الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ١٧, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
«داعش» الذي في أنفسنا - حازم الامين
كتب الصحافي حسين جمو في صفحته على فيسبوك: «أثناء معركة الفلوجة في العام 2004 أصبح اسم الفلوجة رمزاً للأغاني الشعبية في مناطق واسعة في سورية. حضرت عدة حفلات غنى فيها المطرب للفلوجة. وأضيفت رمزية أخرى إلى الثقافة الشعبية المسيسة مع إعدام صدام حسين شنقاً في نهاية عام 2006. جرى ذلك تحت أنظار أجهزة النظام في سورية وبرعايتها... المناطق التي تغنت بهذه الرموز: الفلوجة، صدام، معركة مطار بغداد الخيالية..إلخ، هي المناطق التي لم يواجه فيها «داعش» مقاومة فعلية، بل قبولاً إلى حد ما...».

في سياق الحرب التي تُخاض على «داعش» اليوم، سواء في الموصل العراقية أو الرقة السورية، يُهمل جذر أساسي لهذا الورم الاجتماعي غير الجديد، يتمثل في الظروف التي رعاها كل من نظامي البعث في سورية وفي العراق والتي أدت إلى حملنا هذا الفيروس القاتل. ففي «أيام المقاومة» المجيدة كان «داعش» جنيناً يتشكل من نطفة وبويضة البعثين. البعث السوري استدعاه من كل بقاع الأرض والبعث العراقي استقبله وآواه. «المقاومة» في حينه كانت أرجوزة الجميع، ولا يبدو أن أحداً بريء منها. قتال الأميركيين في العراق أملى أن تتحول سورية إلى ممر للـ «جهاديين»، وأن يتحول العراق إلى وجهة نهائية لهم. وليس صدفة أن «داعش» المشرقي أطلق خلافته من هذين البلدين.

كل من هتف لـ «المقاومة» في العراق شارك في انعقاد النطفة على البويضة. ويومها معظمنا فعل ذلك. فقد أطربتنا أشرطة الفيديو التي كانت تبثها «دولة العراق الإسلامية»، والفصائل الموازية لها، واليوم كل بحث عن «داعش» يفضي إلى هذه المرحلة المؤسِسة. ارتداء القفازات في تفسير «داعش» لن يجدي نفعاً، ولن يفيد في سياق المعركة معه. ومثلما هي مخيفة عدم رغبة الأميركيين في الذهاب في البحث عن «داعش» في سياساتهم وأخطائهم وممارساتهم، مخيف أكثر تغاضينا عن البحث عن «داعش» في أنفسنا.

العودة إلى أجواء معركة الفلوجة الأولى والثانية وما رافقها من انجذاب جماعي إلى فكرة «المقاومة» هي عودة للولادة الأولى لـ «داعش». هناك أطلق أبو مصعب الزرقاوي شريط الذبح الأول، وهناك أيضاً ولدت فكرة «الدولة» التي تحولت في زمن البغدادي إلى خلافة. وبين زمني الدولة والخلافة، دفع نظام البعث السوري مسجونيه «الجهاديين» إلى أحضان الثورة، ولم تبد الأخيرة حساسية كافية لوجودهم بين ظهرانيها، فيما راحت مدن الغرب والشمال في العراق تستسلم واحدة وراء الأخرى لورثة الزرقاوي.

ليس النظام في سورية وحده مسؤول عن تضخم «داعش» في الجسم الأهلي، فضعف الحساسية حيال ضخ النظام الإسلاميين في جسم الثورة في حينه، هو امتداد لحماسة سابقة كانت أبدتها بؤر الثورة لـ «المقاومة» العراقية، ومادة هذه الحماسة لم تخل في حينه من عناصر طائفية وأخرى بعثية وقومية. والمرارة التي يبديها ما تبقى من بؤر مدنية في سورية حيال انقضاض «داعش» على الثورة هناك، موازية لمرارة أخرى تبديها نفس هذه البؤر جراء انجذابها لـ «حزب الله» في أيام مقاومته إسرائيل. وفي الحالين لم تجر مراجعة، ولم يعتقد أحد أن لرفد «المقاومة» برأي عام وبحماسة جماعية، أثماناً أخرى، وأن المطالبة بالحرية والعدالة لا تنسجم مع الوقوف وراء نظام البعث في موضوع «المقاومة»، والابتعاد عنه في موضوع الحريات. المطرقة واحدة، والرؤوس المستهدفة، أصحابها هم أنفسهم من هتف للفلوجة ومن ندب صدام حسين، وأطلق اسمه على مئات المواليد الجدد.

يمكن رصد هذا المزاج في معظم حركات الشارع العربي في السنوات الأخيرة. ولعل بواكيره كانت في بيروت، ذاك أن صور زعيم البعث في العراق رُفعت في التظاهرة الثانية لجماعة «14 آذار»، وهتفت في حينه لصدام جماعات قدمت إلى التظاهرة في مناطق من الشمال اللبناني، هي نفسها المناطق التي رفدت «داعش» لاحقاً بعشرات المقاتلين.

الصدمة المطلوب إحداثها في سياق سعينا للشفاء من «داعش» كما من النظام في سورية، هي أن نبحث أيضاً عنهما في أنفسنا، وفي تمكنهما من حجز مواقع في وعينا وفي خبراتنا وتجاربنا. أن نعيد النظر في مسلمات، وأن نلعب في وجدان تشكل في ظل ثقافتي البعث و «داعش»، وما بينهما من مقاومات.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة