الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٢, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لن تتعرّفي على بغداد اليوم يا حياة - بلقيس شرارة
بلقيس شرارة الجادرجي الكاتبة العراقية ترثي شقيقتها الراحلة الناقدة والخبيرة في الأدب الروسي الدكتورة حياة شرارة التي قضت في بغداد في مثل هذا اليوم قبل عقدين في ظروف قاسية: 

عندما أمسكت القلم لأكتب عن شقيقتي حياة، تراقصت أمام ناظري حفنة من الصور، وعادت الذكريات الحزينة تدق أجراسها، وبرزت صور الألم الحية مكدسة طافية في فجوات الدماغ، فلحظة الألم لا تخبو بسرعة ولا تتيه بين أوراق الماضي بل تبقى راسخة في الإدراك لتعود بسرعة إلى الحاضر ثانية.

في مثل هذا اليوم فارقتنا شقيقتي حياة شرارة منذ عقدين 1/8/1997 - 1/8/2017، تغير خلالها العالم تماماً، فقد انتقلنا إلى عالم المعلومات، إنه طوفان جارف من الأجهزة اللوحية والشاشات والازرار بين أيدينا.

خلال هذين العقدين، انتهى عهد صدام حسين الذي عانت منه حياة، وكان سبباً مهماً في إنهاء حياتها، لكننا نعاني اليوم من التشرذم الذي حل في العراق. فقد تفتّتت العلاقات بين الناس وحلت الانقسامات الطائفية والعنصرية، في البلد الذي نشأت به حياة، فلن تتعرف على عراق اليوم. الوطن والمواطنة أصبحا مفردات غريبة في قاموسنا. والانتماء أصبح للطائفة والعشيرة بدل الوطن، أصبح الدين سلعة يتاجَر بها ويُزايَد عليها من قبل مليشيات بأسماء مختلفة عمت أجواء العالم العربي، وأصبحت الانقسامات في أوطاننا التي لم نكن نحلم بها هي القاعدة، وهو المستنقع الذي سقط به العراق ويحتاج إلى معجزة للخروج منه.

فالعالم المتقدم يخطو بسرعة نحو المستقبل، ونحن نعيش في الماضي، والفجوة أصبحت كبيرة، إلا بحركة علمية شاملة تنقله من التخلف إلى العالم المتمدن. إن عالمنا ومعظم بلداننا العربية، ترزح وتعاني من التخلف والتدهور الذي لحق بها، فقد تراجعت إلى العصور الوسطى التي مرت بها أوروبا منذ أربعة قرون. فالحروب الدينية والطائفية مزقت بلداننا. والعراق يمر اليوم، في خريف دائم من الجهل، لا ندري متى تظهر براعم ربيع المعرفة فيه. وأصبحت حياة العراقيين جحيماً لا يطاق ومعاناة دائمة لا تنقطع من تفخيخ وقتل الأبرياء.

كنتِ يا حياة تتوقين إلى عالم خالٍ من الاستغلال والظلم الذي كرستِ حياتك له، لقد كافحتِ في اعلاء قيم الحرية والمساوة والروابط الإنسانية المحضة بين البشر، إنه حلم، ونعلم جميعنا اليوم اننا كنا نحلم بهذه الأفكار التي كنت تؤمنين بها، وتكريس هذه المبادئ في بناء عالم بلا استغلال الانسان لأخيه الانسان. السامية

إن حب الحياة يجعلنا ننسى الموت، بالرغم من أننا نعلم جميعاً ان الموت فريضة علينا ولا ندري متى نؤديها، لكن خيبة الأمل وحسك الفاجع بالحياة، ومعاناتك من عالم الكوابيس والظلمة التي هيمنت عليك آنذاك، ومحاصرة شبح الموت، الذي ما استطعتِ التخلص منه، فاسرعت في تأدية هذه الفريضة عندما كنت في اوج انتاجك الأدبي.

كان تعبيراً عنيفاً في انهاء حياتك ووداعاً قاسياً لنا. لكن رغم هذا فأنت معنا دائما يا حياة، من خلال كتاباتك، وكتبك التي جمعت وطبعت في مجموعة واحدة تطل علينا من رفوف المكتبة، فلن ننساك بالرغم من مرور عقدين على فراقك لنا. ما زلت معنا وما زالت ذكراك حية تلاحقنا دائماً وأبداً.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
الرئيس العراقي: الانتخابات النزيهة كفيلة بإنهاء النزيف
الرئيس العراقي: الانتخابات المقبلة مفصلية
«اجتثاث البعث» يطل برأسه قبل الانتخابات العراقية
الكاظمي يحذّر وزراءه من استغلال مناصبهم لأغراض انتخابية
الموازنة العراقية تدخل دائرة الجدل بعد شهر من إقرارها
مقالات ذات صلة
عن العراق المعذّب الذي زاره البابا - حازم صاغية
قادة العراق يتطلّعون إلى {عقد سياسي جديد}
المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي - حازم صاغية
هل أميركا صديقة الكاظمي؟ - روبرت فورد
العراق: تسوية على نار الوباء - سام منسى
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة