الخميس ٢٨ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ١٩, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
عناق الأكراد في الرقة - قصي الحسين
تحدّث محققون تابعون للأمم المتحدة في جرائم حرب، إن الضربات الجوية المكثفة التي يشنها التحالف الدولي، دعماً لقوات سورية الديموقراطية "قسد"، في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الرقة، إنما تتسبب في خسائر مذهلة في أرواح المدنيين.  

وتبدي منظمة "هيومن رايتس ووتش" قلقها وذعرها من استخدام "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، مادة الفوسفور الأبيض خلال العمليات العسكرية في سورية والعراق تحت عنوان "عناق التحرير" من التنظيم الإرهابي داعش، الذي أقام دولة "الخلافة الإسلامية"، فيهما، ماحياً حدود سايكس – بيكو بأقدامه وألغامه.

ويشهد "باولو بينيرو" رئيس لجنة التحقيق لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ان الاتفاقيات العشر بين الحكومة السورية والجماعات المسلحة لاجلاء المدنيين والمسلحين من مناطق محاصرة في الرقة وشرق حلب إنما ترقى في بعض الحالات إلى جرائم حرب، مما يجعل عناق الأكراد في ساحات التحرير، "عناقاً في النار". وكثيراً ما حذرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، من تدهور وضع المدنيين النازحين من الرقة والموصل، وأنه أشبه بالرقص على مراسح النيران، وألسنة اللهب تشتعل في أذيال أثوابهم كما كان يؤديها الأجداد الكرد في تاريخهم القديم، إذ يقول تقرير المفوضية إنه "وسط القتال العنيف الدائر في مدينة الرقة وما حولها، تدعو المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى تعزيز إمكانية الوصول المستدام لعشرات الآلاف من المدنيين الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية، وإنقاذهم من نيران داعش ونيران التحالف الدولي على حدّ سواء.

ويتحدث المراقبون والمحققون التابعون للأمم المتحدة، عن أرض المعركة في الرقة، وعن منطقة الصراع بين داعش والتحالف الدولي وقسد، حيث تنتشر الألغام والذخائر غير المنفجرة، بحيث يعد إيصال المساعدات الإنسانية إلى أهالي الرقة ، أمراً بغاية الصعوبة، كونها تتواجد في مناطق صحراوية شبه معزولة. وأن ما يدخل عبر الحدود التركية المغلقة في معظم الأحيان ليس إلاّ الجزء البسيط والنذر القليل من الدعم.

وتقوم الدولة التركية، بإغلاق المعابر الحدودية بينها وبين الأراضي والقرى والمدن التي يسيطر عليها الأكراد، في شمالي سورية وعلى الحدود مع الموصل، وإن يكن المعبر مع العراق والذي يبعد نحواً من 300 كلم شمال شرقي الرقة، لا يزال مفتوحاً، وذلك لأنه لا يشهد في العادة سوى الحركة البطيئة عليه، مما يجعل عناق الأكراد في سورية والعراق، أشبه بالعناق في الجحيم.

وفي مخيم في بلدة "عين عيسى"، على بعد خمسين كلم شمال الرقة، يتحدث المراقبون والمحققون الدوليون، عن أنه لم يعد هناك متسع للنازحين الأكراد الجدد، الهاربين من جحيم النيران العدوة والصديقة. فهم ينامون على الأرض، ويفترشون العراء ويلتحفون السماء، فلا خيام فوق رؤوسهم ولا أغطية على أبدانهم ولا طعام في قدورهم وقصعاتهم وجفناتهم إلاّ نفاضة جراب الإعانات الدولية والعربية.

ويروي "بول دونيهي" من "لجنة الانقاذ الدولية" أن الوضع الحربي يجعل أمن الأكراد غير مستقر في شكل كبير. وهذا بحد ذاته يعد مصدر قلق آخر للمنظمات الإنسانية في منطقة ما تبقى من أراضي الخلافة الإسلامية تحت حكم داعش وحرب التحرير التي يقودها التحالف الدولي عليها. إذ هناك الكثير من الألغام والعبوات الناسفة، فضلاً عن أخطار كثيرة غير محسوبة بدقة، وهي أن تقوم داعش بشن هجمات مباغتة على الآمنين والمدنيين، لتوقع النساء والصبية في أسرها وتبيعهم سبايا، أو تسوقهم إلى جهاد النكاح بالقسر والإكراه.

وتذكر قيادية من "وحدة حماية المرأة الكردية"، أن الكثير من النساء الأزيديات، والكثير من الفتيان والصبية الأزيديين، الذين وقعوا في أيدي المتشددين، إما ذبحوا أو استعبدوا أو اغتصبوا، حين تم اجتياج شمال العراق وشمال سوريا، ومارسوا عليهم التطهير ضد الأقلية الأزيدية، ولا تزال أكثر من ثلاثة آلاف امرأة في أسر داعش. ويتحدث الناجون والناجيات، عن سوق للنساء والأسرى تحت الأرض، في الرقة، وهي سوق لبيعهم حيث كانوا يعرضونهم أمام عناصر التنظيم، وكل واحد يختار من يعجبه.

ويقول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن التنظيم وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يعمد إلى إيقاع أكبر تدمير ممكن بالمناطق التي لا يزال يسيطر عليها في العراق ويقوم يومياً بارتكاب المجازر مما يزج بالمدنيين جميعاً أكراداً وعرباً وتركمان في أتون النار.

كاتب لبناني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة