أبرز ما نجم عن برنامج الـ «سي آي أي» السري لدعم ثوار سوريين هو حمل الروس على التدخل العسكري في 2015 وإنقاذ الرئيس بشار الاسد- وهذا خلاف ما رمى إليه (البرنامج هذا). وما جرى في سورية هو فصل تعيس من فصول دعم الـ «سي آي أي» قوات شبه عسكرية، وهي فصول سيئة الطالع. ويُبادر إلى مثل هذه المساعي لمنح الرؤساء خيارات. ولكن غالباً ما تنتهي هذه المساعي إلى فوضى يشعر فيها الثوار أنهم «هُجروا (تركوا لمصيرهم) بعد التغرير بهم» من طريق دعم أميركي ما يلبث أن يتبدد حين تتغير الظروف السياسية. وعلى رغم أن الإعلان عن طي البرنامج السوري أماطت «واشنطن بوست» اللثام عنه هذا الأسبوع، بدأ عقده ينفرط منذ مطلع ولاية الرئيس ترامب. فهو أراد العمل من كثب مع روسيا في إرساء استقرار سورية. ولا تتماشى رغبته هذه مع برنامج يستهدف حلفاء روسيا.
وتستخلص دروس مفيدة من بروز برنامج دعم الثوار السوريين السري وأفوله تسلط الضوء على أكثر الأسلحة هشاشة (دعم الـ «سي آي أي» قوات معارضة) في ترسانة الولايات المتحدة. وخلاصة القول إن البرنامج هذا التُزم بعد فوات الأوان، وكان محدود الإطار وكثير الاعتماد على شركاء إقليميين مريبين. وعلى رغم الشوائب هذه، بلغ هذا البرنامج من القوة مبلغاً هدد فيه الأسد، وحمل روسيا على التدخل؛ ولكنه لم يكن قوياً قوة ترسي غلبته. والمقاتلون السوريون ممن دعمتهم الاستخبارات الأميركية المركزية كانوا منقسمين سياسياً، ولم ينأوا بأنفسهم عن المجموعات المتطرفة المعارضة وكانوا «متشابكين» معها. ولم يسعهم اقتراح خطة مستقبل سياسي قابلة للحياة.
ولم يستعن برنامج الاستخبارات الأميركية بقوات أميركية في ميادين المعركة، وكان يُدار من مراكز عمليات سرية في تركيا والأردن، ومدَّ مجموعات مسلحة كثيرة بمئات ملايين الدولارات. وفي صيف 2015، بلغ الثوار أبواب اللاذقية في الساحل الشمالي، وهددوا مسقط رأس آل الأسد والقواعد الروسية هناك، وكانوا يتجهون نحو دمشق. وحينها، دار كلام محللي «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية على «نجاح كارثي» ينتهي إلى إطاحة الثوار الأسد من دون إرساء حكومة قوية ومعتدلة. وفي حزيران (يونيو) 2015، نقلت عن مسؤول استخباراتي أميركي قوله: «حان وقت البدء بالإعداد لمرحلة ما بعد سورية الأسد».
ولا شك في أن القلق كان يعتري الرئيس الروسي فلادمير بوتين وهو يراقب المؤشرات نفسها، وزاد قلقه بعد زيارة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس والراعي الإقليمي لبشار الأسد، العاجلة موسكو في تموز (يوليو) 2015. فتدخل بوتين عسكرياً بعد شهرين (في أيلول- سبتمبر) في سورية، وقلب موازين القوى على نحو حاسم في الحرب السورية. وقرار ترامب إنهاء برنامج الـ «سي آي أي» هذا هو إقرار فحسب بواقع الأمور في سورية.
ولكن ماذا كان في وسع أميركا الإقدام عليه لتحصد نتائج مختلفة؟ في النقاط التالية أعرض بعض خواطر مسؤولين أميركيين وسوريين في محاولة لجواب السؤال هذا:
- كان في الإمكان بدء برنامج الـ «سي آي أي» في وقت مبكر، في 2012، قبل اشتداد عود المتطرفين. وحينها كان الأمل في «بناء» قوة معتدلة لم يذوِ بَعد. ولكن في 2013، حين بدأت عجلة البرنامج هذا تدور، كان «الجهاديون» وأمراء الحرب يهيمنون على المعارضة المسلحة.
- كان في مقدور واشنطن تزويد الثوار بأسلحة مضادة للطائرات لحماية مناطقهم من القصف «الأسدي» الوحشي. وعلى رغم أن الثوار درّبوا على استخدام مثل هذه الأسلحة، لم تكن في متناولهم في ميادين المعركة.
- أثناء مفاوضة واشنطن إيران على الاتفاق النووي، أرادت تجنب قتل إيرانيين في سورية. ومباشرة بعد تدخل بوتين، تفادت أميركا الروس. ولا شك في أن الحذر وراء مثل هذه القيود (مع إيران والروس)، ولكنها ساهمت في تحييد العمليات العسكرية التي تدعمها أميركا، وجعلتها من غير فائدة.
- كانت جعبة أميركا خاوية من استراتيجية سياسية تواكب حملة «الاستخبارات المركزية» السرية. و «لم تُصغ أهداف أمن قومي واضحة ولا استراتيجية»، قال فريد هوف، مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية. ويقول مسؤول أميركي آخر إن المساعي الأميركية فاقمت، من غير قصد، الانقسام والتنافس في صفوف الثوار عوض أن تكون أداة رص صفوف بين فصائل المعارضة.
وفي الإمكان الوقوف على أوجه الاختلاف بين أفول برنامج الـ «سي آي أي» في غرب سورية، وبين زخم الحملة على داعش في الشرق. ففي الشرق، مقاتلون سوريون منظمون يتولون القتال، في وقت تدعمهم قوات أميركية برية وجوية.
* محلل، معلق، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 20/7/2017، إعداد منال نحاس. |