الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيلول ٢٤, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
سورية و «التقسيم الناعم» في الأفق - جويس كرم
في زحمة الاجتماعات والاقتراحات المقدمة حول سورية على هامش الجمعية العامة الـ٧٢ للأمم المتحدة، هناك الكلام الاستعراضي العلني المتفائل بالحل والانتخابات والمرحلة الانتقالية، وهناك الحديث والاقتراحات الأكثر واقعية خلف الكواليس، والتي بدأت تفترض وتُعد لسيناريو تقسيمي «ناعم» أي غير رسمي على الأرض يتعاطى مع وقائع الحرب.

في الحرب السورية، هناك انتصارات وتحولات مرحلية، ويقول ديبلوماسي عربي متابع الملف أن واقع هذه المرحلة هي «أن الأسد لم يفز إنما المعارضة خسرت على الأرض». ووفق ذلك، فإن الأطراف الأساسية في المجتمع الدولي بينها الولايات المتحدة وروسيا ودول إقليمية والمبعوث الأممي دي ميستورا بدأت تعد لمرحلة تعايش مع الأسد، ينتقل فيها التنافس على مصالح هذه الدول وأولوياتها داخل سورية من إخراج إيران إلى الإعداد لمرحلة ما بعد داعش، إلى توزيع حصص النفط والغاز وتقوية القوات الكردية، ومن ثم صوغ مرحلة سياسية على هذا الأساس.

المعارضة السورية الممثلة في الأمم المتحدة بمنسق الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، التقت بالجانب الفرنسي والأميركي والعربي في نيويورك، وطُلب منها ركوب القطار الجديد، أي التعاطي بإيجابية مع البنود المقترحة لمفاوضات جنيف، وإعادة تنظيم صفوفها مرة أخرى قبل مفاوضات قد تحافظ على البنية الأمنية للنظام وتستوعب أطرافاً محسوبة على المعارضة وقريبة منها. ليس هناك مؤشر إلى أن هيئة التنسيق ستركب هذا القطار، والأرجح أنها ستنتظر في المحطة، وستتجاوب مع مطالب تأهيل صفوفها وما هو متوقع في مؤتمر الرياض.

أما بالنسبة إلى المجتمع الدولي، فتصريحات دي ميستورا في لقاءات مغلقة تعبر أكثر من غيرها عن واقع الحرب. فالمبعوث، ووفق جهات ديبلوماسية عدة التقت به في نيويورك، قال حرفياً أنه يعتقد أن سورية تتجه نحو سيناريو «التقسيم الناعم». بل إن المبعوث قدم خرائط وبألوان واضحة تفصل على أرض الواقع مناطق النفوذ بين الشمال والجنوب، والمناطق المحررة من «داعش» وتلك التي تحت سيطرة النظام.

خرائط دي ميستورا تتماشى عملياً مع الواقع الميداني. ففي الجنوب هناك منطقة تهدئة بمظلة أميركية وروسية، وفي الشمال هناك حصص للأكراد، ولقوات موالية لتركيا ولجبهة فتح الشام في إدلب. أما المناطق المحررة من «داعش»، فيؤكد المبعوث الأميركي برت ماغورك أن قوات سورية الديموقراطية وليس النظام هي التي ستتولى حكمها، وأن المحادثات مع روسيا جارية حول عدم الاشتباك في تلك المناطق. أما قوات النظام والميليشيات المؤيدة له فهي على خط الساحل وفي دمشق وبقية المدن الأساسية من حلب إلى حمص.

هذا التوزيع قد لا يتغير وبسبب المعادلات والتوازن العسكري الموجود الذي يمنع أي طرف من بسط سلطته بالكامل على هذه المناطق، بالتالي يصبح أمراً واقعاً في أي محادثات سياسية ستبدأ من نقطة وقف القتال. فمصير الأسد لم يعد أولوية اليوم للولايات المتحدة إلا من نطاق إضعاف إيران ودفع الحل السياسي. وينتظر المراقبون استراتيجية دونالد ترامب نهاية الشهر حول إيران لمعرفة نوع الأدوات التي ستستخدمها واشنطن في الساحات الإقليمية ضد طهران. أما روسيا، فضمان نفوذها وتحصين أعمدة النظام الأمني في سورية كانت وتبقى الأهم لموسكو ومن مصلحتها الإسراع بحل سياسي يضمن المكاسب الحالية.

«التقسيم الناعم» المطبق على أرض الواقع وبمظلة دولية، هو تسليم بنتائج حرب الخاسر الأكبر فيها هو وحدة سورية وسيادتها. فتعدد القوى في الداخل وتنافس الخارج على الحصص وعقود إعادة الإعمار الذي يسابق المفاوضات السياسية، ستكون العنوان الأساسي للمرحلة المقبلة وحافزاً أساسياً للجميع لإنهاء القتال.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة