وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لا يحب ضجة المساعدين، ولا إلحاح بعضهم على متابعة أكثر من ملف في آن واحد. صيف واشنطن الحار والرطب يبدو أنه وضع الوزير في قيلولة سياسية عزلت الديبلوماسية الأميركية بالكامل عمّا يحصل في المسجد الأقصى، وألحقتها بروسيا في سورية، وقوضتها مع إيران وصمّت آذانها في الموصل.
برنامج الوزير الأميركي، والذي تعلنه الخارجية مساء، غالباً ما كرر في الأيام الأخيرة «لا اجتماعات معلنة»، وإيجاز الوزارة الصحافي تحول من خمسة أيام في الأسبوع إلى يومين. أما المناصب الحيوية في الوزارة فما زالت خالية، فيما تيلرسون يَصبّ اهتمامه على اقتطاع موازنتها وإغلاق مكاتب أساسية فيها، بينها «مكتب جرائم الحرب» وتصغير مكتب حقوق الإنسان.
في الأسبوع المنصرم ومع تسارع التطورات في القدس ودعوة السلطة الفلسطينية إلى «يوم الغضب»، نصح أحد مستشاري تيلرسون، الوزير بالاتصال بالقيادات الأردنية والفلسطينية والإسرائيلية لاحتواء الأزمة. لا بل قام المساعد بتحضير إيجازات مفصلة عن موقف اللاعبين الأبرز مما يحصل في الأقصى وما يمكن تيلرسون أن يناقشه مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. الوزير أخذ الإيجاز ولَم يتصل أو يحرك ساكناً حول الأزمة.
في ٢.١٤ وفِي خضم أزمة مماثلة حول الأقصى، جمد جون كيري، سلف تيلرسون في المنصب، جميع نشاطاته وتوجه إلى المنطقة لاحتواء التصعيد، مدركاً حساسية الواقع السياسي والأمني والديني والتاريخي للأقصى منذ أيام العثمانيين وحتى اليوم. ونجحت زيارة كيري عندذاك في تهدئة الموقف وتثبيت دور الأردن كوصي على الأقصى. كما ضغط على نتانياهو يومذاك ومنع الأمور من الذهاب في مسار تحريضي كاد يؤجج انتفاضة ثالثة كالتي بدأت في ٢٠٠٠ بعد زيارة تحريضية من أرييل شارون إلى الحرم القدسي.
تيلرسون قال لبعضهم أنه ما زال «يجس النبض» ولا يدرك تفاصيل وتاريخ النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. فرجل الأعمال السابق، والذي أمضى حياته المهنية يفاوض صفقات نفطية قد لا يفهم لماذا الإجراءات الأمنية هي مثيرة للجدل، وقد يغيب عنه تاريخ الاتفاقات والتفاهمات حول الوجود الأمني في محيط المسجد. وليس لديه فريق متكامل أو مساعد لشؤون الشرق الأدنى للإفادة منه في هذه الخلفية.
أما جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي المكلف عملية السلام، فهو غارق في فضيحة التحقيق في الاتصالات مع روسيا والمعارك القانونية بعد استقالة محاميه جايمي غورليك. ودونالد ترامب نفسه منهمك في تعيينات جديدة في البيت الأبيض بعد استقالة الناطق شان سبايسر والحشد لمعركة في وجه المحقق الخاص روبرت مولر حول صلاحياته ونبشه تاريخ ترامب والعائلة مع روسيا.
كل ذلك يقوض الديبلوماسية الأميركية في شكل غير مسبوق في التاريخ الحديث ويجعلها غائبة بالكامل عن لحظات محورية في الشرق الأوسط. فرفض تيلرسون حتى رفع السماعة وإجراء اتصال مع تل أبيب أو رام الله أو عمان، يعكس مستوى التراجع الديبلوماسي الأميركي. فتيلرسون يفضّل التعاطي مع أزمة واحدة وهو اليوم، وفق مصادر قريبة منه، مشغول بالخلاف مع قطر.
المشكلة في ذلك أن غليان الشرق الأوسط لا يقرره برنامج تيلرسون بل العكس. والديبلوماسية الأميركية الفذة التي أنجبت جايمس بايكر وريتشارد هولبروك وفيليب حبيب مفقودة بالكامل اليوم، وثمن غيابها سيترتب على المصالح الأميركية وأمن المنطقة.
أزمات الشرق الأوسط ليست عقوداً تجارية في شركة أكسون التي أدارها تيلرسون وبرع فيها. وجهله أو على الأقل عدم اكتراثه بالفارق، سيحتم إضعاف الخارجية الأميركية وتقويض دورها، وليترك المصالح الأميركية والاستقرار الإقليمي في مهب الريح إلى حين أن يستيقظ الوزير من قيلولته. |