الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ١٣, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
متى يصحو محمود عباس؟ - منير شفيق
بداية يجب الانتباه إلى أن الحراك الأميركي من قبل دونالد ترامب باتجاه الانتقال إلى تحريك عملية التسوية، بدءاً بالمفاوضات، جار على قدم وساق وبمنتهى الجدية. ويكفي أن يكون صهر الرئيس جاريد كوشنير من ضمن الوفد الذي ترأسه جيسون غرينبلات. هذا، ويجب أن يلاحظ بأن فشل الحراك الجديد من قبل غرينبلات وكوشنير والذي وصف بأنه "غير موفق"، تبعه رأساً الإعلان عن توجه وفد فلسطيني إلى العاصمة الأميركية في أوائل شهر تموز/ يوليو. مما يعني أن الملف من جانب محمود عباس لم يطو، وما زال البحث جارياً حول مطلب نتنياهو - ترامب منه بوقف رواتب الأسرى كافة، كشرط لبدء المفاوضات الثنائية، وبلا أي مرجعية أو ضوابط. 

هذا يعني أن محمود عباس لم يكفه لكي يقتنع بعبثية، أو جهالة، الرهان على الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتقدم بمشروع "الصفقة التاريخية". فإذا كانت فاتحة العملية المقترحة قطع رواتب ستة آلاف أسير فلسطيني باعتبار أن الرواتب تشجع على "الإرهاب" غير كافية فما الذي يحتاجه لكي يصحو ويعتبر؟

بالمناسبة محمود عباس لا يمانع بوصف المقاومة الفلسطينية التي مارسها الأسرى ويمارسها مَن في الطريق بأنها "إرهاب". ولكن مشكلته من العواقب الوخيمة التي ستنفجر في وجهه إذا أقدم على خطوة وقف تلك الرواتب، إذ سيجد نفسه على قارعة الطريق من قبل فتح قبل الفصائل الأخرى. فالقرار من جانب محمود عباس أخطر عليه من كل التنازلات التي أقدم عليها. لأننا هنا أمام المثل القائل "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق". هذه الحقيقة يدركها نتنياهو وقد باعها لدونالد ترامب ليرسل الكرة إلى ملعب محمود عباس قبل أن يحاول ترامب التفكير بالأسس التي سيطلقها لبدء عملية "الصفقة التاريخية" الرهيبة، والوقحة، بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، كما بالنسبة إلى كل من سيقبل بها من فلسطينيين وعرب ومسلمين.

لأن تلك الأسس ومهما كانت رهيبة وقبيحة وتصفوية بالنسبة إلى الفلسطينيين والعرب قد تحمل في طياتها بعضاً مما لا يقبل نتنياهو به. ولهذا طالب بقطع رواتب الأسرى وهو متأكد أن محمود عباس لا يستطيع الإقدام عليها، ليس لأنه يرفضها من حيث المبدأ، بل قيل أنه حاول الالتفاف عليها، بإحالة موازنتها إلى مؤسسة خاصة، بعيداً، من الصندوق القومي، وإنما لأنها تعني الإطاحة به أرضاً.

وهذه الحقيقة يفترض بدونالد ترامب أنه يدركها، ولا ينجر إلى تبنيها. ولكنه، بسبب علاقته بالصهيونية وقد وصلت إلى العلاقات العائلية (زواج ابنته المحبوبة إيفانكا من جاريد كوشنير وإعلانها الدخول في الديانة اليهودية)، فضلاً عن التصرفات الحمقاء التي بينه وبينها صلات وثيقة أيضاً.

وإلاّ كيف يقبل لنفسه أن يفشل بأولى خطواته ومع من؟ مع محمود عباس الأكثر تهالكاً للسير في ركابه. ولكن بأي ثمن لا يصل إلى حد الصدام الداخلي بستة آلاف أسير وذويهم. ومع ذلك لم يقطع الأمل (محمود عباس) بإيجاد مخرج ما، وإلاّ لماذا يرسل وفداً فلسطينياً على أعلى مستوى ليعيد مناقشة الموضوع في واشنطن؟

حقاً لقد ابتلي الشعب الفلسطيني بقيادة من النوع الغريب المريب الذي لا يبالي بالإهانة إن جاءت من نتنياهو أو أميركا، ويصبح نمراً شرساً إذا ما تعلق الأمر بمعارضة فتحاوية أو فصائلية أو حتى فردية. أما الأنكى فديدنه تجريب المجرّب. وهذا يفسر لماذا لم يقنعه تبني إدارة ترامب، مع الإصرار، لقطع رواتب الأسرى كمقدمة لإطلاق المفاوضات، بأن يبحث عن طريق آخر غير الرهان على الرئيس الأميركي وصهره الصهيوني جاريد كوشنير.

وبكلمة، ما عجز الجيش الصهيوني أمامه في ثلاث حروب يريد محمود عباس أن يقدمه له من خلال حرب فلسطينية - فلسطينية ومجاناً، وتحت حجة تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية في ظل المفاوضات والاتفاق الأمني والتنسيق الأمني كما هو الحال في الضفة الغربية.

وبهذا لم يكتف محمود عباس بمشاركته في الحصار الذي فرض على قطاع غزة منذ 2007 فحسب، ولم يكتف بمناهضة المقاومة والانتفاضة في الضفة الغربية فحسب وإنما أيضاً قرر خوض حرب الحسم ضد قطاع غزة المستعصي على العدو الصهيوني، والمهدِّد له بالهزيمة في أية حرب قادمة. الأمر الذي أفسح المجال لعدوه الشخصي اللدود للتحرك من خلال مصر الرسمية للمساومة مع حماس في قطاع غزة للتخفيف من الحصار الذي حوّله محمود عباس إلى حرب إبادة. فالحسابات الخاطئة والمشبوهة التي دفعت محمود عباس لشن تلك الحرب على قطاع غزة لم يخطر بباله أن مصر ودحلان وحماس يمكن أن يخترقوا هذا الحصار بالرغم مما هو قائم بين حماس ومصر من أسباب صراع، أو بين حماس ودحلان من عداوة وثارات.

فبالنسبة إلى الموقف المصري فخطوته تجاه حماس تخرّب، عملياً، على خطوة ترامب ونتنياهو وعباس إزاء حماس في قطاع غزة. لأنها موضوعياً، ولو لم تقصد، تخرّب على إجراءات عباس ونتنياهو التي اتخذت ضد قطاع غزة. وذلك على الرغم من أية نتائج مستقبلية قد تنجم عن هذه العلاقة. لأن هذه العلاقة حمالة لأكثر من تطوّر. مثلاً باتجاه الانقلاب إلى تأزيم أشد من سابقه، أو باتجاه علاقات أكثر إيجابية ووتوافقات، أو بين بين.

أما بالنسبة للعلاقة المستقبلية بين حماس ومحمد دحلان فالاتجاه الأقوى إلى صدام قادم... فعدوَّا الدم والثارات والتصادم السياسي الدموي العميق يتفاهمان ليسير كل منهما على أرض الآخر المزروعة بالألغام والفخاخ. فمن هنا نحن أمام تجربة واقعية فريدة تمشي على الأرض لا يملك المرء أن يستغربها أو أن يعتبرها غير مفهومة، ما دامت قد حصلت، ونزلت إلى ارض الواقع. فالواقع حين يختلف مع المنطق السابق والتوقعات، يجب ان يُقرأ وقوعه ومستقبله واحتمالاته ضمن منطق جديد وتوقعات جديدة، وإلاّ وجد العقل نفسه أسيراً لماضٍ تخطته الأحداث.

لا شك في أن إقدام مصر ومحمد دحلان (الإمارات) خرب أو سيخرب ما أعده نتنياهو وعباس لقطاع غزة. وذلك بالرغم من أن ما حصل حتى الآن لا يتعدى الخطوات الأولى الخجولة والحذرة، فيما مصر ودحلان يكيدان لحماس كيدا. الأمر الذي يوجب التأني في إصدار الأحكام والمواقف. فما من أحد يغيّر جلده بين ليلة وضحاها، ولكن رب خطوة تحدث بين ليلة وضحاها تعثر في الخطوة التالية أو تتبعها خطوات باتجاهها، ولكل حادث حديث.

المهم هو بقاء حماس في مواقع المقاومة وعينها على العدو الصهيوني وأصبعها على الزناد. وأما ما عدا ذلك فيبقى من التفاصيل، من دون التقليل من أهمية التفاصيل.

سياسي فلسطيني 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية
تل أبيب ترفض التهدئة وتستدعي قوات الاحتياط
مصير الانتخابات الفلسطينية يحسم اليوم
استطلاع: «فتح» تتفوق على «حماس» والبرغوثي يفوز بالرئاسة
المقدسيون مدعوون للانتخابات عبر مراكز البريد
مقالات ذات صلة
حرب غزة وأسئلة النصر والهزيمة! - أكرم البني
أيضاً وأيضاً: هل يتوقّف هذا الكذب على الفلسطينيّين؟ - حازم صاغية
لا قيامة قريبة لـ«معسكر السلام» - حسام عيتاني
إعادة اختراع الإسرائيليّة والفلسطينيّة؟! - حازم صاغية
... عن مواجهات القدس وآفاقها المتعارضة - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة