يقترب عام 2017 من نهايته، لكن لا يبدو أن الصراعات المستعرة في الشرق الأوسط تتبع طريقاً مماثلاً. فحتى الشهر الأخير من العام حمل معه تصعيداً في التوتر. وأكدت هذه السنة المغادرة على أن الأطر القديمة التي كان يفهم فيها الصراع في الشرق الأوسط قد عفا عليها الزمن، وأن المفاهيم التقليدية التي كانت تعتبر أمراً مفروغاً منه عند التفكير في شؤون المنطقة لم تعد تنطبق، والجهات الفاعلة المألوفة التي كانت تلعب دوراً رئيسياً في حل النزاعات ليست فعالة كما كانت عليه.
كانت الصراعات في الشرق الأوسط تهيمن عليها الدول المتنافسة مع بعضها بعضاً، سواء من خلال الحرب أو أساليب الهيمنة الأكثر تعقيداً. إن الحرب الإيرانية- العراقية، والغزو العراقي للكويت، والاحتلال السوري للبنان هي أمثلة على ذلك. وفي جميع هذه الحالات، كانت الصراعات تتعلق بمحاولات تقويض سيادة الدولة. لذلك، فإن حل تلك الصراعات كان يعني العمل على استعادة السيادة للدول المعنية. اليوم، أصبحت الصراعات في الشرق الأوسط أكثر تعقيداً، مع صعود الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تلعب دوراً رئيسياً في تقويض سيادة الدولة في بعض الحالات، مثل «داعش» في العراق على وجه الخصوص، أو الحوثيين في اليمن، أما في حالة سورية، فإن الدولة في حد ذاتها تعمل خارج نطاق القانون وتهدد سبل معيشة شعبها.
في حين أن حل الأزمات مثل تلك الموجودة في العراق واليمن يتطلب الحث على عملية المصالحة الوطنية أو الحوار لإعادة السلطة بالكامل للدولة، فإن حالة سورية تبين أنه لا يمكن أن يكون هناك حل حقيقي للنزاع طالما أن النظام الحالي لا يزال قائماً، لأن النظام يعمل بنشاط لطمس الحدود بينه وبين الدولة نفسها. ما هو مطلوب في حالة سورية هو عملية فصل بين الدولة والنظام، ولكن من دون تكرار عملية التبسيط الكارثية لاجتثاث حزب البعث التي تم تنفيذها في العراق بعد عام 2003 والتي أدت إلى نثر بذور التظلم، ما تسبب في استمرار عدم الاستقرار في العراق.
يرتبط الشرق الأوسط في كثير من الأحيان بمفهوم الإسلام السياسي. هذا المفهوم الواسع يشير إلى استخدام الإسلام كأداة سياسية، سواء سلمية أو عنيفة. وفي بعض الأحيان يكون الخط الفاصل بين الحالتين ضبابياً، مثل حالة الجماعات الإسلامية التي تشارك في أنشطة عسكرية، ولكنها تلعب أيضاً دوراً سياسياً. اليوم، فإن المفهوم نفسه يحتاج إلى إعادة التفكير. في بلد مثل تونس، لم يعد الحزب الإسلامي الرائد، حركة النهضة، يرغب في أن يصنف كحزب إسلامي ولكن كحزب سياسي حديث، وهو ينخرط في السلوك السياسي البراغماتي الذي لا يمكن وصفه إلا بأنه علماني من الناحية العملية.
ووصف وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش شكل الحكم المطبق في دولة الإمارات العربية المتحدة بأنه «علماني»، على رغم أنه نظام يستخدم الإسلام كمرجع. كما يستخدم الدستور التونسي الإسلام كمرجع ولكنه يعتبر جميع المواطنين التونسيين متساوين في نظر الدولة بغض النظر عن انتمائهم الديني. وفي المغرب ومصر، أصبحت الأحزاب السياسية السلفية عنصراً مألوفاً في الحياة السياسية. كل هذه الحالات تتحدى التساؤل البسيط لدور الإسلام في الديموقراطية، وتبين أن البراغماتية السياسية آخذة في الارتفاع في المنطقة. فهناك تحول بعيد عن الأيديولوجية كمحرك أساسي للمجموعات التي يعتقد تقليدياً بأنها «إسلامية» وتطور لمفهوم الإسلام السياسي نفسه.
كما يتغير دور الوسطاء في النزاعات في المنطقة. في الماضي، كانت الأمم المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في التفاوض بين أطراف النزاع وإصدار قرارات مجلس الأمن التي من المرجح أن تأخذها الدول الأعضاء على محمل الجد. أما اليوم، في حالة سورية على وجه الخصوص، أصبحت الأمم المتحدة غير فعالة إلى حد كبير. إن التحقيقات التي أجرتها الأمم المتحدة مثل تلك عن استخدام النظام الأسلحة الكيماوية في سورية لم تؤد إلى وقف استخدام تلك الأسلحة غير المشروعة. والتقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان لم تدفع المجتمع الدولي إلى العمل على محاولة حل النزاع في سورية. وأصبحت عملية السلام الخاصة بسورية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف، مجرد أداة تبقى على قيد الحياة فقط حتى يمكنها أن تلعب دوراً في المستقبل عندما تقرر الجهات الفاعلة الرئيسية المشاركة في النزاع السوري تسويته، بدلاً من أن تكون آلية لدفع الصراع نحو حل. كما أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أصبح أمراً ميؤوساً منه لأن روسيا والصين ما زالتا تعوقان أي قرارات مقترحة في شأن سورية لا تعجب روسيا.
هذه التغييرات الرئيسية الثلاثة في الشرق الأوسط عميقة. وهي تشير إلى نهاية التصنيفات مثل «إسلامية» و «علمانية»، وتشكك في دور الدولة. وهي أيضاً تشير إلى أنه ربما ينبغي للمجتمع الدولي أن يعيد التفكير في دور الأمم المتحدة. إن هذه التغييرات تظهر قبل كل شيء أن مكونات الصراعات في الشرق الأوسط، ومساراتها، وسبل حلها أصبحت أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
وهذا يجعل عام 2017 من أكثر السنوات عنفاً التي يشهدها الشرق الأوسط. فلا يزال عدد القتلى في الحروب في المنطقة مرتفعاً، وحتى عندما يكون من المفترض وجود تطورات مثل ما يسمى مناطق تخفيف التصعيد في سورية، فإن الواقع يدل على أن الوضع على الأرض هو العكس. الغوطة الشرقية، على سبيل المثال، التي من المفترض أن تكون جزءاً من اتفاقيات مناطق تخفيف التصعيد، تعرضت لنحو 500 غارة جوية في الشهر من قبل التحالف بين روسيا والنظام السوري.
إن الشرق الأوسط في حاجة ماسة إلى بداية جديدة. ولكن الطريقة التي تنتهي بها 2017 لا تبشر بالخير مع بداية عام 2018.
* كاتبة لبنانية ورئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس- لندن |