الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٢٧, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
رئاسة بوتفليقة المتجددة وصيرورة الحكم في الجزائر - توفيق المديني
أثارت إقالة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة رئيس الحكومة عبدالمجيد تبون وتعيين رئيس الديوان الرئاسي، أحمد أويحيى، خلفاً له، جدلاً سياسياً ساخناً، ما اعتبرته الأحزاب الجزائرية، لا سيما المعارضة، «انقلاباً». ويعزو المحللون هذه الإقالة إلى الحرب التي دخلها تبون مع الكارتل المالي، حيث حظيَ برنامجه الحكومي في فصل السياسة عن المال بمصادقة الغالبية في البرلمان.

في الجزائر يمتلك رجال المال تأثيراً قوياً في القرار السيادي للدولة، ذلك أن الرئيس بوتفليقة انحاز الى الكارتل المالي في صراعه مع الحكومة، لا سيما أن رجال المال والأعمال لعبوا الدور الأبرز في تمويل حملة بوتفليقة الرئاسية في انتخابات نيسان (ابريل) 2014.

تكشف إقالة تبون بعد ثلاثة أشهر فقط من تعيينه ومصادقة البرلمان على برنامجه، عن تخبط النظام السياسي الجزائري وفقدانه التوازن وسقوطه في ممارسات مؤسفة، وعن أن السلطة التنفيذية التي يمثلها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لا تزال ثابتة في طبيعتها، على رغم الحروب الداخلية المتواصلة لتوريث الحكم. ويكتسب منصب رئيس الجمهورية في الجزائر أهميته من حجم الصلاحيات التي يمنحها له الدستور، فالرئيس هو رئيس الجهاز التنفيذي المباشر، يساعده وزير أول (رئيس الحكومة)، وهو رئيس السلطة القضائية بصفته القاضي الأول في البلاد، ويُعيّن ثلث أعضاء الغرفة العليا للبرلمان، وله حق التشريع بمراسيم بين دورتين برلمانيتين، كما له حق حل البرلمان. وبهذه الحقوق فإنه الحاكم المطلق عملياً.

وفي ضوء الحالة المرضية المزمنة للرئيس بوتفليقة، تعيش الجزائر حال قلق وترقب وانتظار وخوف من المجهول - المعلوم. وفي معظم الأوساط السياسية، يعتقد المحللون السياسيون الجزائريون أنّ المناخ السياسي الراهن، يوفر أرضية سياسية لتمرير مشروع توريث الحكم لشقيق الرئيس بوتفليقة، وهو المستشار الرئاسي سعيد بوتفليقة. وهناك من يدافع عن التوريث في الجزائر، كالأمين العام لحزب «جبهة التحرير الوطني» جمال ولد عباس، الذي اعتبر أن «شقيق الرئيس بوتفليقة لديه كل الحق في الترشح، وأنه لا توجد موانع دستورية لذلك». حتى أن ولد عباس راح يجد لشقيق الرئيس بوتفليقة مزايا تؤهله للحكم وخلافة شقيقه بالقول إن «سعيد بوتفليقة أستاذ جامعي وناشط نقابي مناضل».

داخل السلطة الجزائرية لا يجرؤ أحد على معرفة الحقيقة. فقد أنشأ رئيس الدولة حواجز حوله، إذ أبعد كل الذين لا يمتون إليه بصلة الدم. في الوقت الحاضر، هو محاط بأخويه: مصطفى، الطبيب، وسعيد، المستشار. ويبدو أن البلاد تعاني من الجمود. إذ تعيش مؤسسة الرئاسة الجزائرية فراغاً سياسياً، على رغم نفي الأمين العام لحزب «جبهة التحرير الوطني» (أكبر كتلة في البرلمان). وقد أدخل مؤيدو بوتفليقة عبارة جديدة في قاموس الحياة السياسية، إنّه الضامن الحقيقي لاستقرار الجزائر. وكأنّ الجزائر لا تمتلك رجال دولة وسياسيين قادرين على القيام بالنقلة النوعية المطلوبة التي تخرج البلد من حال الجمود.

وكانت الطبقة السياسية الجزائرية شهدت قبل سنوات قليلة انقساماً واضحاً في شأن ترشح الرئيس بوتفليقة بين مؤيدين لولاية رابعة للرئيس ومعارضين لها. ولم يعد سرّاً أنّ هناك مجموعة معيّنة مرتبطة ببوتفليقة تخشى خروجه من المرادية، أي قصر الرئاسة. بعدما ارتكبت مخالفات، وفضائح فساد، وهي تخشى الملاحقة القانونية وربّما الانتقام السياسي. ومن المدافعين بشراسة عن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يتصدر«حزب جبهة التحرير الوطني» (الأفالان) طليعة هؤلاء، بوصفه الحزب الذي يحتل المركز الأول في المجلس الشعبي الوطني الجزائري.

تعيش الجزائر في خضم تموجات ما بات يعرف «بالربيع العربي» وتداعياته الخطيرة، ما جعل الشعوب العربية تعيش حالة من الارتباك السياسي والحيرة من الإسقاطات المدمرة لثوراتها. وهذا الوضع هو ما يدفع الآن بالعديد من الأحزاب السياسية في الجزائر، لا سيما المشاركة بالسلطة، إضافة إلى المؤسسة العسكرية، إلى التمسك ببقاء الرئيس بوتفليقة في الحكم، خوفاً من حدوث فراغ كبير يؤدي إلى تفجير الوضع، في ظل تنامي الإرهاب في معظم العالم العربي.

ومن المعروف في التاريخ السياسي الجزائري المعاصر أن الجيش هو الذي يصنع الرؤساء لا صناديق الاقتراع، إذ تعتبر المؤسسة العسكرية الحامية الوحيدة لقوانين الجمهورية، ولم تشهد أي انقسام في صفوفها خلال أخطر الأزمات، على غرار المؤسسة العسكرية التركية التي تعتبر نفسها الحامية الوحيدة للعلمانية. وفضلاً عن ذلك، لا تؤمن المؤسسة العسكرية الجزائرية بالتوريث، وهي تشترط أن يكون الرئيس المستقبلي للجزائر على دراية كاملة بالملفات الأمنية على المستوى الإقليمي والدولي، وأن يكون نظيفاً ومحبوباً من الشعب الجزائري، وغير متورط في أزمات الولايات الرئاسية الأخيرة. والحال هذه، لا يمكن لهذه المؤسسة أن تدعم شقيق الرئيس بوتفليقة، إذ تتحدث التقارير في شكل دائم عن علاقة بينه وبين رجال المال والأعمال.

لا جدال في أنّ بقاء الرئيس بوتفليقة في الرئاسة مدى الحياة، على رغم عجزه عن القيام بأي مبادرة في مجال إصلاح المؤسسات، يكرّس العناد والجمود المهيمنين على سياسات الدولة. وما دام الرئيس بوتفليقة الحاضر- الغائب، ليس لديه أي همّ سوى أن يكون هواري بومدين آخر، ستظل الجزائر في ظل ديكتاتورية متجددة قد تقحم البلد في متاهة أخرى إذا ما أقدم النظام على القيام بمغامرة توريث الحكم لشقيق الرئيس.

فمسألة توريث الحكم، ستفسح في المجال لفتح مشاكل سياسية ومناطقية، لا سيما أن مناطق عدة باتت تعتبر نفسها ضحية لفترة حكم الرئيس، مثل منطقة الشرق والقبائل، وستقضي على كل طموحات وانتظارات المجتمع الجزائري في تحقيق الإصلاحات الديموقراطية الضرورية.
 
 
* كاتب تونسي



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
انطلاق «تشريعيات» الجزائر اليوم وسط أجواء من التوتر والاعتقالات
بعد عامين من اندلاعه... ماذا تبقى من الحراك الجزائري؟
لوموند: في الجزائر.. انتخاباتٌ على خلفية القمع المكثف
انتخابات الجزائر... الإسلاميون في مواجهة {المستقلين}
انطلاق حملة انتخابات البرلمان الجزائري وسط فتور شعبي
مقالات ذات صلة
فَراغ مُجتمعي خَانق في الجزائر... هل تبادر النُخَب؟
الجزائر... السير على الرمال المتحركة
"الاستفتاء على الدستور"... هل ينقذ الجزائر من التفكّك؟
الجزائر وفرنسا وتركيا: آلام الماضي وأطماع المستقبل - حازم صاغية
الجزائر بين المطرقة والسندان - روبرت فورد
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة