لا شك في أن عبارة «فاش نستناو؟» (ماذا ننتظر) التي باتت شعار الحركة الاحتجاجية في تونس، تحمل تفسيرات عدة تتراوح بين «ماذا ننتظر حتى نكافح الفساد؟» و «... حتى نقصي مسؤولين متقاعسين»، وصولاً إلى «ماذا ننتظر حتى نطيح النظام؟». التفسير الأول يخشاه المستفيدون من الطبقة السياسية، أما الأخير فيتمناه الظلاميون والمشاغبون الذين انتظروا اندلاع الاحتجاجات المطلبية فرصة لشن حملة سرقة ونهب للمتاجر وتدمير الممتلكات العامة وإشاعة الفوضى والاضطرابات.
واقع الحال أن غالبية التونسيين، تعي أخطار ضرب الاستقرار بقدر ما تعي عبثية قلب نظام تبيّن أنه سرعان ما يعود إلى صيغته الأساسية ليتبادل رموزه الأدوار بين موال ومعارض. الغالبية وفق ما عبرت عن رأيها في مداخلات سريعة عبر وسائل إعلام محلية وعالمية، تريد توجيه رسالة إلى الحكومة مفادها أنها لم تعد تستطيع مواصلة شد الأحزمة فيما تستفيد قلة من الانتهازيين الذين يدورون في فلك السلطة، من فسادٍ متنامٍ في شكل مضطرد، إلى حد باتت معه الطبقة المتوسطة مهددة بالسحق لتتسع رقعة المعدمين ويتزايد الفارق بين قلة من الأثرياء الميسورين وغالبية من الفقراء المحتاجين.
وسواء كان ذلك مخططاً مدروساً أم لا، فإن من الصعب إقناع التونسيين بأن استهداف الطبقة المتوسطة لا يخفي رغبة في ضرب إنجازات تحققت على صعيد المسار الانتقالي والوفاق الوطني والتطور الاجتماعي، والأمثلة كثيرة من تمكين المرأة وصولاً إلى صون الحريات.
ولا تزال شريحة واسعة في تونس تعتبر أن المشكلات الاقتصادية مفتعلة، وأن ضغوط الدائنين والمؤسسات المالية الدولية، مغرضة، ذلك أنه لا يمكن تحميل الذين يعيشون على الكفاف أساساً، عبء الصبر على إجراءات قاسية لخفض عجز الموازنة وتقليص الديون الخارجية، في مقابل «وعود» بتوفير فرص عمل ومكافحة التضخم وتمويل صناديق التضامن الاجتماعي التي تعاني عجزاً كبيراً.
الغالبية لا تريد إطاحة النظام، لكنها في الوقت ذاته تطالب بتغيير السياسات وأساليب العلاج ولو اقتضى ذلك رفع «بطاقة صفراء»، أو حتى اثنتين، في وجه مسؤولين لم يتوانوا عن زيادة أسعار البنزين ورفع ضريبة القيمة المضافة واقتطاع واحد في المئة من رواتب الموظفين، بعد اجتراح قوانين للاستيراد، أدت إلى ارتفاع أسعار منتجات أساسية محلية كان يعتمد عليها محدودو الدخل في قوتهم اليومي.
ومن دون الأخذ في الاعتبار سنوات تحوّل فيها اقتصاد البلاد إلى ريعي، تخطط الحكومة بإصرار من المؤسسات الدولية، لمكافحة ما يسمى البطالة المقنعة عبر خفض فاتورة رواتب القطاع العام إلى 12.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020. ولو كان ذلك من خلال عمليات تسريح طوعية، فإنه إجراء يرقى إلى عملية جراحية من دون مخدر، مع الأخذ في الاعتبار أن فاتورة رواتب القطاع العام تشكل حالياً نسبة 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
صحيح أن الإصلاحات مطلوبة، لكن مأخذ شريحة واسعة من الشعب على حكومة يوسف الشاهد أن خططه الإصلاحية لا تراعي ما قد ينتج منها من أزمات اجتماعية وسياسية، بما تضمنته من إجراءات تقشفية وضريبية جديدة نتج منها ارتفاع في أسعار مواد أساسية كالبنزين والغاز وخدمات الاتصالات والإنترنت والشاي والقهوة.
سبقت التظاهرة التقليدية لإحياء ذكرى سقوط بن علي اليوم، دعوة الرئيس السبسي إلى مشاورات طارئة بين الأحزاب الشريكة في الحكم، لمناقشة سبل تهدئة الشارع المصرّ على تراجع الحكومة عن بعض تدابيرها، أو تأجيلها، في حين يعي التونسيون أن الذهاب أبعد في الاحتجاجات، دونه أخطار على استقرار البلاد وأمنها الاجتماعي.
|