الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٢٥, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
تشكيك النساء التونسيات بالإصلاح الجندري- هارفي - جوناثان فنتون
بعد إقرار القانون التاريخي لمكافحة العنف، يسعى الرئيس التونسي الآن إلى تطبيق المساواة بين الرجل والمرأة في قوانين الميراث والسماح بزواج المسلمة من غير المسلم. 

تعهّد الرئيس التونسي باجي قائد السبسي بتعزيز المساواة الجندرية في البلاد يوم الأحد [13 آب] مقترِحاً التخلي عن قوانين الميراث غير المتوازنة والسماح للنساء المسلمات بالزواج من غير المسلمين.

لقد تعهّد الرئيس، في خطاب ألقاه لمناسبة يوم المرأة في تونس، باتخاذ خطوات تشريعية لإبطال قوانين الميراث، وذلك في أعقاب قانون صدر أخيراً ينص على حظر العنف الجنسي والسياسي والنفسي بحق النساء.

نصّ الدستور التونسي، منذ الاستقلال عام 1956، على أنه بإمكان النساء أن يرثن فقط نصف الميراث الذي يحصل عليه الرجال. وقد استخدم السبسي، زعيم حزب "نداء تونس" – الذي يشكّل تحالفاً مع الحزب الإسلامي السياسي "النهضة" – تبريرات دينية لتدعيم موقفه. وقال في خطابه يوم الأحد [13 آب]: "الميراث هو مسألة تتعلق بالبشر، والله تركها للبشر للتصرف فيها بحسب الزمن الذي يعيشون فيه". أضاف: "الدولة ملزمة بتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وضمان تكافؤ الفرص بينهما في تحمّل جميع المسؤوليات، وفق ما نصّ عليه البند 46 من الدستور".

التبريرات الدينية للمساواة

في اليوم نفسه، دعا السبسي أيضاً رئيس الوزراء ووزير العدل إلى إصلاح القانون الذي يمنع النساء المسلمات من الزواج من رجال غير مسلمين. هذه الزيجات محظورة بموجب مرسوم صادر عام 1973، ولا يعترف بها المفتي الكبير في البلاد. غير أن عدداً من الباحثين الإسلاميين في تونس عبّر عن دعمه لاقتراح السبسي، وقد تعهّدوا يوم الثلثاء [15 آب] بدعم قانون زواج المسلمات من غير المسلمين.

وقد أُطلِقت نداءات متزايدة للسماح بهذه الزيجات. وفي آذار الماضي، وقّعت نحو ستين مجموعة حقوقية بياناً طالبت فيه بالحصول على "حق أساسي من حقوق الإنسان: الحق في اختيار الزوج أو الزوجة". في ذلك الوقت، قالت سناء بن عاشور، رئيسة جمعية "بيتي"، وهي مجموعة حقوقية نسائية، إنه "من غير المقبول اليوم أن يتحكّم مجرد مرسوم، ليست له تقريباً أي قيمة قضائية... بحياة الآلاف".

وقد رحّب كثرٌ باقتراحات السبسي. قالت روثنا بيغوم، الباحثة في حقوق المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" لموقع "ميدل إيست آي": "نرحّب أشدّ الترحيب بكلام الرئيس عن إعادة النظر في القواعد التي تمنع النساء المسلمات من الزواج من غير المسلمين، وعن تحقيق التناصف في قوانين الميراث".

تابعت: "تونس هي الأكثر تقدّماً في المنطقة في عدد من الشؤون المتعلقة بحقوق المرأة، ومن شأن التخلص أخيراً من هذه القواعد التمييزية أن يساعد النساء التونسيات ويشكّل أيضاً نموذجاً يحتذى للمنطقة".

غالباً ما تُعتبَر تونس قدوةً في مجال حقوق المرأة في العالم العربي. تشكّل النساء 41 في المئة من القضاة التونسيين، ونحو ستين في المئة من العاملين في القطاع الطبي وخمسين في المئة من المهندسين. وفي مجلس النواب، تشغل النساء 75 مقعداً من أصل 271.

في حال إقرار القوانين، سوف تصبح تونس البلد العربي الأول الذي يعمد إلى تقنين المساواة في الميراث وزواج المسلمات من غير المسلمين. يحتاج السبسي إلى دعم واسع من النوّاب لإقرار الإصلاحات التشريعية.

القانون التاريخي لمكافحة العنف 

تأتي هذه الأحداث في أعقاب مشروع قانون تاريخي وقّعه الرئيس في تموز الماضي، والذي تقدّمت به وزارة شؤون المرأة في تونس، وينص على حظر العنف الجنسي والسياسي والنفسي بحق المرأة. أُقِرّ القانون بأكثرية 146 صوتاً في مقابل 71، من دون تسجيل أي امتناع عن التصويت.

يعرّف القانون العنف بأنه "كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس". ينص على عقوبات إضافية ويفرض قيوداً أشد صرامة على العنف المنزلي، تشتمل على إنشاء وحدات العنف الأسري التابعة لجهاز الأمن الداخلي من أجل تلقّي الشكاوى والتصرف على هذا الأساس.

سوف يتم تخصيص مزيد من التمويل للرعاية الصحية، من أجل اكتشاف العنف ضد النساء والتعاطي معه بالطريقة المناسبة. وقد أُدرِج التحرش الجنسي في الأماكن العامة في خانة الجريمة، فضلاً عن فرض عقوبات أشد قسوةً على الجهات التي تدفع للنساء رواتب أقل من الرجال مقابل قيامهن بالعمل نفسه.

وفي اليوم نفسه في تموز، جرى إبطال قانون زواج المغتصب من الضحية الذي يثير سجالاً واسعاً، والذي أبطله المغرب والأردن منذ فترة وجيزة، وعمد لبنان أيضاً إلى إلغائه يوم الأربعاء [16 آب].

تأتي هذه الإصلاحات بعد حملات الضغط التي شنّتها مجموعات حقوقية على امتداد عقود من الزمن. غير أن آمنة القلالي، مديرة مكتب "هيومن رايتس ووتش" في تونس، قالت إنه "على الحكومة أن تعمد الآن إلى تمويل المؤسسات ودعمها من أجل ترجمة هذا القانون إلى حماية حقيقية".

هذا وتُبدي بعض النساء التونسيات تشكيكهن بحدوث تغيير حقيقي، ويعتبرن أنه لا تزال هناك معارضة شديدة لمثل هذه الإصلاحات الاجتماعية. تعلّق بلقيس، وهي طالبة جامعية من قرطاجة تتخصص في الأدب الإنكليزي، أنها تشعر بأن "التمييز الجنسي لا يزال ممأسساً" في تونس، الأمر الذي سيطرح صعوبات أمام إقرار القوانين. لكنها أردفت: "أحيّي شجاعة السبسي بإقدامه على اتخاذ هذه الخطوة، لا بد من القيام بذلك كي تنجح ديموقراطيتنا".

كذلك أعربت ليليا، وهي طالبة مقيمة في العاصمة تونس، عن شكوكها بشأن الوعود التي قطعها السبسي، وقالت في هذا الإطار لموقع "ميدل إيست آي": "أعلم أنه لن يتم إقرار [هذين القانونَين] بسب المعارضة الواسعة التي سيواجهانها من المجتمع التونسي ومن السياسيين الآخرين". واعتبرت أنه لن يكون لقانون مكافحة العنف الذي أُقِرّ منذ فترة وجيزة تأثير ملموس كبير على حياة النساء، قائلة: "لن يُحدث القانون الآخر أي فارق".

 سوف يتم تشكيل لجنة لدراسة مقترحات السبسي، ثم يجري التصويت عليها في مجلس النواب.

طالب في التاريخ والسياسة في جامعة إكستر.
Middle East Eye


ترجمة نسرين ناضر


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
احتجاجات ليلية قرب العاصمة التونسية ضد انتهاكات الشرطة
البرلمان التونسي يسائل 6 وزراء من حكومة المشيشي
البرلمان التونسي يسائل الحكومة وينتقد «ضعف أدائها»
الولايات المتحدة تؤكد «دعمها القوي» لتونس وحزب معارض يدعو الحكومة إلى الاستقالة
«النهضة» تؤيد مبادرة «اتحاد الشغل» لحل الأزمة في تونس
مقالات ذات صلة
أحزاب تونسية تهدد بالنزول إلى الشارع لحل الخلافات السياسية
لماذا تونس... رغم كلّ شيء؟ - حازم صاغية
محكمة المحاسبات التونسية والتمويل الأجنبي للأحزاب...
"الديموقراطية الناشئة" تحتاج نفساً جديداً... هل خرجت "ثورة" تونس عن أهدافها؟
حركة آكال... الحزب الأمازيغيّ الأوّل في تونس
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة