الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: حزيران ١٠, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
في معنى قوة رئيس الدولة: المعايير - انطوان قربان
ما هي المعايير التي تسمح بوصف قائد سياسي أو رئيس دولة بالرجل القوي؟ ما المقصود من ذلك؟ هل المقصود هو القوة الجسدية؟ من السخافة تشبيه الرئيس أو القائد بالمجالد أو بالمصارع في المهرجانات الشعبية، القادر على أن يصرع خصمه أرضاً بقوّته العضلية فقط. إنما يمكن اعتبار الشجاعة، بمعنى القدرة على التغلّب على الخوف من الخطر، واحدةً من خصال القوة لدى رئيس الدولة. غير أن إتقان المجازفة يتوقّف عند جدار التهوّر. فالتهور، باعتباره غلواً، هو مصدر لخيبات أمل خطيرة. وهكذا، لم يتعافَ لبنان بعد من الآثار السلبية للمغامرات المتهوّرة، السياسية - العسكرية، التي طبعت السنتَين الأخيرتين من الحرب الأهلية، بين عامَي 1988 و1990. 

 يقولون لنا إن لبنان محظوظ بوجود رئيس قوي على رأس الدولة بشخص العماد ميشال عون. يستمدّ الأخير قوته من تمثيل مسيحي وازن، بعد التفاهم الذي جرى التوصّل إليه بين الحزبَين المسيحيين، القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. وقيل إن هذه الثنائية السياسية تحظى بتأييد غالبية المواطنين المسيحيين. لكن هذا الكلام غير دقيق البتّة إذا انطلقنا من الانتخابات البلدية الأخيرة التي تشكّل، شئنا أم أبينا، استطلاعاً ممتازاً وموثوقاً للآراء، من أجل قراءة مستوى الشعبية. نشير في هذا الإطار إلى أن الناخبين في الدوائر المسيحية لم يصوّتوا من منطلقات "طائفية"، لا سيما في المدن. لقد اختار الناخبون المسيحيون حداثةً معلمَنة ما مفضّلين إياها على المؤسسة المذهبية والإقطاعية التقليدية. ينبغي على الأجهزة الحزبية التوقّف مطوّلاً عند نتائج الانتخابات البلدية، والإدراك بأنه لم يعد بالإمكان مخاطبة المواطنين، لا سيما المسيحيين منهم، عام 2017، عبر الاستمرار بلا انقطاع باجترار مماحكات وشعارات من ماضٍ في حالة احتضار متقدِّمة.

 هل تكمن قوة رئيس الدولة التي يجزم البعض بشأنها، في تمكّنه من فرض الاحترام الأساسي للقاعدة الدستورية؟ قد نشكّ في ذلك انطلاقاً من أن رئيس الجمهورية، وهو المسؤول الوحيد الذي يُقسم اليمين على احترام الدستور، انتهك بنفسه القاعدة الدستورية عبر الامتناع عن التوقيع على مرسوم دعوة الناخبين للاقتراع في الانتخابات النيابية، بذريعة عدم التوصل إلى إجماع حتى الآن حول مشروع قانون انتخابي جديد داخل المجلس المصغّر للعشائر اللبنانية، أي الطغمة الحاكمة التي تسيطر على البلاد بأسرها، ومؤسساتها وحياتها العامة.

 قوة رئيس الجمهورية هي قوة الدستور لا قوته الشخصية؛ وكذلك قوة احترام أحكام الدستور. إجراء الانتخابات في موعدها، بحسب الروزنامة التي يُحدّدها الدستور، أهم بأشواط من القانون الانتخابي. يكفي تطبيق القانون القائم، حتى لو كان عرضةً للانتقاد، تفادياً لانتهاك الدستور. أما في ما يتعلق بقوة رئيس الدولة، فمصدرها ليس شخصه، ولا وزنه الطائفي، بل سيادة الشعب اللبناني التي يقع على عاتقه وحده تجسيدها بكامل معانيها.

 أما عظمة رئيس الدولة فيستمدّها من قدرته الشخصية على التصرّف وفقاً لرؤية متكاملة ومتماسكة تتيح له، على الدوام، أخذ زمام المبادرة في إطار خط سياسي واضح؛ بما يجعل الدولة ومؤسساتها والمؤتمنين عليها فاعلين في موقع الفعل على الدوام، وليس مجرد كيانات هي في موقع رد الفعل على الأحداث التي تعصف من حولنا.

 لا بد من الاستنتاج بأنه لا أحد قوي في لبنان، ما عدا الأجنبي الذي يسيطر على رأس جسر تأخذ ترسانته البلد رهينةً وتتسبب بعزل لبنان، أكثر فأكثر، داخل محيطه الإقليمي.

وقد شهدنا مؤخراً على هذا الوضع المثير للشفقة في قمة الرياض. كنّا نرغب في رؤية لبنان ممثَّلاً برئيسه المسيحي، ويحظى بالتكريم من أشقائه العرب، بدلاً من وضعه على الهامش. قوة الرئيس المسيحي في لبنان تكمن أيضاً وقبل كل شيء، في التقدير الشديد الذي لطالما أبداه العرب لهذا البلد ولمسيحييه الذين يُنظَر إليهم بأنهم نموذج يُحتذى.

 غير أن هذا الوضع تغيّر. وفي هذا الصدد، التقوقع على الذات الذي تقوم به الثنائية المسيحية اللبنانية، مقروناً بالغياب المطلق للرؤية والمرجعية الأخلاقية لدى الطبقة السياسية بكاملها، هو خطوة انتحارية.

أستاذ في الجامعة اليسوعية 
ترجمة نسرين ناضر عن الفرنسية


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة