بدأت معركة تحرير مدينة الرقة من أيدي تنظيم «داعش» وتتزايد التقارير عن المناطق التي تمت استعادتها من المنظمة الإرهابية. الولايات المتحدة وحلفاؤها يقدمون الحملة في شكلٍ إيجابي، قائلين إن تجريد ما يسمى بـ «الخلافة» من عاصمتها سيشكل ضربةً قويةً للتنظيم. لكن تحرير مدينة الرقة يواجه عدداً من التحديات الكبيرة التي يجب على التحالف الدولي المناهض لتنظيم «داعش» أن يوليها الاهتمام، وإلا فإن مكاسب الحملة ستطغى عليها موجة جديدة من التوتر.
لا يزال التوتر العرقي مشكلة محتملة. فالحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة يتم دعمها على الأرض في شكلٍ رئيسي بواسطة «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) التي لا تزال تحت سيطرة المقاتلين المنتمين لـ «وحدات حماية الشعب الكردية» على رغم وجود مقاتلين عرب داخل صفوفها. وأدلت الولايات المتحدة ببيانات تفيد بأن المناطق المحررة من تنظيم «داعش» على يد قوات سورية الديموقراطية سيتم تسليمها للعرب لكي يحكموها وليس للأكراد، في محاولةٍ لتخفيف التوتر العرقي المحتمل.
إلا أن نطاق التعاون بين قوات سورية الديموقراطية والسكان المحليين في المناطق المحررة ما زال غير واضح، بخاصة أن التقارير المبكرة مثل تقرير الزميل حايد حايد الذي تم نشره على موقع مجلس الأطلنطي الالكتروني في أيار (مايو) تشير إلى أن قوات سورية الديموقراطية ستستخدم نهجاً للحكم المحلي في مدينة الرقة يشبه النهج الذي استخدمته عندما قامت بتحرير مدينة منبج العام الماضي. يدور هذا النهج حول إشراك العرب في مجالس الإدارة الذاتية ولكن من دون منحهم سلطة حقيقية. ويمهد مثل هذا النموذج الطريق للتوتر الكردي- العربي في المستقبل القريب.
التوتر القَبَلِيّ هو مصدر قلق آخر. فقامت الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع الأردن والإمارات العربية المتحدة وغيرهما من الأقطاب الخارجية الأخرى بحشد القبائل لتكون بمثابة شركاء محليين في الحملة ضد تنظيم «داعش». وخلقت تلك الأيدي الدولية «جيش العشائر» الذي يشارك في القتال في جنوب سورية وكذلك في الشرق. ومع ذلك، فإن الاعتماد على العشائر للسيطرة على المناطق ما بعد تنظيم «داعش» ليس نموذجاً يمكن تطبيقه في شكل موحد. هناك فرق بين الديناميكيات الريفية والحضرية في هذا الصدد، وكذلك بين المناطق المختلفة: ولذا من المرجح أن تشهد مدينة دير الزور وريف الرقة نجاحاً أكبر في تنفيذ «مجلس العشائر» منه في مدينة الرقة.
علاوةً على ذلك، ولأن القبائل غالباً ما تعمل على أساس التحالف مع الجانب الذي يوفر لها الحماية، فقد عادت بعض القبائل في شرق سورية إلى دعم النظام. وهذا هو الحال بالنسبة الى قبيلة الشعيطات التي ذبح تنظيم «داعش» المئات من أعضائها في عام 2014، فانضم أعضاؤها في ما بعد إلى الجيش السوري في محاولة لكسب الحماية. لذلك، فإن الاعتماد على القبائل للسيطرة على الرقة بعد تحريرها يحمل خطر الاشتباكات القبلية.
