انتظر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ٣٥ يوماً بعد بداية الأزمة مع قطر قبل حزم حقائبه والتوجه الى العواصم الخليجية للبحث عن حل تفاوضي ما زال صعب المنال.
تيلرسون على عكس أسلافه في المنصب جون كيري وهيلاري كلينتون وكوندوليزا رايس لا يُؤْمِن بالديبلوماسية المكوكية، وهو كان أمضى الأسابيع الأولى من الأزمة إما على الهاتف متحدثاً، أو مستقبلاً في شكل منفصل وزراء خارجية الدول الأربع وقطر في مكتبه في وزارة الخارجية. فالديبلوماسية الأميركية الفذة التي كانت تحضر القاهرة أو بيروت أو الرياض في أوج الأزمات وفور بدايتها، هي غائبة اليوم، واستبدلها حضور خجول للوزير الأميركي الجديد وخلافات بينه وبين البيت الأبيض.
هنا تجدر الإشارة الى شخصية تيلرسون المنطوية بعض الشيء. فمن يعرف الوزير ويعمل معه يقول إنه يلازم مكتبه في الطابق السادس في الخارجية، ويحرس بابه رجلا أمن في شكل يمنع دخول الموظفين باستثناء اثنين من مساعديه من دون موعد مسبق. وتيلرسون لا يحب الإعلام ولا الصحافيين، وهو يتوارى خلف مكتبه، حتى أنه لم يجب مرة على اتصال الوزيرة السابقة كوندوليزا رايس، وجرى تحويل المكالمة الى مساعديه. ومن المعلوم أن رايس أوصت الرئيس دونالد ترامب بتعيين تيلرسون في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت. مع ذلك، هناك خبرة طويلة لتيلرسون في المنطقة ومعرفة باللاعبين والقيادات منذ كان مديراً لعملاق النفط «إكسون» في العقدين الفائتين قد تفيده في استخدام هذه العلاقات الشخصية لبدء المفاوضات.
إلا أن التعثر الأول الذي وقع فيه الوزير الأميركي هو إبرام مذكرة تفاهم بقي نصها سرياً مع قطر حول محاربة تمويل الإرهاب، وظن أنها قد تدفع الى مفاوضات خليجية لحل الأزمة. الخطأ ليس في توقيع الاتفاق الذي يبدو ضرورياً أخذاً في الاعتبار ما تراه الإدارات الاميركية الثلاث الأخيرة (بوش وأوباما وترامب) تلكؤاً قطرياً في محاربة تمويل الإرهاب، بل هو بإبقاء النص سرياً وعدم الإعلان عن آلية لتطبيق اي اتفاق او إجراءات جديدة لمحاربة التمويل.
وجاء تسريب شبكة «سي أن أن» نص الاتفاق الخطي الموقع في الرياض في ٢٠١٣ و٢٠١٤ بين قطر ودوّل مجلس التعاون الخليجي ليوجه رسالة فحواها أن المطلوب ليس المزيد من المحادثات التي تفضي بتوقيعات جديدة يجري نكثها لاحقاً، بل التزامات وخطوات واضحة وصريحة لمعالجة الأزمة. وكان التسريب أيضاً ضربة استباقية لتوقيع تيلرسون في الدوحة ورفع سقف التوقعات قبل قمة السعودية.
فما من شك أن تيلرسون يريد حلاً ديبلوماسياً يراعي مصالح الولايات المتحدة وعلى رأسها الحفاظ على وحدة مجلس التعاون الخليجي وعدم تأثير الأزمة على الحرب ضد الإرهاب. إلا أن أسلوب الوزير وعدم وضوح الاستراتيجية الأميركية في الازمة في ظل استمرار التفاوت في النبرة بين البيت الأبيض وبين الخارجية يضعفان قدرة تيلرسون على المناورة. وهذا الأمر يزيد التوقعات بأن الأزمة ستطول في المدى المتوسط بانتظار حل شامل وحقيقي من أن تنتهي باختراق للوزير الأميركي.
وهذه الأزمة عدا عن محوريتها لمستقبل منطقة الخليج، فهي أيضاً أمتحان أول وصعب للوزير الأميركي. وسيعتمد نجاحه فيه على استنباط آلية تطبيقية لأي حل او اتفاق مع الدوحة يتعامل مع أكثر من ١١ شخصية مرتبطة بقطر على لائحة الإرهاب لوزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين. ولا يكتفي بتوقيع على نصوص سرية قد تبقى حبراً على ورق تعود على شكل أزمة جديدة بعد سنوات مع خلف تيلرسون. |