السيسي هو أول رئيس عربى يحضر تجمع "بريكس" في شيامن، وهو أول رئيس مصري يزور هانوي، وما بين شيامن وهانوي الكثير من المفردات المشتركة والتجارب الناجحة.
في شيامن كانت مرحلة جديدة من مراحل تتويج العلاقات المصرية - الصينية التي وصلت الآن إلى مستوى غير مسبوق من التقارب والحميمية التى ظهرت بوادرها في المباحثات الثنائية بين الرئيسين المصري والصيني التي عقدت على هامش اجتماعات قمة "بريكس"، حيث رحب الرئيس الصيني شي جينبينغ بالرئيس عبد الفتاح السيسي ترحيبا حارا فى زيارته الرابعة للصين، مؤكدا حرص الصين على تعزيز علاقات الشراكة الإستراتيجية مع مصر، وأشاد الرئيس الصيني بالنتائج الإيجابية والملموسة للجهود التي بذلتها مصر خلال الفترة الماضية لاستعادة الاستقرار ودفع عجلة التنمية، مؤكدا دعم بلاده تلك الجهود وحرصها على تطوير العلاقات مع مصر في مختلف المجالات، على اعتبار أن مصر بالنسبة للصين من أهم الدول العربية والإفريقية والإسلامية.
تأكيد العلاقات الحميمية المصرية - الصينية كان محور اللقاء الثنائي، وقد تمت ترجمة ذلك إلى توقيع العديد من الاتفاقيات بين الجانبين، من بينها اتفاقية للتعاون الأمني بين وزارة الداخلية المصرية ووزارة الأمن العام الصينية، وأخرى للتعاون الفني والاقتصادي، عبارة عن منحة صينية قدرها 300 مليون يوان صيني، لتنفيذ مشروع القمر الصناعي "مصر سات 2"، وثالثة بين وزارة الاستثمار والتعاون الدولي ووزارة التجارة الصينية، لتنفيذ مشروع القطار الكهربائي بين بعض المدن الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة.
وفي أثناء قمة "بريكس" التقيت بعض رجال الأعمال المصريين الذين شاركوا في منتدى رجال الأعمال المصري - الصيني الذي انعقد على هامش القمة، وأشاروا إلى أن مشاركتهم هذه المرة مختلفة تماما، حيث تسير العلاقات المصرية - الصينية بخطوات سريعة، وأنهم يلمسون تميز العلاقات الثنائية، وأن الصين تفتح ذراعيها الآن لكل ما هو مصري، وعلى الجانب المقابل؛ فإن الحكومة المصرية تضع خطة للاستفادة من التجربة الصينية فى جميع المجالات بشكل جديد ومختلف قائم على توطين التكنولوجيا والتصنيع بعيدا عن فوضى الاستيراد.
اللافت للانتباه في الصين هو شبكة البنية التحتية الرهيبة التي أقامتها الحكومة الصينية فى الطرق والكباري والمطارات، مما أسهم فى توزيع الاستثمارات وتنويعها، وهو ما تقوم به مصر الآن من إنشاء شبكة طرق عملاقة، ومطارات جديدة، والتوسع في إقامة العديد من المدن الجديدة، بالإضافة إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
في الصين كل شيء محسوب بدقة، وكل فرد يقوم بدوره المنوط به على أكمل وجه، وهم يسيرون كالساعة المنضبطة، والدولة هناك أكثر تقدما من الأفراد، على الرغم من أن الفرد هو الذي صنع التقدم، لكن دور الدولة هو تنظيم تلك الجهود وتوظيفها، وهذا الدور هو الذي صنع الفارق، فلا شيء هناك مستوردا إلا القليل، حتى اللغة؛ فهم لا يتقنون إلا الصينية، أما باقي اللغات فهذا هو الاستثناء، رغم الاهتمام الذي ظهر أخيرا بدراسة اللغات الأخرى، ومنها الإنكليزية والعربية.
أما شبكة الإنترنت فهي محلية أيضا، حيث لم يسمح بشبكة المعلومات الدولية إلا خلال أيام المؤتمر فقط عن طريق كارت خاص مدته 6 أيام، وفور انتهاء أعمال المؤتمر فقد صلاحيته، وعادت شبكة الإنترنت المحلية تتسيد الموقف كما كانت.
