الخميس ٢٨ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ١٨, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
أسباب غير ملحوظة في استقالة الحريري - سليم نصار
مطلع هذا الشهر قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارته الثالثة لطهران، حيث التقى المرشد الأعلى علي خامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني. وتركزت محادثات الجانبين على مراجعة أدوارهما العسكرية والاقتصادية في سوريا، بعد الإعلان عن دعمهما الكامل للرئيس بشار الأسد. واتفقا على قبول أي تغيير في نظام الحكم، شرط أن يخضع لانتخابات عامة يعبر من خلالها الشعب السوري عن إرادته. 

والثابت أن المحادثات الروسية - الإيرانية لم تتطرق الى ضرورة استرداد سبعة ملايين لاجئ، خصوصاً أن ميليشيات طهران كانت قد نجحت في تحرير مدينة البوكمال السورية من سيطرة "داعش". وهو حلم كانت ايران تسعى الى تحقيقه بحيث بات الطريق مفتوحاً أمام قواتها وذلك عبر محور بغداد والفلوجة والرمادي والقائم والبوكمال ودير الزور وتدمر ودمشق… ثم بيروت!

وقد رأى المرشد الإيراني خامنئي في هذا الإنجاز الحربي استكمالاً لخطة ربط طهران بلبنان عبر العراق وسوريا. كل هذا بغرض تأمين طريق الاتصال بين طهران و"حزب الله".

وفي الزيارة الأخيرة التي قام بها بوتين لإيران، تمت موافقة المرشد الأعلى والرئيس روحاني على إبقاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا، حتى بعد الانتصار على "داعش".

وكانت القوات الروسية قد باشرت عملياتها العسكرية في سوريا يوم 30 أيلول (سبتمبر) من سنة 2015. وذلك في إطار دعمها الحكومة السورية في مجال محاربة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها "داعش" و"جبهة النصرة". وبسبب حاجة القوات الروسية الى زيادة عدد جنودها، فقد اضطرت الى إنشاء قاعدتين عسكريتين في طرطوس وحميميم.

بعد ظهور هذه التطورات الدرامية التي انتهت بتحقيق ما سمي بـ "الهلال الشيعي"، وسقوط دولة الخلافة في العراق وسوريا، وبعث "حزب البعث" لدى نظام الأسد، وظهور "حزب الله" كلاعب إقليمي… كل هذه المتغيرات انعكست على الساحة اللبنانية، وعلى آلية التسوية التي أنقذت فراغ الحكم، وجاءت بتسوية جمعت ميشال عون وسعد الحريري تحت شعار "استعادة الثقة".

أول تصدّع سياسي شهده لبنان مؤخراً كان بمثابة نتيجة طبيعية لتسارع المتغيرات التي حدثت في المنطقة. وهي تطورات بالغة الأهمية فرضت على رئيس الحكومة سعد الحريري إعادة النظر في مضمون البيان الوزاري الذي حمل في نصوصه العبارة التالية: "إن الحكومة تلتزم بما جاء في خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أن لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النار المشتعلة حوله في المنطقة بفضل وحدة موقف الشعب اللبناني وتمسكه بسلمه الأهلي.

من هنا ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي حفاظاً على الوطن ساحة سلام واستقرار."

ولقد اختصر سعد الحريري هذه الديباجة، خلال حديثه مع بولا يعقوبيان، بسياسة النأي بالنفس. وقال لها إن هذه الصيغة هي من تنظير رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي. وحقيقة الأمر أن ميقاتي اجترح هذه القاعدة السياسية أثناء رعايته لاجتماع متخرجي معهد "إنسياد" لإدارة الأعمال في فندق "فينيسيا".

وقال في حينه: "منذ تسلمت مسؤولية رئاسة الحكومة وأنا أعمل كي أنأى بلبنان عما يجري حوله من أحداث وتطورات. وقد زادتني هذه الأحداث قناعة بصوابية سياسة النأي بالنفس التي التزمتها مع حكومتي. وهي تُختَصَر بضرورة تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية التي تشغل المنطقة.

ولكن، هل هذا بالأمر المستطاع في بلد يشكل المدخل الوسيع لمنطقة تضج بالاضطرابات؟ وهي اضطرابات متواصلة منذ أحداث 1860، ظلت تتكرر خلال فترات زمنية على شكل ثورات أهلية، الى أن هدأت مطلع التسعينات.