أما المنافسة بين الأقطاب الخارجية فتترجم على أرض الواقع، ما يساهم في تقويض الحملة. فمنذ آذار (مارس)، قُتل نحو 700 مدني في أكثر من 150 ضربة جوية من التحالف المناهض لتنظيم «داعش» وفي معارك برية، وفرّ 160 الفاً من ديارهم وأصبحوا مشردين داخلياً. ووصفت الأمم المتحدة ضربات التحالف بأنها تسببت «بخسارة صاعقة في حياة المدنيين». لكن مدير الشؤون العامة في التحالف الدولي الكولونيل جو سكروكا رفض بشدة تقرير الأمم المتحدة قائلاً إنه يضع التحالف الدولي على قدم المساواة مع داعش. واتهم سكروكا وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية باستنساخ دعاية «داعش» عن غير قصد في تقاريرها عن الخسائر المدنية في سورية. وهذا البيان يضر بصدقية التحالف بدلاً من تعزيزه.
وهناك نزاع آخر يتعلق بتنفيذ «مناطق تخفيض التصعيد» على النحو المتفق عليه في أيار (مايو) 2017 في المحادثات التي تقودها روسيا في الآستانة. ينص الاتفاق على أن هذه المناطق ستسمح لوكالات الإغاثة الدولية بتوصيل الأغذية والخدمات الطبية الى المناطق المحاصرة. ولكن وكالات الإغاثة أفادت بعدم تطبيق هذا البند واستمرار النقص في الإمدادات الغذائية والطبية. إضافة إلى ذلك، يتم إجلاء بعض المناطق من سكانها في ما لاحظته الأمم المتحدة كزيادة في عدد «اتفاقيات الإجلاء»، وهي في الواقع عملية إجلاء السكان مباركة من قبل روسيا، الدافع الأساسي «الاعتبارات الاستراتيجية للأطراف المتحاربة التي تتفاوض»، وفقاً للجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في سورية.
وهناك أيضاً نزاع بين روسيا وحلفائها من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، حول من يحقق أكبر النتائج في محاربة «داعش». واسترجعت قوات سورية الديموقراطية حتى الآن سبع مقاطعات في محافظة الرقة من «داعش»، وقدمت بيانات علنية عدة عن انتصاراتها من أجل تسليط الضوء على إنجازات حملة التحالف بقيادة الولايات المتحدة. فيما أعلنت روسيا في وقتٍ لاحق أنها «ربما قتلت» زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في إحدى غاراتها الجوية في 28 أيار. ولكن لا يوجد دليل على أن البغدادي قد قُتل بالفعل في هذه الغارة، أو أنه داخل سورية. آخر بيان صوتي من قبل البغدادي أطلق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 ولا يُعرف مكان تواجده. حتى لو قُتل البغدادي، فإن هذا لن يؤدي إلى انهيار تنظيم «داعش»، حيث يقوده عدد من الشخصيات التي لا تزال هويتها مجهولة، في حين أن المجموعة غالباً ما تخلق شخصيات عامة من القادة المفترضين من أجل تحويل الانتباه بعيداً من الديناميكيات الفعلية التي تعمل من خلالها.
كل هذه التوترات، سواء بين الأقطاب المحليين أو الدوليين، تعني أن حملة الرقة لن تحقق الاستقرار في سورية، وستؤدي ببساطة إلى تحويل الصراع. إن هدف الحملة محدود ألا وهو هزيمة «داعش» عسكرياً وهذا يعني أيضاً أنه ينتهي إلى تجاهل أحد العوامل الرئيسية لعدم الاستقرار وهو النظام السوري.
وبعد أن الولايات المتحدة، وللمرة الأولى، أسقطت طائرة مقاتلة سورية كانت تهاجم قوات سورية الديموقراطية، أصدرت قوى المهمات المشتركة ضمن التحالف بياناً يوم 18 حزيران (يونيو) أكدت فيه أن «مهمة التحالف هي هزيمة داعش في العراق وسورية. ولا يسعى التحالف إلى محاربة قوات النظام السوري أو الروسي أو الموالي للنظام»، واختتم بدعوة «جميع الأطراف إلى تركيز جهودها على هزيمة داعش، الذي يُعد عدونا المشترك وأكبر تهديد للسلام والأمن على الصعيدين الإقليمي والعالمي». هذا الوصف غير الدقيق للصراع في سورية سيكون أكبر سبب للتوتر على الأرض في المستقبل.
* مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» - لندن |