في الصين الشعب "يعمل" ولا "يتبرم"، ويقوم بكل الأعمال بكل دقة، فالسيدة هناك مثلا سائقة تاكسي وأتوبيس، وتعمل فى "الفلاحة" والنظافة والحراسة والأمن. كما أنها تعمل في كل الأعمال الراقية والمتقدمة، كما الرجل تماما الذي يقوم بكل الأعمال بكل دقة وتفان، فالشعار الدائم هناك هو "العمل أولا وأخيرا"، بغض النظر عن نوعية العمل وطبيعته، فالمهم هو العمل والإجادة.
هذا الشعار جعل المستحيل ممكنا، وجعل من الصين دولة عصرية متقدمة تسعى حثيثا لأن تتبوأ المركز الأول في اقتصادات العالم خلال المرحلة المقبلة، لتزيح أميركا التي احتلت الصدارة عقودا طويلة، بعدما استطاعت أن تحتل المركز الثاني الآن، وأزاحت دولا كثيرة عملاقة كاليابان وألمانيا وروسيا.
مهمة الرئيس في "شيامن" هذه المرة كانت مهمة خاصة، لأنه أول رئيس عربي يشارك في قمة "بريكس"، ولأن "بريكس" الآن يمثل تجمعا اقتصاديا واعدا سوف يكون له دور مؤثر وقوي في منظومة الاقتصاد العالمي. كما أن مصر الآن مؤهلة للانضمام لهذا التجمع المهم اقتصاديا بحكم أنها من الاقتصادات الناشئة الواعدة التي نجحت في أن تسير بخطوات واثقة في برنامج الإصلاح الاقتصادى، وصوبت العديد من السياسات الاقتصادية خلال المرحلة الماضية، خاصة ما يتعلق بشبكة الحماية الاجتماعية، وتطوير قوانين الاستثمار، لتتمكن الشركات من إصدار التراخيص لأول مرة خلال 7 أيام على أكثر تقدير.
مصر تسعى إلى زيادة الاستثمارات الصينية في مصر ونقل التكنولوجيا الصينية، والاستفادة من الخبرة الصينية المتميزة فى مختلف المجالات، وكذلك الحصول على نصيب عادل من الاستثمارات الصينية المتوقعة في إفريقيا التى تصل إلى 60 مليار دولار خلال الفترة المقبلة.
مصر لديها الكثير من الفرص الواعدة، خاصة في منطقة محور قناة السويس، والمدن الجديدة الجارى إنشاؤها.
فيتنام هي الأخرى نموذج للنجاح المستحيل، حيث خرجت منهكة القوى بعد الحرب الفيتنامية الشهيرة التى تحررت بها من الاحتلال الأميركي والتى أكلت الأخضر واليابس، بعد أن أخذت بعدا كونيا، حيث كانت فيها الدول الشيوعية ودول عدم الانحياز تقف إلى جانب جبهة التحرير الفيتنامية، فى حين كانت أميركا والغرب والقوى الرأسمالية تخوض الحرب هناك، وانتهت بهزيمة أميركا في المستنقع الفيتنامي وخروجها منكسرة.
تعرض الشعب الفيتنامي لحرب وحشية حتى خرج منتصرا، ثم بدأ يتجه نحو التنمية والاستقرار، وفي غضون سنوات لا تتجاوز أربعة عقود استطاعت فيتنام تقديم قصة نجاح رائعة، كما وصفها الرئيس السيسي في كلمته أمام منتدى الأعمال المصري - الفيتنامي، حيث أشار إلى أن "تجربة فيتنام التنموية" تمثل قصة نجاح، ونموذجا اقتصاديا متميزا، يقوم على تعظيم دور المعرفة والإبداع التكنولوجي، معتمدة فى ذلك على خطط دقيقة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فكان التحول الاقتصادي المنضبط والعدالة الاجتماعية، هما السمتين البارزتين للنمو المضطرد الذي حققته فيتنام.
ما بين مصر وفيتنام العديد من الظروف المشابهة، ومصر الآن من أعلى الدول في عائدات الاستثمار، وهي فرصة لزيادة حجم الاستثمارات الفيتنامية في مصر، فى ظل التقارب المصري - الفيتنامى أخيرا الذى تم تتويجه بأول زيارة من رئيس مصرى إليها.
هي رحلة شاقة ومرهقة من الصين إلى فيتنام، لكنها كانت ضرورية للاستفادة من خبرات الدول المشاركة في قمة "بريكس"، وكذلك الاستفادة من التجربة الفيتنامية، بالإضافة إلى تسويق الاقتصاد المصري الواعد الذي من المتوقع أن يشهد طفرة هائلة خلال الفترة القليلة المقبلة.
رئيس مجلس إدارة "الأهرام"
|