 واليوم تحذرنا الدول الكبرى من خطر افتعال أزمات في المنطقة قد تنعكس سلبياتها على أمن لبنان واقتصاده. خصوصاً بعدما تلقى أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريس تقريراً يشير الى أن ايران تبني قاعدة متقدمة في سوريا، ومصنعاً في لبنان لإنتاج صواريخ موجهة. ويذكر التقرير أن ايران تعمل على بناء قاعدة عسكرية برية لا تبعد عن حدود اسرائيل أكثر من خمسين كيلومتراً. وقد بثت شبكة الأخبار البريطانية (بي بي سي) صوراً التقطها القمر الصناعي تمثل قاعدة عسكرية إيرانية ثابتة بالقرب من دمشق.

وتؤكد مصادر أوروبية أن ايران تعمل على تطوير الصاروخ الباليستي الذي يستخدمه الحوثيون في حربهم ضد المملكة العربية السعودية.

وبين أهم الأسباب التي أدت الى استقالة سعد الحريري كان استعجال بعض أعضاء الحكومة للتنسيق مع النظام السوري قبل أن يعلن استقالته من التبعية لإيران وروسيا. وأكبر مثل على ذلك أن الدولتين تقومان بالتفاوض على حل النزاع نيابة عن الحكومة السورية.

ومعلوم أن الحرس الثوري الإيراني والقوات الروسية بالتعاون مع "حزب الله" يمثل ثلاثتهم ركيزة الحكم في جمهورية بشار الأسد.

لهذه الأسباب وسواها اعتبر الحريري أن الحكومة اللبنانية تعطي مجاناً شرعية لنظام يرفض عودة مليون ونصف المليون لاجئ الى أماكن آمنة في سوريا، حسبما نقل على لسان مسؤول لبناني. علماً أن قرار عودتهم سيصدر من طهران وموسكو وليس من دمشق. من هنا عتب زعماء الأحزاب الوطنية على "حزب الله"، كونه تغاضى عن البحث في هذه المشكلة الشائكة، وترك لوكيله الرئيس ميشال عون، وصهره جبران باسيل، مسؤولية استنفار المنظمات الدولية لعلها تساعد لبنان على استرداد توازنه الطائفي والاجتماعي.

بقي السؤال المتعلق بالمستقبل السياسي لسعد الحريري، وما إذا كان رجوعه الى لبنان سيحل المشكلة التي طرحها من الرياض.

يقول المحللون في بيروت إن الحريري أصبح أسير شروطه، خصوصاً بعدما قرر ألا يكون غطاء لـ"حزب الله"، أو شريكاً مع ممثل "حزب الله"، أي ميشال عون. وبسبب إعلان مصارحته لكيفية تقويم الإعوجاج، فإن عون لا يجرؤ على قبول شراكته من جديد.

ومن المتوقع أن ينضم سعد الحريري الى حزب المعارضة على أن يتهيأ لخوض الانتخابات النيابية المقبلة بمجموعة مرشحين عن كل المناطق.

وهو يعتمد في المعركة المقبلة على الرصيد الذي تركه له والده… وعلى رصيد موقفه من مقاومة الانحراف… وعلى الدول الخارجية التي اعتبرته ضحية نزاع إقليمي بين طهران والرياض. ولكن هذا التغيير لا يمنع إيجاد رئيس حكومة سني من الدرجة الثالثة يكون مستعداً لترؤس حكومة تكنوقراط تتولى عملية تصريف الأعمال.

ويرى الاقتصاديون ان هذا الحل السياسي قد يؤثر على الوضع المالي، خصوصاً أن الدين العام يتجاوز عتبة السبعين بليون دولار.

وحول هذا الموضوع، أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن الأزمة التي يشهدها لبنان هي أزمة سياسية لا نقدية. وقد طمأن المتسائلين خلال المؤتمر الذي دعت اليه صحيفة "فاينانشال تايمز" اللندنية، وشارك فيه عدد من المصرفيين بينهم: جوزف طربيه (رئيس جمعية المصارف) وسعد الأزهري (بنك لبنان والمهجر) وفريدي باز (بنك عودة).

قال سلامة: ان سياسة مصرف لبنان النقدية ترتكز على مؤشرات مالية واقتصادية، كما تستند الى واقع لبنان حيث المخاطر السياسية والأمنية هي بأهمية المؤشرات المذكورة. وأكد في كلمته أن موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية قد تجاوزت الـ 43 بليون دولار. وهذا ما يجعل البنك المركزي في وضع المسيطر على أسواق الصرف.

ويُستدَل من هذا التوضيح المطمئن أن الارتجاج السياسي، الذي حدث بسبب استقالة سعد الحريري، لن يكون له الوقع الاقتصادي الخطر، كما يتوقع البعض وكل ما فعله في هذا السياق هو أنه وسّع هوة الخلاف وزاد من قسمة أهل البلاد، ووضع "حزب الله" أمام أزمة وجود كان دائماً يتحاشى السقوط في منزلقاتها…


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة