الدولة العربيّة الفلانيّة تنسّق أمنيّاً مع إسرائيل. المسؤول العربيّ الفلانيّ التقى مسؤولاً إسرائيليّاً في عاصمة غربيّة...
هذا الصنف من الأخبار غالباً ما يُقدّم كأنّه فضيحة. مع هذا تتناقص أهميّته ويتناقص الاهتمام به. ذاك أنّ تكاثر «الفضائح» يزيل عنها فضائحيّتها. بذلك تبدو طبيعيّة أو أقرب إلى العاديّة والمألوف.
والحال أنّ ذاك الصنف من الأخبار يفوق دائماً الإخبار عن حدث ما. إنّه يُستخدم لغرضين آخرين: إمّا للتحريض أو لإحراج خصم سياسيّ. لكنّ الجديد (الذي لم يعد جديداً جدّاً) أنّ الأخبار هذه لم تعد تحرّض، لا سيّما في ظلّ انشغال الشعوب العربيّة، شعباً شعباً، بهموم تكاد تعادل البقاء والفناء. وهي أيضاً بالكاد تُحرج من يوصفون بارتكاب الفضيحة. الدليل أنّ الذين يراد إحراجهم لم يعودوا، إلّا نادراً، يكذّبون الخبر.
أحد أسباب هذا التضاؤل في الفعاليّة هو الإفراط في استخدام الأخبار التي تتعلّق بإسرائيل، وصولاً إلى ابتذالها الكامل. بشاعة الدولة العبريّة وممارساتها العنصريّة لا تواجهها إدانة رصينة ومحترمة. ما يواجهها هو الخفّة المطلقة، أو ما تسمّيه العاميّة «جلجقة» و «هرقة». حدث في حجم طعنة بالسكّين ليهوديّ في الشارع، أو إضراب أسرى فلسطينيّين عن الطعام، يُقدّم كحدث هيوليّ. كبداية ونهاية. كفجر جديد. هذه الرؤيويّة لا تردع عن نسيانه تماماً بعد يوم أو يومين في الأكثر. من يقدّم الحدث على هذا النحو لا يُحمل على محمل الجدّ.
ثمّ هناك التأويل الأخرق: فكلّ نقد يوجّهه سياسيّ إسرائيليّ لدولته، وكلّ تنبيه يصدر عن عسكريّ إسرائيليّ إلى قوّة «حزب الله» أو «حماس»، يُنتزع من وظيفته الفعليّة في مجتمع يقوم، إلى حدّ بعيد، على النقد والمساءلة والمعرفة، وطبعاً على اللعبة السياسيّة. عندنا، يتمّ تلقّف ذاك الخبر بوصفه إعلاناً عن استسلام وشيك لـ «الكيان الصهيونيّ». عن «أزمة» و «مأزق» قد يوديان به. يسير هذا يداً بيد مع إبداء المخاوف من عدوانيّة إسرائيليّة وتفوّق عسكريّ لا ينجّينا منهما إلّا الله. الإعلان عن «انتهاء زمن الهزائم» يترافق مع التخوّف من ضربة إسرائيليّة ماحقة.
وهناك أيضاً الانتقائيّة. فالزعيم الذي نكرهه يلتقي إسرائيليّين ويعقد اتّفاقات معهم. الزعيم الذي نحبّه لا يفعل حتّى لو فعل. خبرُه لا يستحقّ إلّا الطمس.
لكنّ «الصلة» بإسرائيل لم تعد خبراً مهمّاً، ناهيك عن أن تكون فضيحة، لأسباب أخرى أهمّ. ذاك أنّ الثورات العربيّة وقمعها وانكشاف أنظمتها دلّت وتدلّ على عالم فضائحيّ تتقلّص معه الفضائحيّة المعهودة. مثلاً: بعد كلّ ما فعله بشّار الأسد، مثلاً لا حصراً، هل يُعدّ بين الفضائح لقاءٌ يعقده مع مسؤول إسرائيليّ؟
وهناك «داعش» وعنف الأطراف الدينيّة التي نزعت الإعجاز والغرابة عن كلّ حدث آخر. وهناك إيران التي أدّى ويؤدّي نهجها التوسّعيّ إلى تقزيم العدوانيّة الإسرائيليّة. وهناك انكشاف مدى الحقد والضغينة في ما بيننا وبيننا، أدياناً وطوائف وإثنيّات، ما يجعل التنازع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ، وما تبقّى من تنازع عربيّ – إسرائيليّ، مجرّد واحد من التناقضات الأهليّة في المنطقة: واحدٍ ليس أعنفها وأكثرها دمويّة، ولا أشدّها تأثيراً في أحوال منطقتنا أو العالم.
هكذا، بات يُستحسن بالمعوّلين على أخبار يظنّونها فضائحيّة أن يوفّروا جهدهم المهدور مجّاناً. الأخبار تلك لم تعد أخباراً. الإعلاميّ هو، بين أشياء أخرى، من يقبض على الجديد. هذا بات قديماً وميّتاً، فضلاً عن كونه مضجراً جدّاً. |