينافس عليه». وأضاف الداعية الذي يندرج في ما يعرف بـ «السلفية المدخلية»، أنه إذا لم يحدث ما ينتقص من أهلية الحاكم فـ «الشرع يقول إن ولي الأمر المسلم لا ينافس على منصبه الذي بوأه الله تعالى إياه».
الأرجح أن فتوى رسلان أشعلت الساحة السياسية في مصر، وتجلى ذلك في سيل التعليقات والتعليقات المضادة على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن رد بعض علماء الأزهر بفتوى مضادة تؤكد أن «الفتوى بتحريم إجراء الانتخابات، هي جهل بتعاليم الدين الإسلامي». وذكر عبدالحليم منصور، أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر، أن «الدين ليس ثابتاً عند فكرة الحكم بالخلافة والبيعة التي كانت مناسبة في عصر ماض، وإنما يتطور ليصبح متمثلاً في الديموقراطية والاقتراع الحر المباشر».
في المقابل، أكدت دار الإفتاء المصرية أن الممتنع عن أداء صوته في الانتخابات الرئاسية المقررة في آذار (مارس) المقبل، آثمٌ شرعاً. كما دعا شوقي علام مفتي الجمهورية، جموع الشعب إلى النزول بـ «كثافة» للمشاركة في العملية الانتخابية؛ لأجل إعطاء رسالة إيجابية للعالم بأن مصر أصبحت قاطرة في ممارسة العملية الانتخابية. وأعلن حزب النور السلفي تأييده ترشح السيسي لولاية رئاسية ثانية، معتبراً إياه «أقدر من يقوم بهذه المهام الجسيمة»، ومشيراً إلى تحسن الوضع الاقتصادي، ومكافحة الإرهاب، و «ترسيخ المرجعية العليا للشريعة الإسلامية في شتى نواحي الحياة».
فتوى رسلان، ليست الأولى له، ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2015، أفتى بأن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية هي فِرقٌ ضالة ومبتدعة، وليست من أهل السنة والجماعة، والانضمام إليها حرام. في المقابل، أفتى الشيخ علي بشاري، ممثل وزارة الأوقاف والأزهر الشريف، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 بتأييد دعوات تطالب السيسي بالترشح لفترة رئاسية ثانية حتى تبقى مصر بلد الإسلام الوسطي. وأعلن المجلس الأعلى للطرق الصوفية، تأييد التيار الصوفي ترشح الرئيس الحالي لفترة رئاسية ثانية. ولم تغرد المؤسسات الدينية القبطية خارج السرب، إذ دعمت الكنيسة الأرثوذكسية، الرمز الجامع للأقباط، حملة «كلنا معاك من أجل مصر»، الداعمة بقاء السيسي في الحكم.
في المقابل، برزت فتاوى مضادة، ترفض ترشح السيسي، بل تطعن في شرعيته كرئيس، منها دعوة يوسف القرضاوي؛ في مطلع أيار (مايو) الماضي إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية 2018، مؤكداً أن «السيسي الذي يعتبر فوزه في هذه الانتخابات شبه مؤكد، استولى على الحكم بالظلم والطغيان»، وأضاف: «السيسي عزل الرئيس الشرعي محمد مرسي».
والأرجح أن التوظيف السياسي للفتوى تبعاً لحالة الانقسام الأيديولوجي والسياسي تحول إلى هوس في مصر، فلا تكاد تصدر فتوى حتى تصدر عشرات الفتاوى المضادة.
وتفجرت الفتاوى السياسية في مصر عشية ما شهدته البلاد في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، فما بين ممانعة للخروج على الحاكم وأخرى داعمة فكرة الرحيل، تم توظيف النصوص والأحكام الدينية لخدمة الأغراض والأهداف السياسية الحزبية الخاصة والضيقة.
وأصبحت سوق الفتاوى السياسية في مصر أكثر رواجاً مع انتخابات العام 2012، خصوصاً في أعقاب الفتوى التي أصدرها القرضاوي، والتي تدعو إلى انتخاب مرسي مؤكداً أنه «سيرضي الله عز وجل»، لتتحول الفتوى بعد عزل مرسي إلى ضرورة مساندة الرئيس الشرعي» محذرة من «غضب الله». وازداد زخم الفتاوى والفتاوى المضادة مع اتجاه الأزهر في إصدار فتوى تؤكد «أن المعارضة السلمية لولي الأمر جائزة شرعاً، وأن العنف والخروج المسلح على الحاكم معصية كبيرة لكنه ليس كفراً».
وقبل أن يتوجه المصريون للتصويت على دستور 2014، اشتعلت سوق الفتاوى الممانعة والمؤيدة الاستفتاء، فبينما أفتى علي جمعة بأن «الله يؤيد كل من يخرج للتصويت بنعم على المسودة، لأنه يعمر الأرض وضد الإلحاد والكفر وتخريب البلاد»؛ وأضاف: «اخرجوا للتصويت بنعم للدستور، وادفعوا بعمالكم ومزارعيكم أمام اللجان الانتخابية»، أفتى القرضاوي بحرمة تأييد ذلك الدستور، ودعا إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في العام نفسه.
قطار الفتاوى الدينية وصل إلى محطة رئاسيات 2018، أملاً بتعظيم نسب مشاركة الهيئة الناخبة. وفي السياق يمكن القول إن الفتوى السياسية التي باتت العنوان الأبرز في الرئاسيات المقبلة، كشفت عن محاولات تديين المشهد الانتخابي لحلحلة المشهد الذي أصبح أكثر ضبابية في ظل إقصاء مرشحين بعينهم، وتراجع آخرين عن إكمال المنافسة الانتخابية.
غير أن بلوغ التعويل على فتاوى دينية للتحايل على ضعف المشاركة المتوقعة، قد لا يساهم كثيراً في تغيير توجهات الهيئة الناخبة، لاعتبارات عدة، أولها تصاعد حال الاستقطاب السياسي والمجتمعي، ودخول المناخ في مصر مرحلة الشحن، وانصراف قطاع واسع من الهيئة الناخبة عن المشاركة السياسية في السنوات الأخيرة. وثانيها تراجع الصورة الذهنية للمؤسسات الدينية الرسمية، وغير الرسمية في الوعي الجمعي المصري، بفعل الفتاوى المؤدلجة.
وراء ذلك، فإن الفتاوى على رغم دورها في تعبئة الناخبين عبر دغدغة المشاعر الدينية، إلا أن الاقتصاد، يمثل في الاستحقاق الرئاسي المقبل المحدد الفاعل في توجهات الهيئة الناخبة التي يبدو أنها ستظل عازفة.
* كاتب مصري. |
|
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
| |
|