الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٨, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
آستانة غطاء للتقاسم وتأسيس ليالطا جديدة - طوني فرنسيس
الجولة الخامسة من محادثات آستانة السورية لم تقدّم جديداً على مسار التسوية. الجولات السابقة شكّلت في الغالب غطاء لاستمرار قضم مناطق معارضي النظام، لذلك لم يكن مفاجئاً التقلُّص التدريجي لحضور المعارضين في الاجتماعات المتلاحقة، وتواضع صفاتهم التمثيلية في الأخير بينها، بين مسؤول محور سابق، ورئيس أركان لجيش حر يقيم ضباطه في منفى إجباري.

تحوّلت آستانة، على رغم نفي منظّميها، إلى مسار مواز لجنيف، وربما إلى نقيض له. استند مسار جنيف برعاية الأمم المتحدة إلى بيان كيري– لافروف 2012، ثم إلى سلسلة قرارات دولية جوهرها قيام سلطة انتقالية في سورية. لكن ذلك أصبح من الماضي، فآستانة تبحث في أشياء أخرى: مناطق نفوذ وقوى أمنية ضامنة ومعابر بين النواحي ودور ثابت للأسد الذي كان رحيله عنواناً إقليمياً ودولياً وسورياً على مدى سنوات. ولا يغيّر في انحسار الرعاية الدولية التي توافرت لجنيف حضور ستيفان دي ميستورا مبعوثاً للأمم المتحدة، فالمجتمعون دورياً في العاصمة الكازاخية يعرفون أن المسألة لم تنضج كلياً لتحضر الأمم المتحدة بثقلها البروتوكولي الختامي فتستضيف الخلاصات والنتائج.

لماذا آستانة إذاً؟ وأية أهداف لاجتماعاتها؟

سقطت حلب بيد النظام والروس والإيرانيين، وبـ «رضى» تركي في كانون الأول (ديسمبر) 2016، وبعد نحو شهر انطلقت منصة آستانة (23- 24 كانون الثاني- يناير 2017). لم يحصل ذلك مصادفة، فالنظام اعتبر أنه حقّق نصراً تاريخياً وموسكو تبنّت الإنجاز وطهران جعلت منه نصراً إلهياً.

من هنا انطلق الأطراف الثلاثة بقيادة روسيا إلى خوض عملية سياسية منفصلة عن المسارات الدولية السابقة، على رغم حرصهم في بيان صادر عن لقائهم الأول على التذكير بالمقررات الأممية وبيان جنيف وبيان فيينا وقرارات مجلس الأمن الخاصة بحل الأزمة في سورية، إلا أن هذا الحرص كان يخفي في الواقع رغبة بمواصلة المعركة وانتزاع مناطق جديدة، إما بالهجوم المباشر (وادي بردى مثلاً) وإما تحت عنوان المصالحات التهجيرية كما في منطقتي حمص والزبداني.

تشتتت المعارضة «المعتدلة» بعد آستانة-1 خصوصاً في الشمال، وأدت حملات التهجير والتضييق المتلاحقة إلى تقوية الأجنحة المتطرفة (النصرة وتحالفاتها) وباتت لهذه الأجنحة ملاذات تتحكّم بها في إدلب وغيرها، إلا أن النتيجة الأبرز كانت انخراط ثلاثي آستانة في عملية تقاسم نفوذ في سورية تحت عنوان مناطق خفض التصعيد، وسرّعت تطورات العراق عملية البحث في هذا التقاسم الذي بادرت تركيا إلى كشف تفاصيله لتؤكده معطيات الاجتماعات الأخيرة: آستانة –5.

لم تعد الأولوية للبحث عن حل سياسي شامل بقدر ما هي وضع اليد على سورية تحت مظلة شرعية نظام هو الفريق الأضعف بين حماته، وإذا كان الروس أتموا تظهير منطقة نفوذهم إلى حد بعيد في منطقة الساحل، فإن الخلافات التي سبقت آستانة الأخير ورافقته كانت بين الأتراك والإيرانيين كطرفين مشاركين، فأي سماح للإيرانيين بحضور مباشر في منطقة دمشق والجنوب السوري سيكون ثمنه حضور تركي في الشمال لا يستثني إدلب وحلب والمناطق الكردية. وفي أجواء كهذه يصبح الراعي الروسي منسقاً محترماً لكنه غير قادر على البت النهائي.

احتاجت نهاية الحرب العالمية الثانية إلى يالطا لإعادة تشكيل العالم. وآستانة لا تملك بمشاركيها مواصفات يالطا لتحسم مصير سورية ومعها العراق في نهاية حرب عالمية فعلية تخاض على أرضهما. إنها في أقصى الطموحات «بروفا» يحملها الرئيس الروسي بوتين معه إلى لقائه الرئيس الأميركي ترامب، فالبحث في التسويات النهائية يحتاج انخراطاً أميركياً كاملاً وهذا لم يحصل بعد.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة